أقلام “بيك”… قصة نجاح ببساطة وتميّز
لم تكن الكتابة بأقلام الحبر شيئا يسيرا قبل عقود، فالأمر كان مكلفا من الناحية المادية، مع احتمالات الفوضى الشديدة بسبب تناثر الحبر، والوقت الطويل الذي يحتاج إليه حتى يجف، حتى جاء اختراع أقلام “بيك” الذي غيّر تاريخ الكتابة.
قلم الحبر الجاف “بيك كريستال”، المعروف باسم “بيك” (Bic)، أداة الكتابة الرخيصة التي يمكن التخلص منها أو فقدها من دون ندم، مقارنة بأقلام الحبر. ذلك القلم السداسي التصميم الذي يمكنك من خلال أنبوبه الشفاف معرفة مستوى الحبر بداخله، كما تميز هذا القلم بسهولة الكتابة بانسيابية من دون أن يتسبب في تمزيق الورق، بل يمكن الكتابة به على ألواح من مواد متنوعة بخلاف الورق، ويباع منه 18 لونًا في العالم.
يبلغ عمر قلم “بيك” أكثر من 70 عاما، احتل فيها مرتبة القلم الأكثر مبيعا في العالم، فقد بيع منه 100 مليار في سبتمبر/أيلول 2006، حتى أصبح نموذجا لأقلام الحبر الجاف في العالم، وبات جزءا أساسيا من المجموعة الدائمة المعروضة في متحف الفن الحديث في نيويورك.
قد تبدو كل هذه المميزات تقليدية في وقتنا الحالي، لكن في الحقيقة هذا القلم الذي لم يتغير تصميمه البسيط على مدى 70 عاما كان ثورة في عالم أقلام الحبر.
اختراع أحدث ثورة
في عام 1944، مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، اشترى رجل الأعمال مارسيل بيتش مصنعًا في كليشي، إحدى ضواحي شمال باريس، مع شريكه في العمل إدوارد بوفارد، تحت اسم “سوسيتيه بي بي إيه” (Société PPA) (لاحقًا سوسيتيه بيك Société Bic)، ويرمز “PPA” إلى “Porte-plume وPorte-Mines et Accessoires” أي أقلام وأقلام رصاص ميكانيكية وملحقاتها.
بين عامي 1949 و1950 صُممت أقلام “بيك كريستال” (Bic Cristal)، واستثمرت شركة “بيتش” في التكنولوجيا السويسرية القادرة على تشكيل المعدن حتى 0.01 ملم (0.00039 بوصة)، التي يمكن أن تنتج كرة من الصلب غير القابل للصدأ يبلغ قطرها مليمترًا واحدًا (0.039 بوصة) وذلك يسمح للحبر بالتدفق بحرية.
طوّر بيتش لزوجة حبر لا تتسرب ولا تتكتل، وبموجب براءة اختراع قلم حبر جاف مرخصة من بيرو، أطلقت الشركة أقلام “بيتش كريستال” في ديسمبر/كانون الأول 1950.
استثمر بيتش بكثافة في مجال الإعلان، حيث قام بتعيين مصمم الإعلانات ريموند سافينياك في عام 1952. وفي ذلك العام، فاز بجائزة أوسكار الفرنسية للإعلان.
في عام 1953 نصح بيير جيشيني -المدير التنفيذي للإعلان- بيتش بتقصير اسم عائلته على الأقلام وتحويل الاسم إلى “بيك” (Bic) باعتباره اسمًا تجاريًّا سهل التذكر، ويتناسب مع اتجاهات العلامة التجارية للمنتج في فترة ما بعد الحرب.
القلم الذري
أشارت إعلانات بيك المبكرة في فرنسا إلى قلم بيك باسم “القلم الذري”، خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
ساعد رأس الكتابة والتصميم المريح الخاص لأقلام بيك في تحويل السوق العالمية للأقلام من أقلام حبر إلى أقلام حبر جاف.
وفي عام 1959 أحضر بيتش القلم إلى السوق الأميركية، وسرعان ما بيع قلم بيك بسعر 29 سنتًا (ما يعادل 2.57 دولار في عام 2020) مع شعار “يكتب كأول مرة، في كل مرة”.
وفي عام 1965 وافقت وزارة التعليم الفرنسية على استخدام “بيك كريستال” في الفصول الدراسية.
وفي سبتمبر/أيلول 2006 تم إعلان “بيك كريستال” كأفضل قلم مبيعًا في العالم بعد بيع 100 مليار منه.
صناعة تتطور وتصميم ثابت
يشبه قلم بيك في شكله السداسي القلم الخشبي التقليدي، ويُظهر أنبوب البولي بروبلين الخاص بالقلم مستوى الحبر، وهو اختراع مذهل في خمسينيات القرن الماضي.
في عام 1961 استبدلت الكرة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ بمادة كربيد التنجستن الأكثر صلابة.
وفي عام 1991 فتحت فتحة صغيرة في تصميم غطاء القلم المصنوع من البولي بروبلين لتقليل خطر الاختناق عند استنشاق الغطاء، وقد صمّم هذا الثقب خصيصا لهؤلاء الذين يفضلون عض غطاء القلم من دون وعي، إذ يجنبك هذا الثقب الاختناق إذا ابتلعته -بطريق الخطأ- حتى تصل إلى قسم الطوارئ أو حتى وصول سيارة الإسعاف، ورغم ذلك لا تحاول تجربة هذا الأمر أبدا.
واستُخدم البولي بروبلين بدلًا من البوليسترين لأنه يمتص الصدمات على نحو أفضل ويقلل من فرصة تكسير القلم أو انقسامه إذا سقط على الغطاء.
يعدّ قلم بيك التقليدي الأعلى مبيعا في العالم، رغم إصدار الشركة مجموعة من التصميمات المتطورة من أقلام الحبر، حتى الأقلام النسائية ذات اللون الوردي والأرجواني، وهي الأقلام التي أثارت موجة سخرية لدى المستخدمين الذين تساءلوا: هل كنت تستخدم أقلاما رجالية طوال العقود الماضية؟
لكن يظل قلم “بيك كريستال” التقليدي هو المنتج الرئيس للشركة وأحد مصادر دخلها الأساسية حتى الآن.
(الجزيرة)