التعليم في أدنى مستوياته والخسائر الإقتصادية فادحة
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
يستأنف قطاع التعليم العام الدراسي 2022 – 2023، مكسور الجناحين. مشاكل الجهاز التعليمي المتراكمة في القطاعين العام والخاص على حد سواء، تهدّد بشلل قسري، ولو فتحت المدارس أبوابها بالوعيد أو التهديد، بعد انتهاء عطلة الأعياد. المشكلة لا تنحصر في انهيار قيمة الأجور والرواتب، إنما في انسداد كل الأفق أمام الحلول التي تعيد للمعلم جزءاً، ولو بسيطاً، من حقوقه.
تآكل الأجور هائل
على صعيد المدارس الرسمية بقي متوسط رواتب المعلمين والمعلمات في الملاك أقل من 6 ملايين ليرة، رغم مضاعفتها في موازنة 2022. فالأستاذ الذي يحمل كفاءة تعليمية ولديه 10 سنوات خدمة فعلية (درجة 21)، لا يتجاوز أساس راتبه 1.9 مليون ليرة. فيما لا يتعدى راتب الأستاذ الذي يحمل إجازة جامعية مع 20 سنة خدمة فعلية (درجة 16) 1.6 مليون ليرة. وبما أن 60 في المئة من الأساتذة هم من حملة الشهادات الجامعية، فإن متوسط الأجر الشهري لا يتجاوز 1.8 مليون ليرة. وعليه فإن متوسط الدخل بالعملة الأجنبية تراجع من حدود 1200 دولار إلى ما يقارب 127، بحسب سعر صرف 42500 ليرة. ما يعني أن القدرة الشرائية لأجورهم الشهرية خسرت حوالى 10 أضعاف من قيمتها الفعلية.
المشكلة أن نسبة الأساتذة في الملاك لا تتجاوز 30 في المئة من الكادر التعليمي في المدارس الرسمية، فيما هناك 70 في المئة متعاقدون بأجر زهيد، عدّل حديثاً، ليصبح 100 ألف ليرة على الساعة الواحدة. حيث يتراوح عدد الساعات بين أربع ساعات (400 ألف ليرة) و20 ساعة (2 مليون ليرة) أسبوعياً. وهم لا يتقاضون بدل نقل بقيمة 95 ألف ليرة عن اليوم الواحد وبحد أقصى 3 أيام في الأسبوع، إلا إذا التزموا بما لا يقل عن 3 أيام حضور فعلي في المدارس. وأجورهم التي تدفع سنوياً، وليس شهرياً أو حتى فصلياً، تتعرّض لتآكل شديد نتيجة التراجع المضطرد في سعر الصرف.
حلول مجتزأة… وتقطيع وقت
الحلول التي تطرح لتحسين مداخيلهم لا تعتبر ناقصة ومشكوكاً بصدقيتها فحسب، إنما تضرب التعليم وتؤثر سلباً على سمعة لبنان ومستقبله الإقتصادي ومصير الأجيال الصاعدة. الحوافز الدولارية المتأتية من منح بقيمة 60 مليون دولار، لن يصل منها للأساتذة أكثر من 5 دولارات يومياً، قد تدفع بالليرة بحسب سعر منصة صيرفة (38000 ألف ليرة حالياً). الأخطر أنها ستترافق مع السماح بالتعليم بين يومين وثلاثة أيام أسبوعياً. وفي هذه الحالة «لا نعود نتحدث عن تعليم مدرسي»، بحسب الباحث التربوي نعمه نعمه، إنما عملية تقطيع وقت، لا تتوافق مع مؤشر «فعالية السنة التعليمية»، أو ما يعرف بـ «فعالية التعليم». وهو المؤشر الذي يقاس حسابياً بناء على معايير الوضع المعيشي وساعات التدريس ونسبة الحضور… ومؤشر فعالية سنوات التعليم يعتبر مقياساً أساسياً لمستوى التعليم في البلد وكفايته والمهارات التي يساهم في تطويرها. هذا المؤشر كان يقدر بـ 6.3/12 سنة في عز أيام الرخاء قبل اندلاع الأزمة في العام 2019. أي أنه من أصل 12 سنة، هناك حوالى 6 سنوات تعليم فعّالة. في حين يبلغ المتوسط في دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» 8.9/12. أما اليوم وبعد 3 سنوات على نشوب الأزمة، فمن المرجح أن تكون فعالية التعليم قد انخفضت إلى أقل من 4/12. وهي أساساً كانت قد خسرت 50 يوماً في العام منذ العام 2014. حيث جرى تقليص أيام التدريس من حدود 180 يوماً تتوافق مع المتوسط العالمي، إلى 120 يوماً، بهدف تخفيف نفقات المتعاقدين، وبدلات النقل لمن هم في الملاك».
الخسارة الإقتصادية
مكمن الخطر غير المرئي نتيجة ضرب قطاع التعليم كمّاً ونوعاً، يتمثل في خسارة الإقتصاد ملايين الدولارات مستقبلاً. «فكل سنة تعليم تزيد على الدخل الفردي 10 آلاف دولار على مدى الحياة بحسب تقديرات البنك الدولي»، يقول نعمه. «ما يعني أن من أنهى السنة الثانوية الأولى يزيد دخله على مدى الحياة بقيمة 10 آلاف دولار عن ذلك الذي توقّف في صف البروفيه».
