“لقد أصبحت صالات الرياضة للنحيفين فقط، أما البدناء فعليهم البقاء في البيت والتهام رقائق البطاطس المقلية؛ إذ تُعد محاولة شخص ممتلئ ارتياد صالة رياضية، أو العدو في الهواء الطلق، أمرا باعثا على القلق”، حسبما تقول صوفي هاغن، الفنانة الكوميدية الدانماركية الناشطة ضد انتشار “رهاب السمنة” في الحملات الإعلانية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، في كتاب لها بعنوان “السمينة السعيدة”.
ذكرت هاغن في كتابها أن “استطلاعا عن التمييز على أساس نسبة الدهون، وجد أن 89% من الأشخاص البدينين يفضلون الإصابة بالعمى، على المعاناة من السمنة”.
لذا، تقول الكاتبة والمدونة، كيلي ريتش “إذا كنت سمينا لأي سبب، أو بدون سبب على الإطلاق، فمن المحتمل أن تواجه التحيز أو الشفقة أو كليهما معا”.
رهاب السمنة
رهاب السمنة، أو “فاتفوبيا”، يعني “الخوف من الأجسام السمينة، والتحيز ضد من يعانون زيادة الوزن”، كما تقول الدكتورة ماري هيملشتاين، المتخصصة في دراسة تأثير وصمة الوزن على الصحة.
ويحدث غالبا بحجة القلق على الشخص البدين والرغبة في مساعدته، من خلال نصحه بممارسة الرياضة، أو التخسيس. وقد وجدت دراسة أن “تحيز المجتمع ضد السمنة، قد ارتفع بنسبة 40% بين عامي 2004 و2010”.
إنها وصمة زيادة الوزن، تلك الوصمة التي اكتشف تحليل أُجري عام 2016 لبيانات 21 ألف أميركي “وجود ارتباط ذي دلالة بينها وبين ارتفاع الإصابة بأمراض القلب وقرحة المعدة وداء السكري وزيادة نسبة الكولسترول”.
كما أظهرت دراسات أخرى أن التعرض لوصمة زيادة الوزن بشكل دائم “يرفع من مستويات الكورتيزول وغيره من المؤثرات الفسيولوجية التي ترتبط بحدوث نتائج صحية سلبية”.
وأظهرت الأبحاث أن هذا النوع من المساعدة لا يفيد، وأن التفكير في أن “انتقاد جسد شخص ما سيساعد في تحفيزه على تغييره” هو اعتقاد خاطئ؛ فالحقيقة أن رهاب السمنة “يسبب للشخص البدين مزيدا من القلق والاكتئاب، وضعف الثقة بالنفس؛ ويُقلل من حماسه لممارسة الرياضة، ويدفعه للإفراط في الأكل”.
لذا، أوضحت هيميلشتاين أن الآثار الجسدية لرهاب السمنة خطيرة، فالتقليل من قيمة الشخص بسبب وزن جسمه “يمثل مصدر قلق أكبر للصحة، إذ لم تعد المشكلة مرتبطة بدهون الجسم، بقدر ارتباطها بالإجهاد الناتج عن هذا النوع من الرهاب، الذي يؤدي إلى زيادة المرض والوفيات”.
التركيز على دراسات بعينها
في أواخر العام الماضي، نُشرت دراسة شملت أكثر من نصف مليون شخص في إسبانيا، أشارت إلى أن “الأفراد الذين يعانون زيادة الوزن أو السمنة معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بأمراض القلب؛ بغض النظر عن ممارستهم الرياضة بانتظام”، مشددة على أن “إنقاص الوزن، في حد ذاته، ينبغي أن يظل هدفا أساسيا، لتقليل هذه المخاطر لدى من يعانون السمنة”.
أبحاث يتم تجاهلها
لكن المفاجأة -كما تقول فرجينيا سول سميث مؤلفة كتاب “فكرة الأكل”، على موقع “ساينتيفيك أميركان” (Scientific American)- أن النتائج المشار إليها، التي تحظى بالاهتمام والنشر على نطاق واسع، “تتناقض مع نتائج العديد من الدراسات البحثية الأخرى”.
فحسب دراسة نُشرت عام 2017، وشملت أكثر من 5 آلاف من الهولنديين، على مدار 15 عاما، اتضح أن “أصحاب الأوزان الزائدة الذين يمارسون مستويات عالية من النشاط البدني، لم تزد لديهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب، بالمقارنة مع من يمارسون النشاط البدني نفسه من ذوي الوزن الطبيعي”؛ وهو نفس ما أثبته تحليل نُشر عام 2020، لبيانات نحو 22 ألف أميركي.
لكن هذه الأبحاث عادة ما يتم تجاهلها، لمصلحة صناعة الحميات الغذائية، التي قد تُموّل أبحاثا علمية عن الوزن والصحة، حسب تقرير أشار إلى أن “رعاية الصناعات تؤثر على الأهداف البحثية”.
ولعل هذا يفسر عدم تسليط الضوء الكافي على ما اكتشفه الباحثون الإسبان أنفسهم من أن “النشاط البدني يُقلل من تعرض الفرد للإصابة بأمراض القلب، بالمقارنة مع الأشخاص الأقل نشاطا في فئة الوزن نفسها”، فهذا يعني أنه “يمكنك أن تكون بدينا ولائقا بدنيا في الوقت ذاته”، حسب سميث.
خطوات لوقف رهاب السمنة
تخبرنا الكاتبة فيرغي توفار أنه من الممكن الوقوف في وجه رهاب السمنة بخطوات يسيرة، منها:
تجنب الحديث عن الطعام والوزن، فالأحاديث اليومية عن الطعام والوزن وما شابه من أول الأمور التي يتعين علينا وقف الحديث عنها باستمرار، لأنك ببساطة “لا تعرف من تسبب له الأذى”.
لا تعلق على أجسام الناس سلبا أو إيجابا، حتى ولو من باب المجاملة أو الدعابة، فقد يسبب ذلك ألما للأشخاص ذوي الأجسام الكبيرة.
احتفظ بالنصائح الصحية لنفسك، فقد يكون ضررها أكثر من نفعها، “فليس معنى أنك تعرف حجم جسم شخص ما، أنك تعرف حالته الصحية، أو أنه ما دام بدينا فلا بد أنه يعاني من أمراض”.
تحدث وأوقف الأذى، بقول “هذه التعليقات ليست مفيدة، ولا داعي للحديث عن الوزن مرة أخرى”.
صحح فكرتك عن الأشخاص البدينين، فالسمنة ليست عيبا أو انحرافا عن الحالة الطبيعية، “فقد كان هناك أشخاص سمينون، وسيبقى هناك دائما أشخاص سمينون”.”الجزيرة”