منوعات

الحياة في الملاجىء… هكذا يعيش أهل “كييف”

في فناء المجمع السكني المتاخم لحي بيشيرسك بالقرب من وسط المدينة، توجد حديقة ألعاب مخصصة للأطفال وفضاء مخصص لرياضة كمال الأجسام، وبجانب المجمع السكني يوجد ملعب كرة قدم صغير محاط بسور، وفي نهاية الزقاق مبنى من القرميد مغلق بباب معدني ثقيل يؤدي إلى أحد الملاجئ العديدة المنتشرة في جميع أنحاء المدينة.

هذا المخبأ يحتوي على غرف صغيرة غير مؤثثة، تفتقر إلى مقومات الصحة والنظافة، وقد جُهزت بعض الغرف بكرسي أو مقعد أو فراش رقيق، في حين ينشر الموجودون في هذا النوع من المخابئ ملابسهم على خطوط أنابيب المياه الساخنة التي تعمل بمنزلة تدفئة.

ويقول الكاتب رومان سينيس، في تقرير نشرته مجلة “لوبوان” (lepoint) الفرنسية، إنه عقب إعلان دوي صافرات الإنذار وانطلاق غارات الطيران الروسي في سماء كييف سارع سكان المدينة إلى مغادرة شققهم، حاملين معهم فقط أغطية تقيهم برودة الطقس في الخارج، وبعض المواد الغذائية.

عمليات القصف
ويشير الكاتب إلى أنه منذ 24 شباط الماضي ومع بداية الحرب والقصف الأول على العاصمة، استولى بعض سكان كييف المقيمين في هذه السراديب على الغرف الصغيرة على أساس مبدأ أسبقية الوصول، ورغم ضيق مساحة المكان فإنه يضم مجموعة كبيرة من الغرف تمتد حتى أسفل أحد مباني العقار.

يجلس بعض النازحين على أرائك مرتبة في الممرات يتصفحون مواقع وسائل الإعلام لمعرفة المستجدات رغم ضعف شبكة الإنترنت هناك، وينتهز آخرون الفرصة للعب مع حيواناتهم الأليفة في ظل حظر التجول الذي فرضته بلدية العاصمة الأوكرانية.

يصف الكاتب حياة أهل كييف في الملاجئ، حيث يتكئ رجل عجوز يرتدي معطفًا طويلًا من الجلد الأسود على المنضدة، قال بعد أن اطلع على آخر الأنباء “لو اتخذ الغرب موقفا فوريًّا وحازمًا بشأن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لما كنا هنا”.

وبجانبه، يجلس على الأرض رجل يداعب رأس قطته التي تحاول الخروج من حقيبته، هامسا لها ببضع كلمات في محاولة لتهدئتها، في حين يقول الشاب نيكيتا (29 عاما) “استيقظت في الساعة الثامنة صباحًا، في الحقيقة لم أسمع دوي الانفجارات بسبب معاناتي من ثقل النوم، وكالمعتاد بدأت يومي وأثناء الاستعداد للذهاب إلى العمل ألقيت نظرة على هاتفي فوجدت 30 مكالمة فائتة ورسائل من أصدقائي على حساب إنستغرام يخبرونني فيها عن بداية الحرب”.مكان تنصت سابق للاستخبارات السوفياتية
ويبقى الكاتب مع نيكيتا الذي قال إنه عند الساعة الثالثة صباحًا من يوم 25 فبراير/شباط توجه إلى أقرب محطة مترو إلى منزله (محطة ليبيدسكا)، وبعد ذلك انتظر هناك حتى بزوغ الشمس، مضيفًا “بقدر عدم تصديقي الأنباء في اليوم الأول بقدر شعوري بالرعب في اليوم الثاني، لأن تداول جميع المواقع خبر وصول القوات الروسية إلى المدينة جعلني أصاب بالذعر والتوتر”.

ويبيّن الكاتب أن نيكيتا منذ ذلك الحين يحاول قضاء أكبر قدر من الوقت مع أصدقائه الذين لم يحزموا أمتعتهم بعد، وفي تنظيف غرفة في المخبأ القريب من منزله، مع العلم أن الحكومة تولّت نشر خريطة تبين المخابئ التي يمكن اللجوء إليها، في حين يقول نيكيتا عن المخبأ الذي يحاول تنظيف أحد غرفه “كان منزلًا شيوعيًّا سريًّا لكبار المسؤولين الحكوميين في زمن الاتحاد السوفياتي، ولا يعلم أحد بوجوده حتى هذه اللحظة”.

