6 خطوات “إصلاحية” لسلوك طريق الإنقاذ.. ماذا يريد صندوق النقد من لبنان؟
بخطى ثابتة يسير لبنان في طريقه نحو قعر الانهيار الذي يتسارع في كلّ يوم مع الأزمات التي تتوالد الواحدة تلو الأخرى، ومع تدحرج كلّ الآمال بالوصول إلى حلول سواء على الصعيد السياسي أو على الصعد المالية والاقتصادية والمعيشية التي أثقلت كاهل اللبنانيين.
تسارعت وتيرة الانهيار في الآونة الأخيرة مع انكشاف حقيقة الطبقة السياسية التي كانت تعلم أنّ الأمور متّجهة إلى هذا النحو، لكنّها تمكّنت – كعادتها – من تخدير اللبنانيين بجرعة “مؤتمر سيدر الانتخابي” في العام 2018 حيث انهالت على اللبنانيين بالوعود والآمال والأحلام التي ما لبثت أن تحوّلت إلى كوابيس.
لم تكن وعود “سيدر” في أساسها فارغة، إلا أنّ الطبقة السياسية فرّغتها من مضمونها وجعلت منها استثماراً انتخابياً لا أكثر، فيما كان “سيدر” يتضمّن بنوداً ومطالب جدية بتحقيق الإصلاحات اللازمة لتفادي حصول الانهيار الذي كانت مؤشراته واضحة للجميع.
وكما “سيدر” كذلك كان صندوق النقد الدولي يوصي القادة اللبنانيين بضرورة اتخاذ تدابير سريعة لمنع تدهور الأوضاع أكثر لكنّ نداءاته المتكررة لم تكن تلقى آذاناً صاغية للأسباب الداخلية المعروفة.
ساهمت “انتفاضة” أو “ثورة” 17 تشرين الأول 2019 بإماطة اللثام عن الأزمة التي كانت تعمل الطبقة السياسية على “التستّر” عليها، ثمّ تسارعت الأحداث مع إعلان الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته آنذاك وما حصل بعد ذلك من تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب وإطلاق مفاوضات “فاشلة” مع صندوق النقد الدولي إذ أنّ الدولة لم تكن على رأي واحد لا في النظرة إلى سياستها المالية ولا في عملية توزيع الخسائر لتتوقّف المفاوضات بعد ذلك إثر وصولها إلى حائط مسدود.
فماذا كان يطلب صندوق النقد من لبنان؟ وماذا تعني كلمة “الإصلاحات” التي لا يكاد يصدر نداء لتشكيل حكومة جديدة من أي جهة إقليمية أو دولية إلا ويتضمن هذه الكلمة “السحرية”؟
الباحث السياسي، شادي نشابة، تحدّث لـ”لبنان 24” عن أبرز الخطوات الإصلاحية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والتي من شأنها في حال طُبقت أن تدفع بلبنان لسلوك الطريق الصحيح للإنقاذ.
ويلخّص نشابة هذه الإصلاحات بـ 6 نقاط هي:
1- تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار
وفقاً لنشابة، فإنّ تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار هو عملياً توحيد السعر الرسمي لليرة مقابل الدولار، “لا أن يكون هناك أكثر من سعر صرف كما هو حاصل الآن”، موضحاً أنّ صندوق النقد “يبدي ليونة في تحقيق هذه الخطوة ولكنه يريد الوصول إلى حلّ ولو بشكل تدريجي، وبالتالي المطلوب وضع آلية عملية لتحقيق هذه الخطوة”.
2- رفع الدعم عن السلع والاستيراد
بحسب نشابة، فقد خسر لبنان خلال السنوات الخمس الماضية نحو 20 مليار دولار من الاحتياطي الإلزامي بسبب تهريب المواد الأساسية التي يدعمها “المركزي”، ولذلك هناك حاجة بالنسبة لصندوق النقد لرفع الدعم عن هذه المواد للحدّ من عمليات تهريبها واستنزاف العملة الصعبة المتبقية في البلد، وبالتالي تعزيز الروح التنافسية في السوق المحلية.
ويلفت نشابة في هذا السياق إلى “أنّنا أصبحنا قاب قوسين من تحقيق هذه الخطوة حيث أنّ الدعم يُرفع بشكل تدريجي عن المواد الأساسية مع الإشارة إلى أنّ لذلك آثاراً اجتماعية عديدة”.
ووفقاً لنشابة، فإنّه توازياً مع عملية رفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية، لاحظ صندوق النقد الدولي الآثار الاجتماعية لهذه الخطوة، ولذلك كانت من إحدى توصياته للدولة اللبنانية ما عُرف بـ”البطاقة التمويلية” والتي أقرّ مجلس النواب مؤخراً مشروع قانونها الذي يتضمن استهداف 500 ألف عائلة بقيمة إجمالية 556 مليون دولار على مدى عام واحد.
وهذه الخطوة تتطلّب، وفقاً لنشابة، شفافية عالية ومعايير لكيفية تحديد الفئات المستهدفة وعلى أي أسس يتمّ اختيار العائلات كي لا تتحوّل هذه البطاقة إلى “رشوة انتخابية” مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
3- تقليص القطاع العام وإعادة هيكلته
يشرح الباحث السياسي نشابة أنّ “هذا المطلب كان من ضمن البنود الإصلاحية التي تحدّث عنها مؤتمر “سيدر” عام 2018 وقد تمّ خرقه من قبل السياسيين بعملية “التوظيف السياسي” الشهيرة التي حصلت في فترة الانتخابات النيابية آنذاك عبر توظيف نحو 5000 شخص في القطاع العام”.
ويوضح أنّ “لبنان هو ثالث دولة عربية من حيث عدد موظّفي القطاع العام بحوالي 350 ألف موظّف، فيما يطالب صندوق النقد بضرورة التخلّي عن 50 ألف موظّف من خلال تسريحهم أو دمجهم في قطاعات أخرى”.
ويلفت نشابة في هذا السياق إلى أنّ “صندوق النقد أبدى ليونة كذلك في هذه النقطة وإمكانية تطبيقها بشكل تدريجي على مدى سنوات، ولكن يجب الانطلاق من مكان ما والبدء بتسريح عدد من الموظفين من خلال دمجهم في القطاع الخاص أو خصخصة بعض القطاعات وتكون أولوية التوظيف للموظفين المُسرّحين”.
ويشير نشابة إلى أنّ “مشكلة الفائض في عدد الموظفين في القطاع العام وعدم تقليصهم خلال الفترة المقبلة ستكون له تبعات مالية بعد سنوات إذ أن تعويضاتهم ستكون كبيرة جداً وستشكلّ عبئاً على الخزينة”.
4- خصخصة القطاعات الانتاجية التابعة للدولة
عن النقطة الرابعة لمطالب صندوق النقد، يشرح نشابة أنّ القطاعات الانتاجية التابعة للدولة كالكهرباء والاتصالات والمياه والإنترنت و”طيران الشرق الأوسط” و”الريجي”، منها ما يتسبّب بخسائر للدولة (الكهرباء) ومنها ما يأتي بنسبة من الأرباح (الاتصالات) ولكن يمكنه تحقيق أرباح أكبر في حال خصخصته للتخلّص من مشكلة الاحتكارات.
وبالنسبة لصندوق النقد، يقول نشابة: “من الضروري خصخصة قطاع الكهرباء للجم الخسائر التي يتسبّب بها نتيجة الهدر، كما خصخصة قطاع الاتصالات وقطاعات مربحة أخرى والتي، وعلى الرغم من كونها تحقّق أرباحاً للدولة إلا أنّ مشكلتها تكمن في عملية احتكارها من قبل شركات محددة”.
5- إعادة هيكلة القطاع المالي
في لبنان هناك حوالي 65 مصرفاً فيما السوق المالية لا تحتمل أكثر من 15 مصرفاً، وبالتالي يجب إعادة النظر وتحديد المصارف التي تشكّل حاجة للسوق المالية والمصارف التي لا داعي لوجودها لإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي في البلاد.
ويشدّد نشابة في هذا الصدد على “ضرورة القيام بتوزيع الخسائر لما من شأن ذلك تحديد المصارف القادرة على الاستمرار والمصارف التي أفلست ولا إمكانية لها بالاستمرار”.
6- إقرار المحاسبة والمساءلة وبعض الإصلاحات
تتمثّل المحاسبة والمساءلة في بعض القوانين التي يتمّ إقرارها في المجلس النيابي: قانون التدقيق الجنائي، قانون استقلالية القضاء، قانون الشراء العام (تم إقراره في الجلسة العامة الأخيرة)، قانون استرداد الأموال المنهوبة (تمّ إقراره)، قانون “الكابيتال كونترول”، قانون المنافسة ووقف الاحتكار وغيرها.
وعلى الرغم من أنّ كلّ هذه القوانين يتمّ دراستها وتم تمرير بعضها، إلا أنّها عملياً “غير قابلة للتنفيذ في المرحلة الحالية”، وفقاً لنشابة، الذي يشير إلى أنّه “لا يمكن تطبيق هذه القوانين لأنّها ستفضح جميع الفاسدين والعاملين في الشأن العام”.
في المحصّلة، فإنّ مسألة الإنقاذ ليست مستحيلة على الرغم من كونها صعبة لكنّ الأساس يكمن أولاً في ضرورة وجود حكومة أصيلة ومتجانسة قادرة على التفاوض مع صندوق النقد، وثانياً في وجود قرار سياسي من قبل جميع الأطراف لسلوك طريق الإنقاذ قبل تداعي هيكل الدولة على رؤوس الجميع.