قرار إلغاء “البريفيه” المُفاجئ… ماذا في الكواليس؟
سهولة المسألة وبساطتها. فقرار الإلغاء تلزمه آليات وبعض الأسئلة هي برسم الوزارة، مثل كيفية إتمام عملية الترفيع والأسُس التي ستُعتمد في منح الإفادات.
نصغي ونعاود السؤال المبدئي: هل يجب فعلاً إلغاء الشهادة؟ يجيب الحلبي بأن الفكرة ليست جديدة، وقد طُرحت سابقاً في ظروف طبيعية كما في ظروف استثنائية. «حينها، ترافقت فكرة الإلغاء مع اعتبارات تستحق الدراسة، منها أن الشهادة المتوسطة لم تعد من ضمن شروط التوظيف لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص. وقد تمّت المطالبة بإلغائها تحت عنوان «الكلفة تفوق الحسنات» على اعتبار أن تكاليفها على الدولة كثيرة ومنافعها تكاد تكون معدومة. هذا إضافة إلى اعتبارٍ ثالثٍ أكثر أهمية ويفرضه تطوّر المفهوم التربوي برمّته». فالتربية كما النظام التربوي المثالي بلغا مستويات عالية من التطوّر في بلدان كثيرة ألغت الامتحانات الرسمية من قاموسها. وهذا المفهوم يستند إلى اعتبارات تربوية، نفسية، سيكولوجية وسوسيولوجية في آن. لذا، فالكلام عن إلغاء الشهادة المتوسطة لا يمكن تناوله إلّا في سياق تغيير المناخ التربوي والسيكولوجي وتطوير الهيكلية التربوية. «نحن أمام سلّة متكاملة، فحين تجتمع الاعتبارات الثلاثة المذكورة سابقاً، وعندما تتمكن الدولة من ممارسة حقّها في الرقابة على المؤسسات التعليمية بالمباشر في المدارس الرسمية وبغير المباشر في المدارس الخاصة ووفقاً للدستور الذي يضمن حرية التعليم، عندها فقط يمكن إلغاء الشهادة تلك وربما أيضاً «البكالوريا» لاحقاً. لكن وضع لبنان راهناً لا يسمح بذلك».
على أي حال، لا بدّ من إعادة التذكير بما لا يجب أن يسقط من بالنا. فتفلّت بعض المدارس من الأحكام القانونية ذات الصلة، والفوضى وعدم تمكّن الدولة من ممارسة صلاحياتها، والتراخيص العشوائية التي تُمنح للمؤسسات التربوية والأشكال التي تتّخذها الاختبارات الصفية في بعض المدارس، جميعها تجعل من الإلغاء قراراً غير مبرّر. ومراقبون للشأن التربوي يتخوّفون من أن تتأتّى عنه نتائج سيّئة على مسيرة التعليم في لبنان. أما الخوف، كلّ الخوف، فأن يصدق ما يتنامى إلى المسامع من همس ووشوشات: ربما هناك في الخلفية الأقل علنيّة للقرار – ونقول ربما – نيّة بمنح إفادات لطلاب سوريّين تتخطّى نسبتهم 20% من مجموع الطلاب الذين تقدّموا بطلبات حرّة للشهادة المتوسطة لهذا العام. الأكيد أن الصورة ستتّضح أكثر قريباً.
«البريفيه» شهادة فرنسية تمّ اقتباسها في لبنان من النظام التربوي الفرنسي إبان فترة الانتداب. يومها كانت المدارس اللبنانية والفرنسية تمنح الشهادات بناء على نتائج الامتحانات الرسمية. وكانت كل مرحلة دراسية تنتهي بشهادة رسمية. فشهادة «السرتفيكا» كانت تُمنح في الصف الخامس الابتدائي، «البريفيه» في الصف الرابع المتوسط، و»البكالوريا» (قسم أول وثانٍ) في نهاية المرحلة الثانوية. ومع الوقت، راحت هذه الشهادات تُلغى شيئاً فشيئاً. فتمّ الاستغناء عن «السرتفيكا» للمرحلة الابتدائية في العام 1972، وعن «البكالوريا» للمرحلة الثانوية في العام 1992. وبقيت «البريفيه» لتفصل بين مرحلتين (التعليم الأساسي والتعليم الثانوي)، إضافة إلى «البكالوريا» (قسم ثانٍ) أو الشهادة الثانوية. شهادة «البريفيه» كانت تخوّل حاملها سابقاً دخول دار المعلمين واستلام وظائف حكومية والانضمام إلى السلك العسكري كما دخول مدرسة الرتباء. ومنذ التسعينات، وعلى ضوء تحصيل شهادات عليا أكثر أهمية، فقدت تلك الشهادة قيمتها كما أهميتها الوظيفية.