ما يرقى إلى مستوى الجرائم!
كم مرة اجتمع المجلس الأعلى للدفاع بدعوة من الرئيس ميشال عون للبحث في مسلسل الأزمات القاتلة التي تدفن لبنان واللبنانيين، وخصوصاً لمعالجة مشكلة امتصاص روح لبنان عبر التهريب الى سوريا، ولكن ماذا كانت النتيجة، فقد جاء وقت قبل أسبوعين قرأ فيه الناس ان اصحاب خطوط التهريب يفكرون بتشكيل منظمة لهم، بالأحرى “حكومة” تنظم أعمالهم على خطوط التهريب، في وقت يعجز العهد القوي عن تشكيل حكومة كما هو معروف.
وعندما يصرف البنك المركزي في شهر تموز الماضي 828 مليون دولار على دعم المحروقات ومن ودائع الناس، ألا يفكر المجلس الأعلى للدفاع الذي يستعمله عون بديلاً مرحلياً من الحكومة، في ان هناك مافيات وكارتيلات نهب واحتكار تستغل بجشع الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية وهو يعرف أصحابها واحداً واحداً، ومن يحميهم من السياسيين والحيتان، وان هناك سوقاً سوداء في كل شيء من الدولار الى رغيف الخبز، فماذا فعل غير اصدار البيانات الإنشائية من دون القبض على مهرّب واحد او محتكر واحد او متلاعب واحد بالأسعار؟
ثم أي مجلس أعلى للدفاع هذا الذي يجتمع للبحث في الأمن والمازوت، والذي لم يقل كلمة عما حصل في شويا وغيرها، والذي يعرف جيداً من هم ابطال السوق السوداء ورابطة الحراميي، ولكن ماذا يفعل عندما يقول عون قبل اشهر ان السياسيين هم حماة الفساد، فكيف نوقف عملية تدمير لبنان، إذا لم يتم سَوق السياسيين وشركائهم في كارتيلات النهب والفساد الى السجون، وهو امر مستحيل لأن القرار في أيديهم بينما الشعب في الذل، والغريب انه لم ينفجر بعد مثل قنبلة تمزقهم جميعاً، فلا حل اطلاقاً إلا بكنس السياسيين الفاسدين وهم معروفون للقاصي والداني، وإلقائهم في النفايات وقيام حكم جديد!
قبل اشهر قال عون انه سيسلم البلد افضل مما كان عليه. هل يتذكر هذا الكلام الآن، عندما يقول العالم ان لبنان سجل الإنهيار الأسوأ في التاريخ، وهل يعلم “بيّ الكل” ان الحد الأدنى للأجور اصبح عندنا في “عهده القوي” 37 دولارا فقط، بينما هو 114 في الصومال و78 في بنغلادش و66 في اثيوبيا، فكيف يا إلهي يستطيع النوم في القصر الذي خاطب فيه اللبنانيين بالقول “يا شعب لبنان العظيم”، وقد اصبح هذا الشعب في عهده حثالة الجوع والمرض والتخلف والذل!
منذ سنة، وتحديداً في عشرين آب الماضي، حذّر رياض سلامة من المسّ بالتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية، فماذا فعل العهد والمجلس الأعلى للدفاع، وخصوصاً عندما يقول البعض ان قيمة تهريب المازوت والبنزين والدواء وكل شيء الى سوريا وصلت الى 8 مليارات دولار؟ لم يفعل شيئاً على الإطلاق، في وقت يواصل العونيون اطلاق النار على رياض سلامة والبنك المركزي، لأنه يريد وقف مواصلة سرقة أموال المودعين اللبنانيين لتغطية عجــز وتقصــير دولــة الفســاد والنهب، التي يحميها السياسيون كما يقول عون.
الأدهى من كل هذا اننا في الجحيم والعهد في نعيم النقاش حول الحصص الحكومية وحول الوزارات، الداخلية وغيرها، فقط طار مصطفى اديب وطار سعد الحريري وسيطير نجيب ميقاتي، لكن العجب العجاب ان يقول جبران باسيل ان عدم موافقة رياض سلامة على تمويل الكهرباء “يرقى الى مستوى الجريمة” هكذا بالحرف، ولكأن خسارة الكهرباء خمسين مليار دولار واستئجار البواخر التركية بمبالغ تفوق ثمنها بالملايين، وقصص الفيول والسدود، فإنها عليم الله ترقى الى مستوى المسؤولية الوطنية الفذة لإنجاح العهد القوي، الذي لم ولن يتمكن من ضبط حدود البلاد لوقف التهريب، ومن ضبط السوق السوداء والمحتكرين، ولقد شبع الناس بيانات شعرية من المجلس الأعلى للدفاع!