الندم قد يقضي على حياتك… كيف تتخلص منه؟
وجدت إحدى الدراسات “أن الندم جاء في الترتيب الثاني -بعد الحب- ضمن أكثر المشاعر التي يتم التعبير عنها في أحاديثنا اليومية”. فالحياة لا تخلو من اتخاذ خيارات خاطئة أو قرارات مُتسرعة، تجعلنا نشعر بالحزن وخيبة الأمل، ونظل نندم عليها طوال الوقت.
والندم كما يُعرّفُه مانفرد كيتس دي فريز، أستاذ مساعد تنمية المهارات القيادية “هو الطريقة التي تُخبرنا بها أدمغتنا، بإعادة التفكير في خياراتنا”، معتبرا أن “الندم لا يعني تغيير الماضي، بقدر ما يعني تحسين المستقبل”.
ومن الطبيعي أن تؤلمنا مشاعر الندم، فقد وجد الباحثون أن “استحواذ الندم له تأثير سلبي على الحالة المزاجية والنوم، ويمكن أن يزيد من الاندفاع نحو الإفراط في تناول الطعام، وإساءة استخدام المنشطات”.
لذلك نتظاهر أحيانا بأنه لا شيء يستحق الندم، في محاولة للهروب من إعادة التفكير في تصرفات وقرارات خاطئة، تثير مشاعر الحزن والخجل والغضب والشعور بالذنب.
لكن حتى المشاعر المؤلمة يمكنها أن تُشكل مصدر إلهام قوي لإعادة التحفيز، من خلال هذه النصائح التي سنتناولها، حول كيفية الاستفادة من الندم، كتمرين يستحق المعاناة، لدوره في مساعدتنا على كشف الأخطاء التي تؤدي إلى التخبط والخسارة، وكأداة لتحسين الحياة والمضي قُدُما، بدلا من تركه يُثقل كاهلنا.
دَوّن الأخطاء والإخفاقات وما تعلمته منها
أن تُدوّن كل ما يجعلك تشعر بالندم، ربما تجده ليس ماتعا، لكنه يستحق القيام به. فرغم أن الندم ليس شعورا لطيفا أبدا، “لكنه مفيد، ولا مفر منه، لأنه يعطي دفعة كبيرة لنجاحك وسعادتك في المستقبل”.
والفكرة مستوحاة من تينا سيليغ، الأستاذة بجامعة ستانفورد، التي تشجع على “تدوين جميع الإخفاقات والأخطاء الشائعة في حياتك اليومية في خانة واحدة، ثم كتابة الدرس الذي تعلمته بجوار كل خطأ، في جملة واحدة”.
وسوف تلاحظ أنماطا من التفكير تسبب لك العديد من الأخطاء، وستكتشف أن مواجهة أخطائك بشكل مباشر، جعلت منها وسيلة لاكتساب معرفة أفضل بتقلبات الحياة، كما أن رؤيتك لما تفعله بشكل خاطئ مرارا وتكرارا، ستجعلك مؤهلا بشكل أفضل للتوقف عن القيام بذلك مرة أخرى لاحقا.
بالإضافة إلى أن التدوين سيتيح لك “التأكد بأنه لا يوجد شيء كان بإمكانك فعله بشكل مختلف، وهو ما يمكن أن يساعدك في مسامحة نفسك على إخفاقاتك”، كما يقول دان بينك، (الذي قام بتأليف 8 من أكثر الكتب مبيعا، ضَمّنها خلاصة 16 ألف رواية جمعها في استبيان خاص عن الندم) في أحدث كتاب صدر له مؤخرا، بعنوان “قوة الندم” (The Power of Regret).
لا تتجاهل مشاعر الندم ولا تهرب منها
معظم الناس يحاولون دفع الندم بعيدا، لكن الأبحاث أظهرت أنه “من المستحيل الهروب من المشاعر من دون عواقب”، وأن محاولة تفادي المشاعر المزعجة أو قمعها يجعلها أكثر حضورا وتأثيرا، وقد يُقلل من القدرة على السعادة، ويظهر في صورة آلام جسدية.