المدارس الخاصة ليست أفضل حالاً
على صعيد المدارس الخاصة الوضع ليس أفضل حالاً، بل قد يكون أسوأ. فـ»المعلمون والمعلمات في الحضيض، ورئيس الحكومة المعني مباشرة بتحسين وضعهم من خلال إقرار وحدة التشريع مع القطاع العام خارج البلد»، يقول نقيب الأساتذة في التعليم الخاص نعمه محفوض. و»كأن لا شيء مستعجل في بلد ينهار والدولار الفعلي في الأسواق الذي على أساسه تحدد الأسعار يلامس 50 ألف ليرة». وبحسب محفوض فإن «مطالب الأساتذة في القطاع الخاص تتلخص بأربعة، لا تتعلق بتحسين الوضع المادي، إنما الإستمرار على قيد الحياة. إثنتان من هذه المواد مرهونتان بالمفاوضات التي سيجريها وزير التربية مع حاكم مصرف لبنان، وهما:
– قبول المصارف بصرف شيكات نهاية الخدمة للأساتذة المتقاعدين أو القبول في وضعها في الحساب في أقل الإيمان.
– السماح بتحويل الرواتب التي تتراوح بالمتوسط بين 2 و3 ملايين إلى الدولار على أساس منصة صيرفة. وذلك بالتماهي مع تحويل رواتب أساتذة القطاع العام المضروبة بـ 3 على هذا الأساس.
أما المادتان المتبقيتان فهما:
– احترام وحدة التشريع بين القطاعين العام والخاص. الأمر الذي يسمح بزيادة رواتب الأساتذة في التعليم الخاص 3 أضعاف.
– تغذية صندوق التقاعد.
وهاتان المادتان، أدرجتا في مشروع قانون أعدّه الوزير السابق زياد بارود، وعلى الرئيس ميقاتي الموافقة عليهما وحملهما إلى المجلس النيابي لإقرارهما»، يقول محفوض. «أما في في حال الرفض فسندعو الجمعيات العمومية في كل لبنان إلى الإنعقاد والتصويت على بدء التحركات». وعن موقف النقابة في حال المماطلة يعتبر محفوض أن «المجلس النيابي لن يبقى إلى الأبد كهيئة إنتخابية، لا يمكن الضغط عليه لإقرار القوانين. إلا أنه في حال لم يقرّ القانون فور تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة تشريعية فسيصبح الإضراب مشروعاً».
موقف المدارس الخاصة
ما يطالب به أساتذة التعليم الخاص من زيادة الرواتب 3 أضعاف أسوة بالمعلّمين في المدارس الرسمية لا تعارضه المدارس الخاصة، «إنما قد يشكل خطراً على المساعدة الإجتماعية بالدولار التي يتقاضاها الأساتذة»، برأي الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر. فـ»زيادة الرواتب 3 أضعاف مرهونة بقدرة الأهل على دفع الأقساط، إلى جانب تمويل صناديق الدعم بالدولار». فالأهل في النهاية هم المموّلون الرئيسيون». وبحسب الأب نصر «هناك خشية من عدم القدرة بالإستمرار في النظام الذي جرى بناؤه منذ بدء العام الدراسي الحالي والذي يهدف إلى دعم رواتب الأساتذة من خلال إعطائهم جزءاً من أجورهم بالدولار في حال إقرار زيادة الرواتب بقانون».
بعض الأساتذة في القطاع الخاص يرى أن زيادة الرواتب 3 أضعاف قد تكون أكثر عدالة من دفع قسم بالدولار، خصوصاً أن الأمر ليس ملزماً، ومدارس كثيرة لا تطبقه، وبحسب الأب نصر تتطلب هذه الزيادة أخذ 3 عوامل في الإعتبار:
– قانون زيادة الرواتب 3 أضعاف صدر في الموازنة للعام 2022 فقط، ولا معلومات عن مصير هذه الزيادة في موازنة العام 2023.
– الزيادة المقرّة لا تدخل في أساس الراتب وهي محكومة بسقف حدّه الأقصى 12 مليون ليرة.
– مصير سعر صرف الدولار المجهول. حيث إن أي ارتفاع في سعر الصرف يخفض من قيمة الزيادة بالليرة اللبنانية.
الأب نصر لمّح من خلال هذه العناصر الثلاثة إلى أن إعطاء قسمٍ من الرواتب بالدولار أكثر عدالة وأنه من الصعب الاستمرار بدفع الدولار في حال إقرار زيادة الرواتب 3 أضعاف. وعليه فإن حلّ إشكالية وحدة التشريع مع القطاع العام، ستفتح الباب واسعاً أمام مشكلة جديدة بين المعلمين وإدارات المدارس.
لعلّ هذا هو واقع الأزمات التي تعالج بالترقيع. لا تلبث أن تحل مشكلة ما حتى تطل واحدة أخرى برأسها تجعل من المشكلة الأولى تفصيلاً بسيطاً. وطالما لا حلّ جذرياً لتعدّد أسعار الصرف وحوكمة قطاع التعليم ومراقبة جدية عمل الوزارات ومتابعة صرف الهبات… فإن باب الأزمات سيبقى مفتوحاً على مصراعيه.