رسائل من سفراء إلى المسؤولين… “ماذا تنتظرون؟”
كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
أكّد مصدر سياسي بارز أن الرهان على أن يأتي الترياق السياسي من الخارج لإخراج انتخاب رئيس للجمهورية من دوامة المراوحة والتعطيل ليس في محله، وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، ومعها السفيرة الفرنسية آن غريو، كانتا واضحتين بدعوتهما الأطراف المعنية إلى إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم وإنجازه لوقف تدحرج لبنان إلى الأسوأ، خصوصاً أن الأزمة اللبنانية ليست مدرجة على جدول أعمال المجتمع الدولي كأولوية؛ لأن انشغاله في مكان آخر، بدءاً بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وانتهاءً بالأوضاع المسيطرة على سوريا والعراق واليمن.
ولفت المصدر السياسي الذي يتابع اللقاءات التي يعقدها سفراء الدول الخمس الذين اجتمعوا في باريس، وتحديداً السفير المصري ياسر العلوي، إضافة إلى السفيرتين الأميركية والفرنسية، إلى أن معظم هؤلاء السفراء يحثون الكتل النيابية للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وأن تعطيل انتخابه يقع على عاتقها، خصوصاً أن المجتمع الدولي لن ينوب عنها في إنجاز الاستحقاق الرئاسي مع دخول الشغور في سدة الرئاسة الأولى شهره الخامس.
ورأى أن سفراء الدول الخمس لا يملكون سوى الضغط في حثهم الكتل النيابية على انتخاب رئيس للجمهورية؛ لأن ما يهمهم إعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية بدءاً بانتخابه، لقطع الطريق على من يخطط لاستهداف الاستقرار. وقال إن لبنان وإن كان ليس مدرجاً في المدى المنظور على خريطة الاهتمام الدولي، فإن ما يشغل بال أصدقائه على المستويين الإقليمي والدولي يكمن في أن تمديد الشغور في رئاسة الجمهورية يمكن أن يأخذ البلد إلى مكان آخر.
وأكد المصدر السياسي أنه لا صحة لما يشاع بأن هناك في المجتمع الدولي من يراهن على أن إقحام البلد في فوضى شاملة سيفتح الباب أمام إعادة تركيبه، وقال بأن هناك صعوبة في إمكان انتشاله من هذه الفوضى؛ لأن أطرافاً معينة قد تلجأ للمطالبة بالاتفاق على عقد سياسي جديد يكون ثمنه الإطاحة باتفاق الطائف.
وحذّر من الجنوح نحو الفوضى الشاملة التي تدفع البعض إلى التطرف، وصولاً لمطالبة هؤلاء باعتماد النظام الفيدرالي من خلال مطالبتهم باللامركزية المالية والسياسية الموسعة، وقال إن معظم سفراء الدول الخمس أبلغوا القيادات السياسية التي التقوها رسالة واضحة مفادها «لا تنتظروا منا أن نأتيكم بمرشح ونطلب منكم أن تنتخبوه».
ونقل المصدر السياسي عن هؤلاء السفراء قولهم إن الكتل النيابية تطالب بلبننة الاستحقاق الرئاسي، «ونحن من جانبنا نحترم خياراتها، ولن نتدخل في تفضيل مرشح على آخر، ولا نضع فيتو على هذا أو ذاك من المرشحين، وما يهمنا انتخاب رئيس يكون مقبولاً عربياً ودولياً، ويحترم الدستور ويعمل على تطبيقه، ويلتزم بالإصلاحات المطلوبة لمساعدة لبنان عربياً ودولياً؛ للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية، ولا يتردد في استكمال بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، ويضبط الحدود بين لبنان وسوريا لمنع التهريب».
وفي هذا السياق، يسأل هؤلاء السفراء، كما يقول المصدر نفسه: «ماذا تنتظرون؟ وما العمل لوقف تحليق سعر صرف الدولار، فيما الإجراءات والتدابير لضبطه والسيطرة عليه لم تُجد نفعاً؟»، و«هل تدركون ما يترتب على ارتفاع منسوب الفقر من ردود فعل تؤدي للإخلال بالأمن؟». ويؤكد هؤلاء أيضاً أن البلد يغرق في أزمة سياسية ومعيشية ومالية غير مسبوقة لا تُحل بالأمن، وإنما بالسياسة؛ لأن القوى الأمنية على اختلافها لا تصنع الحل، ويوكل إليها توفير الحماية للحل السياسي الذي لا يزال يتعثّر بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ويقول إن المجتمع الدولي يشترط على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم ليكون في وسعه أن يساعدهم.
ويكشف المصدر السياسي أن الولايات المتحدة طرحت من خلال ممثلها في اجتماع الدول الخمس في باريس اتخاذ موقف سلبي من النواب الذين يعطّلون انتخاب رئيس للجمهورية، بفرض عقوبات فورية عليهم، لكن ممثل الرئاسة الفرنسية طلب التمهُّل إفساحاً في المجال أمام قيام السفراء بمروحة من الاتصالات لعلهم يتمكنون من تنقية الأجواء التي تسمح بمعاودة انعقاد الجلسات النيابية لانتخابه، شرط أن يتبدّل المزاج النيابي بامتناع كتل نيابية عن تعطيل الجلسات، وهذا ما يدعو له رئيس البرلمان نبيه بري؛ لئلا يؤدي انعقادها إلى تكرار المهزلة التي سادت الجلسات السابقة.
ومع أن الرئيس بري أيد قول السفراء بأن البلد إذا استمر تعذُّر انتخاب الرئيس يسير من سيئ إلى أسوأ، مضيفاً أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل، وأن أمامنا عدة أسابيع لانتخابه، فإن التواصل بين الكتل النيابية بحثاً عن مخرج يكون بمثابة تسوية لا يزال معدوماً، طالما أن الثنائي الشيعي بلسان رئيس المجلس أعلن رسمياً ترشيحه لفرنجية، وهذا ما يُدخل البلد في كباش سياسي لا تُحمد عقباه؛ لأن الحوار المطلوب يجب أن ينطلق من توسيع مروحة الخيارات الرئاسية التي يمكن أن تفتح ثغرة بحثاً عن مرشح يكون على قياس المواصفات التي حددها المجتمع الدولي، الذي يبدو أن همومه في مكان آخر.