وبدلا من محاولة تجاهل الشعور بالندم، من الأفضل التدرب على خوض التجربة، والتفكير في قبول ما نشعر به من دون قلق أو إغراق في الأسف.
قد وجدت دراسة نُشرت في عام 2014، أن “الغرق في الأسف يمكن أن يضر بقدرتنا على اتخاذ قرارات حكيمة، وأن التركيز على المشاعر السلبية قد يُقوض أداءنا”. وفي المقابل، وجد الباحثون “أننا نستطيع التفكير بشكل أكثر وضوحا، عندما نجد جانبا إيجابيا في ندمنا”.
تحدث إلى نفسك كما لو كنت تتحدث إلى صديق
ففي نفس الدراسة التي وجدت أن “الندم قد يعيق قدرتنا على حل المشكلات”، طُلب من المشاركين تكرار عبارتين، هما “يمكن رؤية كل شيء من منظور مُختلف”، و”لا توجد تجربة تخلو من قيمة إيجابية”، مع تذكر فائدة اكتسبوها من موقف مؤسف. وكانت النتيجة أنهم أظهروا تحسنا في أدائهم لاحقا، مما يعني أن “التكرار مع التركيز يمكن أن يُقلل من الآثار السلبية للندم”.
أيضا، طلب الباحثون في جامعة كاليفورنيا من 400 طالب أن يكتبوا عن أشد ما ندموا عليه، ووجدوا أن التعاطف مع الذات، وليس جلدها، “يحفز التكيف الإيجابي في مواجهة الندم”. كما أظهرت الدراسات أن هذا “التعاطف مع الذات أدى إلى تحسن شخصي أكبر، من خلال القبول المتزايد للنفس”، مع ملاحظة أن “التسامح يجب أن يكون نابعا من تحديد أوجه القصور أو الإخفاق”.
لا تسمح لهوس الندم أن يجتاحك
“يمكن أن يكون الندم مشكلة، ولكن من مزاياه أنه يجعل التحسن مُمكنا، بشرط تجنب الهوس، واستخلاص الدروس لفائدة المستقبل”، كما يقول نيل روز، أستاذ التسويق بجامعة نورث وسترن.
فمن المهم أن تتعلم كيف توقف دوامة الأسف، والتفكير فيما حدث بلا نهاية، وإهدار طاقتك في الدوران لساعات بسبب خطأ ارتكبته، والأفضل أن تحتفظ بهذه الطاقة للمراجعة، “التي تساعدك على تطوير خيارات بديلة تفيدك عندما تقف على حافة دوامة الندم مرة أخرى، وتوشك على السقوط”.
اجعل من الندم حافزا لنموك الشخصي
وفقا لنصيحة جينيفر تايتز، أستاذة الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا. عندما تشعر بالندم العميق، “استخدم مشاعرك كنقطة انطلاق لتحديد ما هو مهم بالنسبة لك، وضع في اعتبارك القيم التي تريد الدفاع عنها، والفضائل التي تعتز بها، لاستخدامها كحافز للنمو الشخصي”. كأن تقول “أنا مهتم بأن أكون لطيفا، أكثر من أن أكون على حق”. لأن التركيز على الضرر الذي حدث بالفعل لن يفيد.
ابحث عن الحلول العملية
ضع قائمة بندمك الكبير والصغير، ثم قم بعملية عصف ذهني للوصول إلى خطوات عملية لمعالجة ما يزعجك. فالعلاج النهائي لهجوم الندم هو “عدم الشعور بالسوء أو الإفراط في التفكير، والسعي وراء الحلول، واستخدام الخبرات المكتسبة من التأمل الذاتي، في إحداث التغيير”، وفق تايتز.
أما المختصة النفسية كاتريونا وروتيسلي، فتنصح بعدم التخلي عن المحاولة، والنظر إلى الندم على أنه “فرصة للقيام بالأشياء بشكل مختلف، وفعل ما بوسعك لإصلاح الضرر”.
(الجزيرة)