منوعات

دمية روسية موجودة في كل بيت… اليكم قصتها

يعرف الكثيرون الدمى الروسية المتداخلة “ماتريوشكا” (بالروسية: Матрёшка) التي تعرف أيضا باسم “دمية التعشيش الروسية”. هذه الدمى بيضاوية الشكل وتنقسم إلى جزأين علوي وسفلي قابلين للانفصال والفك، وتحوي داخلها دمى أخرى لها نفس الشكل غالبا، لكن بحجم أصغر.

في الأساس، هذه الدمى ترسم عليها صورة سيدة روسية ريفية ترتدي “سرفان” وحجاب رأس، وقد تتخذ أيضا مئات التصميمات والرسوم الخارجية، لكنها تظل عبارة عن عدة دمى متداخلة. لكن ما قصة صناعة هذه الدمى الروسية المتداخلة، وما سرّ شهرتها؟

نشأة الدمى الروسية المتداخلة
بالأساس، جرى تصميم دمية ماتريوشكا على أنها لعبة أطفال، لكن بمرور الوقت أصبحت تمثل شيئا متجذرا يخص الثقافة الروسية. توجد العديد من المصادر التي تتحدث عن أصل ونشأة هذه الدمى، ويقول أحدها إن ماتريوشكا ظهرت في موسكو عام 1898، وذلك خلال دروس تعليم أطفال عائلة مامونتوف، وهي عائلة روسية ثرية نالت ثروتها من بناء السكك الحديدية.

ويعتقد أن الحرفي فاسيلي زفيزدوتشكا، والفنان سيرجي ماليوتين، هما من صمم النموذج الأول للعبة التي استخدمت في دروس الأطفال هذه، وكانت حينها تتكون من 8 دمى متداخلة، بحسب ما شرحته فيرا بولياكوفا، أمينة المعرض في متحف موسكو الفني والتربوي للألعاب، في حديث لها مع النسخة الإنجليزية من وكالة “الأناضول” التركية.

صوّرت أول دمية ماتريوشكا فتاة روسية ترتدي فستان الشمس والمنديل أو حجاب الرأس، بينما تحمل ديكا، وكان داخلها دمى أخرى على شكل أطفال فلاحين. وينتشر اعتقاد أن الفنان الروسي ماليوتين صنع هذه اللعبة على غرار دمية كانت تصنع في جزيرة هونشو اليابانية على شكل راهب بوذي عجوز حكيم أصلع، أحضرت لتباع في متجر ألعاب مامونتوف في موسكو، كما أشار موقع “بريدج تو موسكو” (Bridge to Moscow) المتخصص بتقديم معلومات عن روسيا باللغة الإنجليزية، لكن تشير مصادر روسية أخرى إلى أن الفنان الروسي لم يقتبس الفكرة بل بدأها بنفسه.

كانت اللعبة تسمى “ماتريونا”، وهو اسم مشتق من الجذر اللاتيني لكلمة “الأم”، لكن الناس اعتبروا هذه التسمية غير مناسبة، لذلك بدؤوا استخدام اسم مصغر للأم، وهو “ماتريوشكا” المتداول إلى الآن.

هذه البداية للعبة وكونها لعبة تعليمية للأطفال ما زال معمولا به حاليا، إذ يعتبرها بعض التربويين وسيلة جيدة لمساعدة الأطفال على تعلم الألوان والأحجام والأشكال المختلفة، فبفضل أحجامها المتباينة يمكن تعليم الأطفال الفرق بين الكبير والصغير والوسط.

فيما أشارت دينا محمد، أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن بجامعة عين شمس في مصر، إلى ترجيح آخر لنشأة هذه الدمى في مقالها على موقع إذاعة “سبوتنيك” الروسية. إذ يذهب رأي آخر إلى أن نشأة الدمى كانت اقتباسا من بعض الفنانين الروس لبيضات عيد الفصح الجوفاء القابلة للانفصال، وكذلك لفتت في مقالها إلى قصة فلكلورية أخرى، وهي ارتباط الدمى بتمثال صنم وثني كان مصنوعا من الخشب على شكل امرأة، وفي داخله تمثال صغير يمثل حفيدها، وكان يعبده الصقالبة القدامى، وهو مصطلح كان يطلقه العرب والمسلمون الأوائل على الشعوب السلافية، وهم من توطنوا في أوراسيا، وامتد انتشارهم في وسط وشرق وجنوب شرق أوروبا.

انتشار دمى الماتريوشكا عالميا
بدأت دمى الماتريوشكا تنتشر على نطاق أوسع من العاصمة، إذ نُقلت من موسكو إلى مدينة سرغيايف بوساد على بعد حوالي 75 كيلومترا في الشمال الشرقي، حيث واصل الحرفيون المحليون تقليد صناعة الدمى، وأصبحت مركزا لصناعتها لاحقا.

