الخوف من العتمة… “فوبيا” قديمة ومستمرة
واجهنا جميعًا صعوبة من النوم في الظلام عندما كنا أطفالًا صغارًا، وما يزال البعض منا يخاف الظلام حتى بعد أن كبرنا. لكن، هل تساءلت يومًا عن السبب وراء الخوف من الظلام؟ وهل يمكن أن يكون ما نخافه ليس الظلام بحد ذاته بل هو شيء آخر؟
وفي مقال نشره موقع “ويب تكنو” (webtekno) التركي تقول الكاتبة إريم دينلي: لا بد أننا جميعًا في طفولتنا مررنا بحالة الخوف من الظلام، حيث نترك الأضواء منارةً ثم ننام، لأن الوحوش قد تخرج من مخابئها عند حلول الظلام، أو على الأقل هذا ما كنا نعتقده في عقولنا الصغيرة، مشيرة إلى أن الأمر يعتبر بسيطًا لو بقي هذا الخوف في مرحلة الطفولة، لكن الظلام لا يزال مصدر رعب حتى بعد أن أصبحنا كباراً، لكننا لا نفهم السبب. فلماذا إذًا؟
وتبين الكاتبة أنه -كما هو الحال مع كل أنواع الرهاب- فإن الخوف من الظلام له تفسير نفسي، حيث تقول الفرقة العالمية الشهيرة أيرون ميدن “أحيانًا تكون خائفًا حتى من النظر في زاوية الغرفة”.
رحلة من لون الموت إلى الثقة
توضح الكاتبة أننا في الوقت الحاضر، عندما نرى شخصًا يرتدي ملابس سوداء بالكامل، فقد نجد صعوبة في معرفة ما إذا كان سيحضر جنازة أو اجتماع عمل أو عرض أزياء أو مجرد زيارة، فبالنهاية يمكن حضور كل هذه المناسبات بالأسود.
ويقول ليتريس آيزمان المدير التنفيذي لمعهد بانتون كلر “لقد تغير المنظور اتجاه اللون الأسود بشكل كبير خلال الـ 50-100 عام الماضية، فالأسود اليوم، بالإضافة إلى أنه رمز للجنازات والحزن والبكاء، فهو لون يمنح نوعًا من الإحساس بالقوة”.
وتضيف الكاتبة أنه في الوقت الحاضر يفضل الناس ارتداء الأسود كرمز للملابس باهظة الثمن أو ليمنحهم شعور الثقة بالنفس، مبينة أن “ارتباط الأسود بالكآبة والمجهول لا يزال قائمًا في بعض الثقافات على شكل صور شيطانية مثل ملابس الساحرة. وفي الواقع، هذه الرسوم الخيالية وما شابهها هي أيضًا جزء من تطور الخوف من الظلام”.
الخوف من الظلام إرث الماضي
تقول الكاتبة “لنفترض أنك في المنزل بمفردك وتشاهد فيلما وأنت على أريكتك في غرفة المعيشة المضاءة بشكل جميل، وأغصان الأشجار التي تحركها الرياح في الخارج، حيث تعيش أمسية كلاسيكية، ليس هناك ما يجعلك تشعر بالخوف، أليس كذلك؟ وذلك حتى تنطفئ الأنوار فجأة وتتركك وحدك في الظلام. هنا سيبدأ الخوف غير المنطقي في السيطرة على عليك” مبينة أن مارتن أنتوني أستاذ علم النفس بجامعة رايرسون في تورنتو، ومؤلف كتاب “مكافحة القلق” (The Anti-Anxiety Workbook) يقول “الخوف يشبه الشعور بالألم، إنه موجود فقط لحمايتنا من خطر محتمل”.
في عصور ما قبل التاريخ -تقول الكاتبة- كان البشر أكثر عرضة للهجوم من قبل الحيوانات المفترسة عندما يحل الظلام، ولكن بمساعدة التكنولوجيا المتطورة، استقرت البشرية على قمة السلسلة الغذائية بمرور الوقت.
وتضيف “بدأنا بإنشاء وحوش خيالية لملء الفراغ الذي خلفه هؤلاء المفترسون المنقرضون، وهذا هو السبب في أن أفلام الرعب الجيدة لا تظهر الوحش مباشرة، بل تترك خيالنا ليختلق أكثر الوحوش رعبًا على الإطلاق. أي أننا في الحقيقة لا نخشى الوحش بل نخشى المجهول)”.
وبحسب الكابتة فإنه خلال هذه العملية التطورية الطويلة، كانت حاجتنا لحماية أنفسنا أي “الخوف من الظلام” عميقة جدًّا لدرجة أنها ظلت معنا حتى يومنا هذا.
