بالأرقام: الحدّ الأدنى الضروري لاستمرار دورة الإنتاج لدى المعلّمين
كتب نعمة نعمة في “الأخبار”:
في دراسة أعدّها الباحث محمد حمّود لمركز الدراسات اللبنانية نهاية آذار الماضي، جرى تقدير الدخل الذي يحتاج إليه المعلمون/ات في القطاعَين الرسمي والخاص (تنطبق على الموظفين والموظفات في القطاع العام) لتلبية الحاجات الأساسية في ظلّ الظروف الاستثنائية الحالية. الاستمارة لم تشمل السكن وتكاليف التعليم والتدفئة، بل الكلفة المعيشية والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتنقل التي تسمح لهم، بالحد الأدنى، بالعودة إلى ممارسة التعليم أو الوصول إلى العمل. شارك في الاستمارة 1218 معلماً ومعلمة في الملاك والتعاقد من القطاعَين العام والخاص من مختلف المحافظات والفئات العمرية، وأتى متوسط إنفاق المعلمين/ات الشهري 827 دولاراً أميركياً على تكلفة الاتصالات والكهرباء والنقل والطبابة والغذاء، مع بعض الفروق، بحسب منطقة السكن والمحافظة والعمر وحجم العائلة. الدراسة أجريت قبل التدابير الحكومية الأخيرة ورفع الدولار الجمركي وظهور تداعياته على المشتريات والدواء وغيرها.
إنفاق الحدّ الأدنى
وصرّح معظم المشاركين/ات عن حاجتهم/ هن على الأقل إلى متوسط 994 دولاراً شهرياً للعيش بالحد الأدنى (متغيّر بحسب حجم العائلة ومكان السكن) ليتمكنوا من القيام بواجباتهم الوظيفية وشراء الضروريات الأساسية والسكن والتدفئة. علماً أن متوسط الدخل الفعلي للمعلم/ة في العام الدراسي 2022-2023 هو 159 دولاراً، ومتوسط دخل العائلة 361 دولاراً (أكثر من شخص منتج في العائلة أو أعمال إضافية)، ما يعني أن الدخل العائلي للموظفين/ات يكفي لتغطية كلفة الغذاء والاتصالات، أما ما يزيد عنه، فمصدره احتياط العائلات، أو ديون، أو أعمال إضافية، أو بيع العقارات والثروات، أو تقليص نوعية الغذاء.
وكما هو ملحوظ، فإن التكلفة الأساسية المطلوبة لا تُنفق على نوعية الغذاء أو الترفيه وتحسين نوعية الحياة، بل على الحاجات الأساسية والرعاية الصحية والطبية والنقل، التي يقارب الإنفاق عليها 524 دولاراً (من دون التدفئة والسكن والتعليم)، وهي خدمات اجتماعية أساسية يتوجب على الدولة تأمينها لأي مواطن/ة بكلفة متناسقة مع دخل الأفراد بعد الأزمة. فكلفة الكهرباء عالية جداً، كذلك النقل والرعاية الصحية والاتصالات، وهي خدمات أساسية يجب أن توفرها الدولة لتأمين انتظام دورة الإنتاج في المجتمع، ولكنها تحمّلها للمواطنين/ات فينفقون عليها من احتياطهم، كأنها بذلك تسعى إلى جعلهم ينفقون مدّخراتهم على ما هو متوجب عليها تقديمه من الخدمات والحقوق الاجتماعية.
فلو حذفنا 524 دولاراً، كلفة الخدمات والرعاية الصحية، من إنفاق العائلات وعزّزنا الدخل الشهري للمعلمين/ات والموظفين/ات بمئتي أو ثلاثمئة دولار إضافية ليصل دخل العائلات (من دون مصاريف الخدمات الاجتماعية) إلى 500 – 700 دولار (بحسب حجم العائلة ومكان السكن) لاستطاعت العائلات ولا سيما الموظفون/ات ممارسة دورهم في الإنتاج من دون أن يتكبّدوا خسائر من مدّخراتهم أو ثرواتهم.
طبعاً هذا ليس الحلّ المثالي، فما جرت دراسته لا يشمل مختلف جوانب التقديمات الاجتماعية مثل التقاعد والضمان الصحي وتعويضات نهاية الخدمة وغيرها، كما لا يشمل التعليم والسكن والتدفئة والرفاه والاستهلاكات الشخصية، فهذه كلها حقوق ويجب الحفاظ عليها وتطوير الانتفاع منها. الدراسة تناولت الحدّ الأدنى الضروري لاستمرار دورة الإنتاج والعمل والحفاظ على سنة دراسية مستقرة من دون تكبّد المواطنين/ات خسائر مالية إضافية، ولتحديد مكامن الخلل في تدابير الحكومة العاجزة عن إيجاد حلول للإنفاق الأكبر للمواطنين/ات (على الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والنقل). علماً أنه أيضاً يجري تحميل المواطنين/ات أعباء الإنفاق من مدّخراتهم لتأمينها، بينما الدولة لا تؤمّن لهم الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم المتوجب عليها بتوفير خدمات أساسية كالكهرباء والاتصالات والنقل والتدفئة والسكن والرعاية الصحية والتعليم والتقاعد بشكل متناسق مع مستوى الدخل والحفاظ على هامش رفاه مقبول.
طريق الحلّ
إذاً، توفر الدولة رواتب وأجور ومساعدات اجتماعية وبدائل نقل تقارب 50% (156 دولاراً من 303 دولارات) من حاجات العائلة الغذائية، أو 19% من إنفاقها المعيشي الأدنى (156 دولاراً من 827 دولاراً) على ضرورات الحياة والخدمات الصحية والنقل والكهرباء. وبحسبة بسيطة تحتاج العائلات (بحسب حجمها ومكان السكن) إلى زيادة قيمة الرواتب والمساعدات الاجتماعية الحالية لتتجاوز 400 دولار لكلفة الغذاء الأدنى لتحسين جودته يضاف إليها السكن والتدفئة. أما الجزء المتعلق بالخدمات الاجتماعية والنقل والكهرباء، فواجب على الدولة تأمينه لضمان انتظام العمل في المؤسسات العامة والتعليم كما الوصول إلى المدارس واستقرار دورة الإنتاج. كما ينبغي علىها وضع حد أقصى لتغطيتها لتكون متناسقة مع الدخل وحجم الاستهلاك، وبطبيعة الحال تفعيل التغطية الصحية الشاملة من خلال صندوق الضمان الاجتماعي أو تعاونية الموظفين/ات أو مؤسسات الرعاية الصحية الأخرى ليشمل الطبابة والاستشفاء والدواء معاً. والحل الأمثل للتغطية الصحية يكمن في توحيد صناديق الرعاية الصحية لتشمل كل المواطنين/ات إضافة إلى حفظ حق الموظفين/ات في تعويضاتهم في صناديق التعويضات إلى حين الوصول إلى حل بخصوصها واستعادة قيمتها.
كما هو واضح من نتائج الدراسة، يتركز إنفاق العائلات خلال الأزمة الحالية بشكل أساسي على الخدمات الاجتماعية والصحية والنقل التي هي مسؤولية الدولة، ونسبتها 63% من إجمالي إنفاق العائلات، و37% فقط تُصرف على الغذاء من دون مصاريف السكن والتعليم والتدفئة، بينما لا يتجاوز متوسط دخل عائلات الموظفين/ات والمعلمين/ات 43% من حجم إنفاقها.