هل يُلاحَق 4 ملايين لُبنانيّ؟
كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
في وقتٍ كانت فيه صفحات اللبنانيّين على مواقع التواصل الاجتماعي مساحة حرّة لعرض صورهم التي تعكسُ لحظاتهم المميّزة ومقتنياتهم وسهراتهم ورحلاتهم وحتّى طعامهم، تحوّلت اليوم، ومع اشتداد عصف الازمات، الى مساحةٍ لـ”فشّ الخلق” وللتّعبير عن النّفس بطريقةٍ غير مسبوقة.
صورةٌ واحدة أو تصريحٌ بسيطٌ لنائبٍ أو زعيمٍ سياسي قد يحصدان مئات عبارات السُّباب والشتائم من مواطنين لم يعد يكترثون بعد اليوم لاخفاء أسمائهم والتّعبير عمّا يشعرون به عبر حسابات وهميّة، فالازمات على أنواعها أفقدت اللبنانيّين أعصابهم ودفعت بهم الى التخلّي عن أبسط قواعد التّعبير عن النفس في وطنٍ تحكُمه سلطة متصلّبة وعنيدة لا تهزُّها حتّى الشتائم!
يؤكّد المحامي باسكال أبو فاضل لموقع mtv أنّ “القانون يُلاحق الافراد في جرم القدح والذمّ والتّشهير حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، بالرّغم من أنّه لم يُحدَّث لمواكبة التكنولوجيا، إلاّ أن النّصوص والموادّ القديمة تُطبَّق بحسب كلّ حالة”، شارحاً أنّ “مختلف عبارات الشّتم، وتناول كرامة الشّخص وعائلته، والنّيل من الشّرف، وحتّى تشبيه الانسان بصفات حيوانيّة، فضلاً عن نشر صورة مع إيحاءات مُعيّنة، كلّها تُعرّض مُرتكبها للملاحقة القانونيّة بحسب المادتين رقم 383 و582 معطوفتين على المادة 209 من قانون العقوبات اللبنانيّ وذلك بعد إدّعاء شخصي، أمّا في حال التعرّض لرئيس الجمهورية مثلاً، فإنّ النيابة العامة تتحرّك عفواً أي بصورة فوريّة من دون أيّ إدعاء نظراً لما يعتبره القانون مسّاً بكرامة رئيس الجمهورية بحسب المادّة رقم 384 التي تُعاقب مرتكب الجرم بالحبس من ستّة أشهر الى سنتين”. ويشدّد أبو فاضل على أنّه “بين حريّة التّعبير والجرم الذي يُترجم بالتعرّض لكرامة وشرف الانسان، هناك حاجزٌ صغيرٌ لا يجب تخطّيه لانّ القانون بالمرصاد ولا يُراعي ظروف البلاد، إلا ما يحصل على أرض الواقع هو أنّ عدداً كبيراً جدّاً من اللبنانيّين يُعبّرون عن آرائهم على صفحات مواقع التّواصل الاجتماعي ما يُصعِّب عمليّاً ملاحقتهم ورصد كلّ أنواع الجرم”.
أمّا بالنّسبة لملفّ تخزين المحروقات وبثّ شائعات حول تورّط أفراد وعدد من السياسيّين في التخزين والتهريب تمّ نفيها لاحقاً، فيلفت أبو فاضل الى أنّه هناك “ضوابط لتخزين المحروقات يحدّدها القانون أيضاً، فالتخزين هو أمرٌ غير أخلاقي وغير قانوني، فمن الناحية الاخلاقيّة، التخزين يحرُم باقي الاشخاص من الحصول على الموادّ، أما من الناحية القانونيّة فتخزين كميات كبيرة بحاجة لرُخص ولشروط مُعيّنة، فضلاً عن أنّها تشكّل خطراً على السلامة العامّة، أضف الى ذلك موضوع التهريب والبيع في السّوق السوداء، كلّها يُحاسب عليها القانون ويعاقب المرتكبين من جهة، وأيضاً مطلقي الشائعات من جهة أخرى في هذا الملف”.
في وقتٍ يُضرِب فيه المحامون والقضاة ويعترضون على الكثير من الغُبن الذي يلحقُ بهم، تبقى هذه المؤسّسة الضمانة الوحيدة والمتبقّية لضبط الايقاع وإعلاء القانون في هذه الادغال التي بتنا نعيش فيها. أمّا ما يحصل على صفحات اللبنانيّين، فهو بطبيعة الحال والمنطق الوسيلة الوحيدة المتبقّية أمام الشّعب للتعبير عن الغضب العارم. وإن كان القانون بإمكانه ملاحقة كتّاب وروّاد هذه المواقع، فهل باستطاعة السّجون إستقبال 4 ملايين لبنانيّ؟ طبعاً لا، ولكن يُمكنها أن تُضيف الى غرفها بعضاً من الاسرّة لمئات السياسيّين المُجرمين…