وحول هذا الموضوع يقول أنتوني “نعتمد على نظامنا البصري لحماية أنفسنا من الخطر، وفي الظلام يصبح هذا الحس البصري غير مجد، ولا يمكننا إدراك ما حولنا، وبالتالي فإن الخوف من الظلام هو خوف مجهز مسبقًا”.
ويشير آيزمان إلى أن الناس يربطون غريزيًا الأسود بالمجهول، لأنه يحجب التهديدات المحتملة، ويقول “كيفية رؤيتنا للألوان في الطبيعة لها تأثير كبير على علم النفس البشري. ونحن نعلم جيداً أن الأسود هو لون الليل الذي يمكن أن يخفي أي فعل خبيث يمكن القيام به تحت غطاء الظلام” كما تؤكد الكاتبة أن هذا المفهوم يبدأ باختراق أذهاننا عندما نكون أطفالًا صغارًا.
واليوم، بفضل التكنولوجيا، يمكننا تشغيل الضوء والاستمتاع حتى في أحلك ساعات الظلام، لكن البعض منا لا يزال غير قادر على التغلب على هذا الخوف.
ماذا لو بدأ هذا الخوف بالتأثير على أنشطتنا اليومية؟
تتابع الكاتبة مع أنتوني الذي يقول “الخوف استجابة طبيعية وضرورية لإنقاذ الحياة” لكنه يؤكد أنه أمر “مثير للقلق عندما يصل إلى مرحلة المبالغة” مشيرًا إلى أن “الخوف الذي نشعر به عندما نكون وحدنا بالليل في أطراف المدينة أمر طبيعي، لكن ليس من الطبيعي أن يكون لدينا نفس الشعور عندما نكون وحدنا في غرفتنا الخاصة الليل”.
وتفيد بأن الشعور الغامر بالخوف من الظلام يمكن أن ينشأ نتيجة عدد من الأسباب المختلفة، مثل تجربة سلبية أو التعرض للهجوم في مكان مظلم أو ربما شيء بسيط مثل مشاهدة فيلم رعب، موضحة أنه إذا لم يختف هذا الخوف من تلقاء نفسه بمرور الوقت، فقد يتطور إلى رهاب يعرف بـ “رهاب الظلام” (نيكتوفوبيا) والذي يمكن أن يؤثر سلبًا على علاقاتنا وعملنا والأشياء التي نقوم بها عادة بسهولة.
ووفقًا لأنتوني، إذا وصل الشخص إلى النقطة التي لا يستطيع فيها مغادرة منزله ليلًا، فإن هذا لا يعد خوفًا عاديًّا بل أصبح رهابًا. وفي مثل هذه الحالات، قد يلجأ الشخص لوسائل مساعدة تسمى “إشارات الأمان” مثل الأضواء الليلية أو ترك الباب مفتوحاً بما يكفي لدخول ضوء خافت أو وجود صديق يجعلنا نشعر بمزيد من الأمان والارتباط مع الواقع.
ويشدد أنتوني -بحسب ما نقلت الكاتبة- على أن هناك أيضًا علاجات أخرى متاحة، مثل التعرض التدريجي للموقف المخيف، ففي مثل هذه العلاجات، يطلب المهنيون من مرضاهم سرد المواقف التي يخشونها، ثم يعرضونهم بشكل تدريجي لتلك المواقف حتى يتخلصوا تمامًا من شعور الخوف.
الأسوَد رمز للثقة بالنفس
تشير الكاتبة إلى أن الأسود له وجهان مختلفان، تمامًا مثلما وجهي العملة المعدنية، ففي حين أن الأسود يجعل الكثيرين يشعرون بالقلق والخوف ويبقيهم مستيقظين في الليل، فإنه يجعل الآخرين يشعرون بمزيد من الثقة والأمان خاصة عندما يتعلق الأمر بالموضة.
هنا يقول آيزمان “أعتقد أن الكثير من الناس يرون اللون الأسود على أنه لون ينقل درجة معينة من الأمان، ويمكنهم أن يلتفوا به ويضيعوا في الظل. وبالتالي هناك اختلاف في الآراء مرتبط بالأسود”.
وتقول الكاتبة إنه إذا فكرت في الأمر، فستلاحظ أنه عادة ما يتم تصوير أقوى الشخصيات الخيالية بالأسود أو على الأقل درجات داكنة. وهذا صحيح في الواقع أيضًاً، فعندما نتخيل رجال الأعمال الأقوياء، ألسنا معتادين في الغالب على رؤيتهم جميعاً ببدلات داكنة؟