رئاسياً: “طوفان الأقصى” تضع لبنان أمام تحدٍ جديد
كتبت راكيل عتيّق في نداء الوطن”:
شكّلت عملية «طوفان الأقصى» مفاجأة لدول وجهات عدة، ولم تكن مباغتة لإسرائيل فقط. إثر هذه العملية السبت الماضي، تداعى سفراء عرب إلى اجتماع في عاصمة دولة كبرى، وأجمعت الآراء على أنّ هذه العملية بنوعيتها وحجمها وتوقيتها ستستدعي رداً إسرائيلياً غير اعتيادي، فما بعد 7 تشرين الأول 2023 ليس كما قبله، بمعزل عن نتائجه. وإذ إنّ عمليات المقاومة الفلسطينية ضدّ إسرائيل متوقعة دائماً رداً على الاعتداءات الاسرائيلية اليومية بحق الشعب الفلسطيني، غير أنّها تنتهي عند حدّ ردّ المقاومة ببضعة صواريخ. أمّا عملية «طوفان الأقصى» فتُعتبر «ذلّاً» للإسرائيليين وفضحت التراجع العربي وخطة التطبيع مع إسرائيل، بحسب جهات ديبلوماسية عدة.
لذلك، وبعد أيام من تنفيذ هذه العملية وبدء الرد الإسرائيلي على قطاع غزة، و»المناوشات» على الحدود الجنوبية اللبنانية، تعتبر جهات سياسية وديبلوماسية، أنّ «طوفان الأقصى» عملية مهمة من الناحيتين القومية والعربية ولكي تعرف اسرائيل أنّ هناك ثمناً للاعتداء على الأطفال والمدنيين الفلسطينيين، إلّا أنّ هذه العملية تفرض من جهة ثانية تخوّفاً من أن توسّع إسرائيل عملياتها، وأن يكون لبنان أوّل أهدافها. ذلك، لأنّ الإسرائيليين لم «يأخذوا نفساً» حتى الآن بعد العملية التي أرعبتهم، لكي يراجعوا ما حصل. وسيبقى احتمال توسيع الجبهات قائماً، إذ إنّ الرد الاسرائيلي الفعلي لم يتكشّف بعد، ومن غير المعروف إلى أي مدى قد تصل اسرائيل في ردّها.
إلى احتمال امتداد الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية إلى لبنان بشكلٍ واسع، أرخى «طوفان الأقصى» تداعيات أخرى على البلد، وطاول الاستحقاق الرئاسي. ففي حين تؤكد جهات ديبلوماسية أنّ المبادرة القطرية الرئاسية جدية، وكانت حظوظها بالنجاح مقبولة، وباتت أخيراً تشكّل الأمل الوحيد لانتخاب رئيس خلال أشهر قليلة، بدعم من المجموعة الخماسية من أجل لبنان (الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، قطر ومصر)، نظراً إلى أنّها التحرك الجدّي الوحيد، بعد فشل المبادرة الفرنسية، «اختلطت» الأوراق مجدداً وطغت الأحداث في قطاع غزة على المشهد السياسي الدولي والإقليمي وحتى المحلّي، وبات يتصدّر الأولويات ويتخطّى الانتخابات الرئاسية.
يتأثر الاستحقاق الرئاسي بهذه الأحداث، نظراً إلى أنّ «حزب الله» مرتبط بمحور الممانعة في المنطقة وهو لاعب أساس في الملف الرئاسي، و»المتحكّم» به، بحسب جهات سياسية عدة، نظراً إلى أنّ إنجاز الانتخابات الرئاسية متوقّف على تراجع «الثنائي الشيعي» عن ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية والانفتاح على خيارات أخرى.
«مش وقتها هلأ»، هكذا تردّ مصادر سياسية على السؤال عن الانتخابات الرئاسية. ولا شك في أنّ تركيز «الحزب» كلّه بات منصباً على تطورات الحرب في غزة وعلى دوره فيها خصوصاً أنّ المناوشات الحدودية بين «الحزب» وبعض الفصائل الفلسطينية وإسرائيل قد بدأت.