وينقل الكاتب عن أنطون، أحد رفاق نيكيتا، أن الملجأ بني في عام 1981، حيث أضاف “لقد كان مكان عمل الاستخبارات السوفياتية، فمن هنا انطلق العملاء للتنصت على الحي، وكانت والدتي تقطن هنا في عهد الاتحاد السوفياتي، وفي يوم من الأيام وبعد أن قالت مزحة تمس الشيوعية في مكالمة هاتفية، قطعت المكالمة على الفور ووردها اتصال بعد ذلك، طُلب منها فيه عدم الخوض في هذه المسائل مرة أخرى”.

وينوّه الكاتب إلى أنه في ظروف الحرب هذه، يحاول الأوكرانيون إظهار أقصى قدر من التعاطف مع بعضهم؛ فلا يرى نيكيتا في وقوفه مكتوف الأيدي واكتفائه بتصفح الأخبار أمرا يجدي نفعًا، ولهذا يعمل مع صديقه غريغور وهو طاهٍ في مطعم على إعداد بعض الوجبات لإرسالها إلى المستشفيات التي تستقبل الجرحى، وقد قال “أقوم بأشياء بسيطة، أُقطِّع الطعام وأُعِدُّ السندويشات. أريد المساعدة لكني لا أعرف كيف؛ لذلك أفعل كل ما بوسعي”.

وبعد ساعة، حسب الكاتب، بدا كأن الحرب انتهت، فأخذ الناس يستعدون للعودة إلى ديارهم، لكن مع الخروج من المخبأ صرخ أحد الأشخاص قائلًا “اللعنة، أسقط رجالنا طائرتين روسيتين! يبدو أن الهدوء مؤقت”.

الموقع الوحيد الصالح للسكن
وينتقل الكاتب إلى صورة أخرى من حياة الأوكرانيين في الملاجئ، فعلى عكس البقية، استحوذت

أوما -وهي فتاة مغربية- على غرفة مؤثثة بسرير صغير وباب خشبي. لجأت إلى المخبأ بصحبة كلبها وصديقة أوكرانية وطفليها، أحدهما رضيع؛ وعلقت أوما بقولها “إنه الموقع الوحيد الصالح للسكن، فعلى مدار اليومين الماضيين، كنا نذهب إلى المنزل ونعود على وقع صافرات الإنذار، نحن خائفون جدًّا”.

ويوضح الكاتب أنه بالنظر إلى صعوبة تحديد العدد الدقيق للضحايا، فقد قدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في 27 فبراير/شباط أن نحو 368 ألف شخص غادروا أوكرانيا منذ بداية الحرب، في حين قدر جانيز ليناركيتش، المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، عدد النازحين الأوكرانيين بنحو سُبْع مليون شخص.

ويلفت الكاتب النظر إلى موقف جزء من الشعب الروسي الرافض للحرب، فيقول إن نيكيتا، مثله مثل غيره من المواطنين الأوكرانيين، تجمعه علاقات صداقة مع مواطنين روسيين، وقبل وقت قصير من الإنذار الأول الصادر يوم السبت أجرى نيكيتا اتصالًا مع صديق يعيش في موسكو، وكشف عن فحوى المحادثة، فقال “فور اتصالي به، قال صديقي من الجيد أنك اتصلت، فقد ترددت في الاتصال بك لأنني أعلم أن ما تفعله بلادنا بكم ليس عادلًا، كنت أخشى أن تغضب مني. وفي محاولة لطمأنته؛ أخبرته أنه لا ذنب له في ما يحدث”.

ويرى نيكيتا، حسب ما قال الكاتب في ختام التقرير، أن ما تشهده أوكرانيا اليوم يمثل منعطفًا حاسما في تاريخ البلاد؛ فقد قال “نحن نؤمن بأنفسنا، إن مواكبة هذه الأعمال البطولية تمنحنا القوة وتعزز الثقة في نفوسنا”، مشيرًا إلى مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق منع سكان كوريوكيفكا -وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة في منطقة تشيرنيهيف- دبابة روسية من دخول قريتهم.

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة