“يا ورد مين يشتريك”؟
كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
إنها الوردة. تلك الزهرة التي لطالما كانت الوسيلة المحببة لإرضاء المتخاصمين، وهدية رمزية لتعزيز ثقافة الحب والحياة لدى بني البشر، تحتاج هي اليوم إلى من يعطيها الحياة ويرد لها جميلها.
ربما كان محمد عبدالوهاب يتوقّع أن نصل إلى هذه اللحظات عندما غنّى «يا ورد مين يشتريك». إذ إنّ العصر الذهبي لزراعة الورد في عكار ومناطق الشمال قد انتهى، ليبدأ هذا القطاع الجميل بالتراجع شيئاً فشيئاً مع انخفاض حجم المبيعات وذلك اعتباراً من العام 2019 مع بداية ثورة 17 تشرين.
في هذا الصدد يمكن القول إنّه لم تعد مشاتل الورد تلك التجارة التي تستهوي كُثراً من أبناء الشمال، وتتوق لها القلوب قبل العقول. فارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وضع عدداً لا بأس به من مشاتل عكار والمنية والضنية ومناطق شمالية أخرى أمام أزمة حقيقية، ما اضطرّ البعض منها إلى الإقفال، وترك أصحابها البلد لإنشاء مشاتل في دول الخارج لا سيما في تركيا ودول الخليج، أو حتى الإتجاه صوب عملٍ آخر، في حين أنّ المشاتل الباقية تعاني في سبيل الصمود والبقاء.
في مشاتل الشمال تُزرع شتول الورد من مختلف الأنواع والألوان، منها الورد الأجنبي ومنها الورد المحليّ، وهناك الورد المؤصّل أي المحلي المطعّم بأجنبي حيث يمكن لزر الورد الواحد أن يحمل أكثر من لون واحد معاً. ومنذ العام 2000 انتشرت زراعة الورد بالمشاتل والحدائق والمخصصة للبيع وقد وجد فيها العديد من مزارعي المنطقة ضالّتهم حيث تجد الورود على أنواعها، منها الورود الموسمية أي تلك التي تزهر في موسمي الربيع والصيف، وغير الموسمية أي تلك التي تزهر في كل الفصول.
صحيحٌ أنّ الورود والأزهار بحاجة إلى عناية كبيرة من ناحية التربة وتأمين المبيدات والأدوية وغيرها، إلا أنّ هذا النوع من الزراعة، شكّل قطاعاً مربحاً، ذلك لأنّ زبائنه كُثر، كما أنّه يُزرع في المناطق من ارتفاع 200 متر عن سطح البحر وما فوق، وبالتالي فإنّه يتناسب مع مختلف مناطق عكار ومناطق محافظة الشمال.
«نداء الوطن» تحدثت إلى عدد من أصحاب المشاتل في الشمال وهم الآن في فترة عيدي المعلم والأمّ، إذ كان يُعوّل على هاتين المناسبتين من أجل بيع الورود والأزهار بشكل واسع. في هذا السياق، أكد وجيه ضاهر صاحب مشتل في عكار أنّ «هذه السنة كان هناك ركود غير مسبوق، والبيع يكاد صفراً، حتى بيع الورد العطري من أجل الصناعة (ماء ورد، عطور…) تراجع هو الآخر ليدخل القطاع في حالة ركود وكساد لا مثيل لها».
ويضيف: «لا أزرار الورد تباع ولا حتى شجرة الورد التي تحتسب اليوم بدولارٍ واحد، أي أقل من السابق عندما كانت بـ3 $، تباع هي الأخرى». أضاف: «زبائن الورد الشمالي الذين كانوا يأتون من مناطق الجنوب وبيروت والبقاع لشراء الورد العكاري عكفوا عن هذا الأمر لارتفاع أكلاف النقل، مفضّلين شراء الورد من مناطقهم».
من جهّته، اعتبر إبراهيم البيّاع وهو صاحب مشتل في منطقة دير عمار أيضاً أنّ «أصحاب المشاتل متروكون من الدولة ولا أحد يهتم بأوضاعهم وما آلت إليه أمورهم. هم يعتمدون الآن على بيع الورود خاصّتهم على أبناء المنطقة وهم في غالبيتهم من موظفي الدولة. وأمام ما يعانيه الموظف هذه الأيام فهو يجهد ليؤمّن المأكل لأولاده ويَعتبر ما تبقّى غير الأكل من نوع الكماليات هذه الأيام، وبالتالي فلا قياس أبداً بين السنوات الماضية وآخر ثلاث سنوات في مجال المبيع لقطاع الورود أبداً».
ولأصحاب المشاتل مطالبهم من وزارة الزراعة، وتتلخّص بدعمهم والوقوف إلى جانبهم أقلّه بالأسمدة والأدوية، علّ هذا القطاع أو ما تبقّى منه يبقى صامداً واقفاً على قدميه. يقول مهنا الخضر في هذا الإطار: «نحتاج اليوم إلى وقوف الدولة إلى جانبنا وهي التي لم نرها يوماً معنا. آن الأوان لتدعم صمودنا المرتبط بهذا القطاع». ويضيف: «الحركة في مناطق الشمال شبه مشلولة ويمكن القول إنّ أوضاع القطاع في مناطق أخرى لا سيما بيروت أفضل من هنا، فهناك حجم المبيعات أفضل لأنّ مدخول الأشخاص بالدولار أفضل».
قطاع معيل
وللمشاتل أصحابها وعمّالها أيضاً وبالتالي فهو يعتبر قطاعاً مُعيلاً لعدد من العائلات، إذ إن كل مشتل ورد بحاجة لعدد يتراوح بين 5 و 10 عمال وربما أكثر. إن ترك هذا القطاع من دون دعم الدولة أو وزارة الزراعة أو البرامج غير الحكومية التي تُعنى بالزراعة، من شأنه أن ينعكس سلباً على الوضعين الزراعي والإجتماعي في البلد، في وقتٍ تخسر فيه الدولة قطاعاتها الواحد تلو الآخر، وتخسر العديد من العائلات مصادر رزقها بانتهاء المهن أو القطاعات التي تعمل بها.
لا شكّ أنّ التراجع الكبير في المبيعات سيدفع من تبقّى من أصحاب مشاتل وتجار الورد إلى إقفال مشاتلهم بشكل نهائي أسوة بمن سبقهم، فكلفة الصمود في زمن الدولار المجنون أكبر بكثير من كلفة التوقّف. مؤسفٌ جداً ما يحصل في هذا البلد من تردٍّ ومن خسارة والمؤسف الأكثر أن يخسر لبنان قطاعاته الجميلة التي كانت مصدر غنى ومصدر قوة وجذب استثماري وسياحي ومناطقي.