جهات ديبلوماسية، تعتبر أنّ «الثنائي الشيعي» لن يتراجع عن ترشيح فرنجية، لإنجاز الاستحقاق الرئاسي حمايةً للبنان عبر تكوين سلطة فعلية، للأسباب الآتية:
أولاً، لن يخلّ بالتزامه مع فرنجية.
ثانياً، قد يكون الفراغ مساعداً لـ»الحزب» في أوضاع كهذه.
ثالثاً، أي اتفاق لن يقتصر على الرئاسة بل سيكون على «package deal» كامل يشمل الحكومة وتوزيع النفوذ السياسي.
رابعاً، بعد نجاح المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، ارتفعت معنويات محور الممانعة، وبالتالي لن يتراجع «الحزب» في لبنان، وقد تزيد العرقلة الرئاسية إذا باتت المطالب أكثر.
لذلك، ترى هذه الجهات الديبلوماسية، أنّ الحلّ أو الـway out رئاسياً، كان يكمن في أن يعلن فرنجية سحب ترشيحه خصوصاً أنّ الغالبية المسيحية إضافةً إلى نواب دروز وسنّة، لا يؤيدونه. أمّا بعد «طوفان الأقصى»، فلم يعد الحلّ بهذه السهولة، فهناك محور في المنطقة، من ضمنه «حزب الله»، يخوض حرباً، ولن يتنازل في وقتٍ يعتبر أنّه يربح ويريد أثماناً مقابل ذلك.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب عن خشيته من أن تؤدي الحرب على قطاع غزة إلى «حرف أنظار» المجتمع الدولي عن الهجوم الروسي على بلاده، فكيف الحري بلبنان وبالاستحقاق الرئاسي؟ بحسب ما تقول جهات سياسية لبنانية. وتؤكد هذه الجهات المطّلعة على الحراك القطري، أنّ الدول الخمس التي كانت تتحرّك سعياً إلى إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، خصوصاً فرنسا وقطر، أصبح تركيزها على غزة. فضلاً عن أنّ الأحداث الجارية كبيرة إلى حدّ أنّ الأفرقاء في الداخل، خصوصاً «ااحزب» لن يتجاوبوا الآن مع أي حراك أو زيارة أي موفد إذا حصلت.
وبالتالي، تعتبر هذه الجهات، أنّ الملف الرئاسي بات مرتبطاً بمصير الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وطريقة انتهاء هذه الحرب ونتيجتها. لذلك إنّ كلّ ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي جُمّد وعُلّق في انتظار كيف ستنتهي هذه الحرب، إلّا في حالٍ واحدة، وهي إذا قرّر فريق «الممانعة» في لبنان التراجع والذهاب في اتجاه التقاطع مع الموقف الدولي والمعارضة على «خيار ثالث»، ولا يبدو أنّ هذا وارد في هذه المرحلة.
من الصعب حتى الآن قراءة مشهد ما بعد الحرب، لأنّ سيناريوات المرحلة المقبلة كلّها مرتبطة بكيف تنتهي هذه الحرب. فإذا انتهت على قاعدة سحق حركة «حماس» كما تتوعد القيادات الاسرائيلية سيكون المشهد مختلفاً عن المشهد الذي سيتكوّن إذا صمدت «حماس». وهذا ينعكس لبنانياً، فالمسألة مرتبطة بالحرب ونهاياتها، وبماذا سيكون موقع «حزب الله» وموقفه إذا أجهز الإسرائيليون على «حماس» أو إذا انتصرت الحركة، وإذا كان «الحزب» سيتشدّد في موقفه أكثر ليحصل على الضمانات التي يريدها في لبنان من بوابة القصر الجمهوري، أم أنّه سيتراجع تحت وطأة ما قد تؤول إليه هذه الحرب. هذا عدا عن أنّ احتمال دخول «الحزب» أو «جرّه» إلى هذه الحرب لا يزال قائماً، فضلاً عن أنّه قد يعتبر أنّه منتصر حتى لو لم يدخل الحرب.