قال كلمته ولم يمشِ
قالها من دون تردد. قالها بكل جرأة إنه علق العمل السياسي. كان قراراً حاسماً صدم جمهوره ومحبيه وكذلك الحلفاء والأخصام، وهل بقي له حلفاء؟ أظن أن ما قدمه من أسباب دفعه الى اتخاذ هذا القرار في وجه من كانوا هؤلاء الحلفاء كما الأخصام، فالجميع حمّله ما جرى وما يجري في السياسة وفي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، ومن المؤكد أنهم كانوا سيحمّلونه كل ما سيجري لو أنه بقي في السياسة.
في كلمته فنّد سنوات عاشها في الحكم وخارجه، وحاول بشتى الطرق ولو على حسابه الشخصي إنقاذ الوطن من كل الويلات التي قدر لها أن تصيبه ويصل الى ما وصلت اليه الأمور اليوم. خسر الكثير من رصيده على كل الصعد خصوصاً السني منه، محاولاً مد اليد الى كل الأطراف في البلد، لأن البلد لا يبنى الا باجتماع كل أطرافه، لكنه لم ينجح لا في جمعها ولا في اقناعها ولا في إرضائها فارتضت لنفسها هذا الوضع وارتضى هو لنفسه الابتعاد وتعليق العمل السياسي لمصلحته.
كلنا في البداية ظننا أن سعد الحريري أخطأ عندما أخذ هذا القرار، لكن مع الوقت تبين لنا أنه قرار صحيح وسليم وفي الوقت الصائب لأسباب عدة أولها وأهمها أن سعد الحريري كلما خطا خطوة يعتبرونه أخطأ، وكلما أقدم على عمل يعتبرونه فشل، وكلما قام بمشروع حاربوه، وكلما طرح أفكاراً وقفوا ضده، وكلما قال كلمة “قوّلوه” عكسها، حتى عندما عاد الى الحكم وقامت ما يسمى بالثورة وشعار “كلن يعني كلن” ظهر وكأن هذا الشعار هو فقط سعد الحريري، ومع ذلك لم يقف في وجههم بل قدم الحلول تلو الحلول والتي قوبلت بالرفض تلو الرفض حتى قدم استقالته واعتبروا أنهم حققوا الانجاز الكبير.
خلال فترة وجوده في السياسة حورب على كل الجبهات ومن كل الجبهات، من أول استلامه التيار الأزرق بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري والحروب على أنواعها تطاله من كل الجهات، حروب على أنواعها سياسية، طائفية وأهمها الحروب الاستغلالية.
أما عن موضوع محاربته بأبيه فهذا شأن آخر نفرده خصوصاً إذا أخذ هذا الجزء حيزاً كبيراً من اهتمامهم وأحاديثهم وتصريحاتهم وحتى من أيامهم.
سعد الحريري الذي اعتبر وريث رفيق الحريري صفة راقت للكثير من المحبين ولم ترق للكثير الكثير من المبغضين خصوصاً الذين رأوا مصلحتهم مع سعد الحريري لتمرير مشاريعهم… مرت المشاريع ولم يمر عندهم رفيق الحريري لا في ضميرهم ولا في عقلهم وهو لم يمر أصلاً في وجدانهم.
أرّقهم رفيق الحريري لدرجة أنهم وصلوا وحكموا وسيطروا وتحكموا وعندما يحرجون في السؤال يكون جوابهم الوحيد هذا نتاج ما زرعه غيرنا قبل ثلاثين عاماً!
كل كلامهم عن رفيق الحريري وكل تعليقات مناصريهم أيضاً عن سياسات رفيق الحريري لدرجة الاسفاف والحقارة.
وما داموا قد حكموا لماذا لم يغيروا السياسات؟ لماذا مشوا بالخطط والمشاريع نفسها التي مشى بها رفيق الحريري هو نجح وهم لم ينجحوا؟ والجواب: “ما خلونا”. من هم الذين “ما خلوكم”؟
إنقسم البلد بل انقسم أطراف البلد بين من يتكلم عن رفيق الحريري ويحمله وسياساته كل ما وصلت اليه الأوضاع في لبنان لأنهم يعتبرون أنه من أوصل لبنان الى هذه الانتكاسة، وبين من يتكلم عن سعد الحريري ويحمله المسؤولية أيضاً في سوء الادارة على الصعد كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهم من كل هذا براء.
قالها سعد الحريري وعلق عمله السياسي، قال كلمته ولم يمشِ لسبب بسيط جداً لأن جماعة “ما خلونا” و”كلن يعني كلن” وأصحاب الشعارات الأخرى من دون استثناء لم يأخذوا البلد من بعده الى مكان أفضل بل أخذوه الى المهوار والانهيار، أما أصحاب الرصيد السني فليسوا في أحسن الأحوال ولكل هذه الأسباب التي سيعرفها الجميع لاحقاً وربما يندمون عليها.
لم يمشِ سعد الحريري وهو باقٍ بقاء رفيق الحريري في قلوب أحبابه.