تخلّوا عن الأصيل… ولجأوا إلى البديل
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
تتلاحق المشاهد غير المألوفة في يوميات الصيداويين كشواهد على مدى إستفحال تداعيات الأزمة التي حلّت بهم منذ ثلاث سنوات، وهي لم تفقدهم فقط الكثير من رفاهية العيش، بل أجبرتهم على إجراء تغيير جوهري في نمط حياتهم ليتناسب مع أولوياتهم في ظل الغلاء وإرتفاع الأسعار، وخلاصتها «تخلوا عن الأصيل ولجأوا إلى البديل».
أولى المشاهد اللافتة، قيام مستشفى «حمود» الجامعي بتركيب نظام طاقة شمسية ضخم، هو الأكبر في المدينة، حيث تمتدّ ألواح الطاقة على طول موقف السيارات المجاور للمستشفى بهدف توفير المازوت لتشغيل المولدات تفادياً، للكلفة الباهظة مع إرتفاع سعر الصفيحة إرتباطاً بسعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء.
وتركيب نظام الطاقة الشمسية أسلوب بدأت اعتماده بعض المؤسسات الصناعية والتجارية والإقتصادية والطبية منذ أشهر عدة، وخاصة المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات الطبية ومعامل الحلويات وحتى المساجد، في مؤشّر على فقدان الأمل بعودة التيار الكهربائي الى سابق عهده، مع تراجع الدولة بخدماتها والإدارات الرسمية بإنجاز معاملاتها لفقدان الحبر والأوراق والإيصالات ونماذج إخراج القيد وصولاً إلى الطوابع المالية وسواها.
وفي آب الماضي، أثار تركيب نظام طاقة شمسية فوق سطح مبنى مؤسسة «كهرباء لبنان الجنوبي» في المدينة، ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي لجهة التعليقات الساخرة والغاضبة والشعور بالمزيد من الإحباط واليأس من تأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة في الوقت القريب أو حتى العودة إلى ساعات التقنين السابقة، قبل توضيحها بأن ألواح الطاقة الشمسية لا تعود إليها لا من قريب أو من بعيد، وإنّما لشركة مراد للكهرباء المتعهّدة القيام بأعمال الصيانة وخدمة الزبائن والجباية.
وثاني المشاهد هو إعتماد الكثير من الصيداويين على الدراجة النارية أو الكهربائية أو الهوائية لتوصيل أبنائهم الطلاب إلى مدارسهم كبديل عن الحافلات المدرسية أو الباصات الخاصة توفيراً للمال، رغم ما يواجهونه من صعوبات بسبب الطقس العاصف وهطول الأمطار بين الحين والآخر، وهي لم تعد تقف عند حدود إستخدامها فقط للعمل (الديليفري) بل باتت وسيلة رئيسيّة للتنقّل من مكان الى آخر مع إرتفاع أجرة «التاكسي» بشكل جنوني.
الصيداوي «أبو حسن» القبرصلي جسّد، وهو يوصل أحفاده إلى مدارسهم تحت المطر، نموذجاً للعامل المكافح لتحصيل لقمة عيشه، إذ لا يملك سوى هذه الوسيلة، فيما الإيثار إمتدّ إلى الأخ الأكبر حيث تقاسم معطفه مع أخيه الأصغر إتقاء المطر، ليشكّلوا جميعاً مثالاً للعائلة الصيداوية المتعفّفة التي تأقلمت مع الواقع المرير في سبيل تمرير الأزمة بأقّل الخسائر الممكنة للبقاء على قيد الحياة.
وحال الطلاب والنقل إلى المدارس، لم يقتصر على الأهل والدراجات بأنواعها، بل وصلت إلى حد قيام من يملك سيارة بإيصال أبنائه وطلاب الجيران في ذات المبنى السكني أو المجاور إلى المدرسة مقابل دفع كلفة البنزين، ويقول «أبو محمد» ترجمان لـ»نداء الوطن»: «إتفقت مع الجيران على إيصال أبنائهم مع أولادي كل يوم ذهاباً وغياباً، مقابل دفع ثمن البنزين، وأكون بذلك وفّرت على نفسي دفع رسوم الحافلة المدرسية لي ولهم، تماشياً مع الضائقة المالية، كما أنها نوع من التكافل الاجتماعي».
وقد شهدت المدينة الكثير من الظواهر اللافتة، منها على سبيل المثال لا الحصر: إنتشار الـ»توك توك» بدلاً من السيارات، تبديل الكتب المستعملة مع بدء العام الدراسي بعد الاستنكاف عن شراء الجديدة، تركيب الطاقة الشمسية للإستغناء عن الإشتراك بالمولدات الخاصة وأكلافها الباهظة، إستخدام حامض الليمون بدلاً عن الليمون الحامض و»مرقة الماجي» بدلاً من الدجاج وسواها.