منصة “صيرفة” سترتفع إلى هذا السعر!
من الصعب الجزم بطبيعة المقرّرات التي ستصدر عن اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان يوم غد الإثنين، باستثناء ما يتم تداوله على نطاق واسع عن الاتجاه لرفع سعر صرف منصّة صيرفة، من 38 ألف ليرة مقابل الدولار كما هو الحال اليوم، إلى ما يقارب 45 ألف ليرة, بحسب ما ورد في صحيفة “المدن”, خطوة تسلُّحِ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باجتماع المجلس المركزي، تشير بوضوح إلى ضيق الخيارات المتبقية أمام الحاكم، ومحاولته التسلّح بمقرّرات جماعيّة صادرة عن المجلس، بدلًا من تحمّل مسؤوليّة النتائج منفردًا كما جرت العادة. أما اللجوء إلى رفع سعر صرف المنصّة، فيعكس الاتجاه نحو تقليص كلفة المعالجات المعتمدة أساسًا، بعدما ضاقت الخيارات، وبات من الصعب البحث عن حلول جديدة.
تداعيات رفع سعر منصّة صيرفة
في حال اقتصار مقرّرات المجلس غدًا على رفع سعر المنصّة، كما يرجّح كثيرون، سيكون مصرف لبنان قد اكتفى بخطوة ضروريّة لتخفيف أعباء المرحلة على ميزانيّته واحتياطاته، لا أكثر، بدل البحث عن خطوات من شأنها لجم ارتفاعات سعر صرف الدولار في السوق الموازية، كما تم تسويق الاجتماع إعلاميًّا في البداية. فمن الناحية العمليّة، ستقصر مفاعيل خطوة رفع سعر المنصّة على ما يلي من نتائج:
تقليص قيمة الدولارات التي يتم دفعها لتسديد قيمة الرواتب، التي يتم تحويلها من الليرة إلى العملة الصعبة بسعر المنصّة، حسب مندرجات التعميم 161. مع الإشارة إلى أنّ رفع سعر الصرف من 38 ألف إلى 45 ألف سيكون من شأنه تخفيض هذه الكلفة بنسبة 16% دفعة واحدة.
تقليص قيمة الدولارات التي يتم استنزافها من الاحتياطات عند ضخ الدولار في السوق، وبيعه بسعر صرف المنصّة، كون رفع سعر الصرف هذا سيعني تلقائيًا تخفيض حجم السيولة المطلوبة بالعملة الصعبة لشراء قيمة الليرات الورقيّة نفسها. وبهذا المعنى، ستكون عمليّة ضبط الكتلة النقديّة المتداولة بالعملة المحليّة، عبر امتصاص الليرات الورقيّة، أقل كلفة وأوسع نطاقًا.
امتصاص قيمة إضافيّة من الليرات، عبر زيادة الكلفة التي تسددها المؤسسات العامّة عند الحصول على الدولارات بسعر المنصّة، أو بسعر المنصّة زائد هامش معيّن، كحال تمويل استيراد الفيول لمصلحة كهرباء لبنان.
زيادة قيمة الرسوم والضرائب التي يتم تسديدها للمؤسسات والمرافق العامّة، والتي يستند تحديدها إلى سعر المنصّة، ما يزيد من امتصاص الليرات الورقيّة لمصلحة هذه المؤسسات والمرافق.
تخفيض الفارق بين سعر المنصّة وسعر السوق الموازية، من 21,300 ليرة كما هو الحال الآن، إلى 14,300 ليرة بعد رفع سعر المنصّة. مع الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان يسعى للحفاظ على هامش عند مستوى مقبول بشكل دائم، للإبقاء على الحد الأدنى من الواقعيّة في تداولات وأرقام المنصّة، وعدم تحويل سعر المنصّة إلى سعر مبالغ في دعمه كما كان الحال بالنسبة إلى سعر الصرف الرسمي أو أسعار الصرف المعتمدة لتأمين السحوبات من المصارف.