وبدأت الدمية تنتشر عالميا واكتسبت شهرة حقيقية في بداية القرن العشرين، وذلك عندما عرضت في معرض عالمي أقيم في باريس عام 1904، وأصبحت رمزا صغيرا يشير إلى روسيا أو الثقافة الروسية، وانتشرت صناعتها وتنوعت أشكالها منذ خروجها من روسيا إلى العالم، وتحديدا المعارض العالمية.

خلال هذه الفترة، بدأت الدمى تأخذ أشكالا وتصميمات متنوعة، إذ بدأت تصمم دمى بصور شخصيات سياسية شهيرة في روسيا، مثل: الرئيس السابق للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، والقائد الثاني للاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين، وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية وأول رئيس للاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين.

كما أخذت شكل شخصيات شهيرة، وزُينت لتعكس الأعمال الأدبية أو الأحداث التاريخية الشهيرة. مثلا، في عام 1912، وخلال الذكرى المئوية للغزو الفرنسي لروسيا، تم صنع دميتين خاصتين تمثلان نابليون وخصمه في ميدان المعركة المارشال الروسي ميخائيل كوتوزوف، وخلال الذكرى المئوية لميلاد الكاتب الروسي الكلاسيكي نيكولاي غوغول، صنعت دمى تحمل صورته وصور أدباء آخرين، لذلك أصبحت الدمية مرتبطة بصورة أو بأخرى بروسيا في التصور الشعبي خارج أراضي الدب الروسي.

أيضا، جرّب الفنانون في أوائل القرن العشرين تصميم الدمية بأشكال غير البيضاوية، إذ صمموا دمى مخروطية الشكل أو على شكل خوذة، كما صنعت دمى على صور مختلف المجموعات العرقية والوطنية في ملابسهم التقليدية. لكن مع مرور الوقت، عاد بعض الحرفيين إلى الصورة التقليدية للسيدة ماتريوشكا.

صناعة دمى الماتريوشكا
الدمية التي أصبحت من رموز الثقافة الروسية تصنع عادة من خشب الزيزفون أو الصندل، وتزين بالألوان الزيتية والمائية. لكن من المهم أن تصنع الدمية والدمى داخلها من نوع الخشب نفسه، وتزين بالألوان نفسها، إذ يتفاعل كل نوع خشب بطريقة مختلفة مع ظروف الرطوبة ودرجات الحرارة والألوان.

ويوجد متخصصون بأمور تفصيلية في هذه الدمى ولتطوير صناعتها، إذ ذكرت إيلينا كاليونوفا التي تدرس في كلية الفنون والحرف بمجمع موسكو التعليمي الأول -لوكالة الأناضول- أن خشب التيليا هو أفضل خشب لصنع الدمية، وذلك لأنه نظيف وناعم، وفيه عدد قليل من الفروع، مما يجعله مثاليا لصنع دمى بأحجام متنوعة.

فيما أشارت دارسة الفنون إلى استخدام خشب البتولا لصنع الدمية خلال الحقبة السوفياتية، وذلك لنقص أشجار التيليا وقتها، لكن شجر البتولا أكثر صلابة، ولونه أكثر دفئا، حتى إنه يصلح ليكون لون وجه الدمية الطبيعي دون الحاجة إلى تلوينه، على عكس الأخشاب الأخرى التي قد تحتاج إلى تغطية الوجه بصبغة أو غراء أبيض تتشربه الدمية أولا قبل الرسم عليه.

ومن الضروري الانتظار ليجف هذا اللون التمهيدي قبل الرسم، وخلال هذه المهمة يضع الفنانون علامة على منتصف كل دمية لتتناسب مع مركز جميع الأشكال الأخرى، ثم يبدأ الرسم والتزيين، إما مباشرة أو بقلم رصاص لتحديد الأشكال ثم تلوينها. وغالبا بعد هذه المرحلة يتم طلاء الدمى “بالورنيش” لإضفاء سطوع ومظهر لامع عليها. لذلك؛ قد يستغرق متوسط صناعة الدمية من 1.5 ساعة إلى 3 ساعات إجمالا، بحسب الحجم والشكل ومدى تعقيد التصميم.

وبما أننا نتحدث عن المعلومات المثيرة عن هذه اللعبة، فقد يبهرك أن تعرف أن أكبر ماتريوشكا جرى صنعها بلغ عدد الدمى فيها 72 دمية، وقد عرضت في معرض طوكيو عام 1970. “الجزيرة”

مقالات ذات صلة