إلى الآن خطفت طرقات لبنان وحوادث السير كثرا، والأكيد أننا سنفقد آخرين بعد طالما شيئا لم يتغيّر.
صار اليوم لإبن الـ 12 سنة، حصة في قصص طرقات الموت وعجز المواطنين عن تأمين سرير لهم في المستشفى ولذلك خسر جنيد آخر فرصة له للبقاء على قيد الحياة.
جُنَيد باسم العريضي، قد لا يكون الضحية الأصغر لكنه من أصغر من خسروا حياتهم وخسرتهم عائلاتهم في حوادث غادرة.
جنيد كان برفقة أخيه عند شاطئ الأوزاعي، بعدما أصرّ على الذهاب إلى البحر قائلا:” طالع ع بالي شوف البحر” من دون أن يعرف أنّ الموت ينتظره هناك.
لعب جنيد وجمع الحصى، عاش لحظات حياته الأخيرة بكثير من الفرح والسعادة وحين كان يستعد للمغادرة مع أخيه في السيارة المستأجرة وقع حادث سير.
توقف عندها الأخ الأكبر جانبا واتصل بالإسعاف قبل أن يترجل جنيد من السيارة بداعي الفضول وعندما طلب منه أخاه العودة إلى السيارة كانت اللّحظة متأخرة. فقد فقدت سيارة عابرة في المنطقة السيطرة إثر انزلاقها بسبب الزيت المتسرب من الحادث الأول واجتاحت جسد جنيد الصغير.
مستشفى بشامون حضن جسد جنيد المتضرر لكنّ الضرر كان أكبر من قدرة المستشفى على المعالجة لأنّ الحاجة كانت لمستشفى تخصصي فالـ “ضربة” كانت عرضت القسم السُفلي من جَسدِه لأضرار كبيرة إضافةً إلى نزيف في رأسِه.
ساعات البحث والوساطات انتهت أخيرا بنقل جنيد إلى مستشفى الجعيتاوي لكنّ بعد نصف ساعة من وصولها فارق الحياة.
خلود، شقيقة جنيد تقول في هذا الإطار:” نعيش في دولة فاسدة لا يمكنها تأمين سرير لمصاب في أمسِّ الحَاجةِ إليه، ففي خلال العشر ساعات التي أمضيناها بانتظار نقل جنيد إنتهى املي بهذا البلد”.
تستذكر خلود جنيد وصفاته الطيّبة بالقول:””كان جنيد يُشعِرنا أنّه أكبر من عمره الحقيقي، في كل المآتم كان يحضر لتوزيع الماء، كان يقول لوالدته: لا تهتمي لشيء سأكون سندك الذي لن يتخلى عنك يوماً، سأعمل كل ما في وسعي لأسعدك”.
وتضيف: “كان جنيد يصنع وشاحات من الصّوف، وقبل أيام أحضرَ لي واحداً قائلاً لي: “هذا آخر وشاح أصنعه، كان ذلك بعد يوم من تاريخ مولده، كما أطلعني أنّه يخشى الرسوب، حيث كان تلميذاً في مدرسة بيصور الرسميّة في الصف الخامس إبتدائي، وذلك بسبب صعوبة دروس الـ “أونلاين” وأن يُؤدي ذلك الى غضب والدي منه، إلّا أنّهُ رحلَ قبل أن يعلمَ نتيجته، رحلَ تاركاً لنا جرحاً غائراً”.
صحيح أنّ للقدر الظالم حصة من المأساة لكنّ جنيد أيضا ضحية إهمال الدولة والمستشفيات، فمتى نخرج من أحزاننا؟