بصورة أوضح، كل ما سينتج عن هذه الخطوة سيتمحور حول تمكين مصرف لبنان من الاستمرار بالمعالجات المعتمدة نفسها حاليًّا، عبر إعادة هندسة تكاليفها عليه، بما يمكن أن يسمح بالتوسّع في استعمال هذه الأدوات ذاتها على المدى المتوسّط. إلا أنّ ذلك لن يقدّم حلولاً جديدة، كما أوحى بيان حاكم مصرف لبنان بعد اجتماعه برئيس الحكومة ووزير الماليّة، حين أشار إلى تركّز الاجتماع على شرح “واقع الأسواق الماليّة، تمهيدًا لعرض الاقتراحات على المجلس المركزي لمصرف لبنان في اجتماعه المقرّر الإثنين المقبل”.
إجراءات أخرى على الطريق
في الوقت نفسه، تشير مصادر مصرفيّة إلى أنّ مصرف لبنان سيتجه خلال الأسبوع المقبل إلى تكريس مجموعة من الإجراءات الهادفة لإعادة تنظيم تدخّله في سوق القطع، ومنها تكريس معادلة انسحابه من عمليّات شراء الدولار من السوق الموازية لأيّام معدودة، بهدف لجم موجة ارتفاع سعر صرف الدولار. مع العلم أنّ طلب مصرف لبنان على دولارات السوق الموازية مثّل أحد الأسباب التي أدّت إلى شح المعروض النقدي من الدولار، وارتفاع سعر صرفه في الأسواق.
وكان من الواضح خلال الأيّام الماضيّة أن مجرّد إشاعة خبر انسحاب مصرف لبنان من عمليّات شراء الدولار، كان كفيلًا بتحقيق انخفاض محدود وملموس بسعر صرف الدولار، نتيجة المفعول النفسي لهذا الخبر على عمليّات المضاربة في الأسواق. إلا أنّ خطوات من هذا النوع، ستظل في إطار المناورات المحدودة الأفق، التي يحاول من خلالها المصرف المركزي التأثير على موجات الطلب على الدولار لأيّام محدودة فقط، من دون أن تمثّل معالجة فعليّة قادرة على ترك أثر كبير.
في الوقت نفسه، يراهن مصرف لبنان على انتهاء موجة طلب المصارف على الدولار، بمجرّد الدخول في مرحلة اعتماد سعر الصرف الرسمي الجديد، المحدد عند مستوى ال15,000 ليرة للدولار. مع الإشارة إلى أنّ طلب المصارف على الدولار خلال المرحلة الماضية اتصل بمحاولتها استباق اعتماد سعر الصرف هذا، لتخفيض قيمة مراكز القطع السلبيّة لديها، أي الفرق بين الموجودات والمطلوبات بالعملات الأجنبيّة، وتخفيض أثر هذا الفارق على رساميلها.
لكن حتّى اللحظة، ورغم رهان مصرف لبنان على انتهاء موجة شراء الدولار هذه، لا يبدو أن المصرف سيتجه قريبًا إلى إصدار أي تعميم للجم عمليّات المصارف، التي تؤثّر على المعروض النقدي بالعملة الأجنبيّة. وفي جميع الحالات، من المعلوم أنّ المصارف ما زالت تملك حتّى اللحظة قدرة استخدام الدولارات الموجودة لديها، أو تلك التي تجمعها من السوق، لتحويلها إلى الخارج، بغياب أي قانون للكابيتال كونترول حتّى اللحظة، وهو ما يزيد من مخاطر عمل المصارف في السوق الموازية.
في النتيجة، لا يبدو أن الأسبوع المقبل سيحمل الكثير من التطوّرات الإيجابيّة القادرة على لجم موجة تدهور سعر الصرف الراهنة، خصوصًا أن جميع الأفكار المطروحة مازالت في طور التخفيف من وقع هذا التدهور لا وقفه. أمّا المشكلة الأساسيّة، فتبقى في انسداد الأفق السياسي، وعدم وجود أي مؤشّرات توحي باقتراب الخروج من مرحلة الفراغ الراهن، بالإضافة إلى فرملة جميع المسارات المالية، وهو ما يزيد من انعدام ثقة الأسواق بمآل الأزمة النقديّة وسعر صرف الليرة اللبنانيّة.