النقد الهدّام بين الزوجين.. ما انعكاساته على الأبناء؟
النقد أسلوب بناء حضاري في العلاقات الإنسانية، وهو ردة فعل لموقف أو سلوك غير متوقع أو خاطئ، لكن تختلف إدارة هذا النقد، فهناك من يوظفه بطريقة إيجابية قريبة للنفس يتقبلها الطرف الآخر، وهذا ما يعرف بالنقد “البنّاء”، وآخر يستخدمه بأسلوب منفّر يوصف بالنقد “الهدّام”.
ويعدّ النقد الهدّام من العوامل المؤثرة في الحياة الزوجية التي تنعكس بطبيعة الحال على جميع أفراد الأسرة. لكن ما أسبابه؟ وما مدى ارتباط هذا السلوك بطبيعة الناقد ونمط شخصيته وأسلوبه في الحياة؟ وما انعكاساته على الأبناء؟ الجزيرة نت حاورت خبير التربية الوالدية والعلاقات الزوجية الدكتور يزن عبده، للإجابة عن كافة هذه التساؤلات.
النقد بين الأزواج خط أحمر
يقول الدكتور عبده للجزيرة نت “النقد بين الأزواج قد يشكل خطورة بالغة على الحياة الزوجية، أو يهدد استمرار الأسرة عند تكراره بشكل كبير وبشدة عالية، كما يرفع نسبة التوتر في البيت؛ مما يجعل الأسرة خالية من مشاعر الأمان، سواء عند الزوجين أو الأبناء، إضافة إلى الضرر الذهني داخل الأسرة”.
ويلفت إلى أن المشاهدات الواقعية من داخل الأسرة تشير إلى تراجع دراسي عند الأبناء من كثرة التفكير بالعواقب وشكل المشكلات عند تكرار الانتقاد بين الزوجين، وهذا ما يؤدي إلى تشتت الأبناء ذهنيا.
ويتابع “يشعر الأبناء الذين ينشؤون في أسرة تعاني من هذه الظاهرة بعدم الأمان، ويعكسون هذه المشاعر على البيئة الاجتماعية المحيطة بهم، وخاصة المعلمين والأصدقاء، ويتوقعون انتقادا ممن حولهم، كما أنهم سيعيدون تدوير هذه الأساليب على من حولهم، وبالتالي ربما يصبحون شخصيات منبوذة وغير مرغوب بها داخل محيطهم”.
الطلاق البارد بين الزوجين
ويقول الخبير عبده “العديد من الأزواج يعيشون طلاقا باردا فيما بينهم بسبب كثرة الانتقاد، أي أنهم يعيشون تحت سقف واحد، ويتظاهرون بأنهم أزواج أمام المجتمع، لكن في حقيقة الأمر لا يوجد بينهم أي حب أو ود أو حتى حوار، وربما ينام كل منهم في غرفة منفصلة، وهذا له أثر كبير بل مخيف على حياتهم وعلى استقرار أبنائهم”.
ويشرح عبده “وما زلت أذكر العديد من الأزواج والزوجات الذين قدمت لهم الاستشارة حينما جاؤوا طالبين الطلاق، وإجاباتهم التي كانت تتمحور حول عدم الشعور برضا شريك الحياة بسبب كثرة الانتقاد الذي أوصلهم إلى الشعور بعدم حب شريك الحياة لهم”.
اضطرابات شخصية
ويقول الدكتور عبده “بلا شك، الزوج أو الزوجة ممن يستخدمون هذا الأسلوب مع شريك الحياة يعانون من اضطرابات شخصية من ناحيتين، الأولى: انفعالية، والثانية: اجتماعية، فكثيرا ما يكون الدافع وراء هذا الانتقاد -وخاصة عندما يكون بكثرة وبشدة عالية- هو أن هذا الشخص يعاني من اضطرابات الشخصية النرجسية”.
ويبين أن الشخصية النرجسية تصل إلى درجة مرَضيّة من الاعتزاز بالذات بشكل كبير، ولا تستطيع أن تشاهد خطأها، وتعتبر أن أي سلوك آخر يقوم به من حوله هو سلوك ضعيف وناقص، وبالتالي تلجأ هذه الشخصية إلى عدة أساليب منها الانتقاد.
إضافة إلى ذلك، فإننا نجد سببا آخر لمثل هذا السلوك غير المرغوب بين الأزواج، وهو عدم الشعور بالرضا عن الذات، وعدم تصالح الشخص مع ذاته، وهو ما يستدعي إسقاط هذا الأمر على من حوله، وأولهم شريك الحياة، فيكثر من استخدام أسلوب الانتقاد، وغالبا ما يكون على أسباب بسيطة أو تافهة، والدافع لذلك عنده هو تغذية شعوره بأن من حوله ضعفاء مثله، وفق ما ذكره الدكتور عبده.
إعادة تدوير الأساليب التربوية
ويشرح عبده أن الإنسان المنتقد للآخرين يعاني مما يسمى بإعادة تدوير الأساليب التربوية، أي أنه يعيد استخدام الطرق التي كان يشاهدها في صغره من والديه، فيتقيد حرفيا بالأساليب والوسائل التي نشأ وتربى عليها.
ويضيف أن عادات المجتمع وتأثير الأصدقاء له أثر بالغ في تعليم وتدريب الزوج على أسلوب الانتقاد، والشعور الزائف بأنه سبب رئيسي في تفوق الرجل على زوجته، حيث يوصله الانتقاد إلى شعور وهمي بأنه ذو سلطة وسطوة على بيته، وأنه يتحكم بجميع المفاصل، وأن الجميع يسعى لإرضائه.
نصائح عملية
ويوجّه الدكتور يزن عبده نصائح عملية للتخلص من الانتقاد بين الزوجين:
تقييم الذات: فهناك العديد من الأزواج والزوجات الذين لا يشعرون بضيق شريك الحياة من كثر الانتقاد، ويعتبرون ما يقومون به شيئا طبيعيا، بالرغم من أنهم يسيرون بأسرهم إلى انفجار قنبلة موقوتة في وجوههم. ونصح بأن يكون التقييم مكتوبا، أي أن يكتب الزوج أو الزوجة على ورقة سبب الانتقاد الذي قام به، وما العبارات التي خرجت منه، وما ردة فعل شريك الحياة على هذا الانتقاد، ثم يكتب بديلا لهذا الانتقاد.
استخدام أساليب مختلفة: بدلا من الانتقاد، والتي منها: التجاهل، والحوار، والقدوة.
المصارحة: وخاصة من شريك الحياة الذي يتلقى الانتقاد، حيث يعتبر الكبت وعدم المصارحة من الأسباب الرئيسية التي تحول الأخطاء إلى مشاكل بين الزوجين، فالأفضل أن يقوم بالمصارحة بطريقة ووقت مناسبين، ليبدؤوا بعد ذلك رحلة التغيير.
تذكر أثر الانتقاد على حياة الأسرة: ومدى الضرر النفسي والذهني والاجتماعي والمادي على الأسرة، وهو مما يخفف من حدة وعدد مرات الانتقاد، إلى أن يصلا إلى مستوى “صفر” من الانتقاد بينهما. (منى خير-الجزيرة.نت)