الدجاج المستورد يُفجّر أزمة: من يحمي المستهلك؟
كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
سلامة الغذاء تُطرح مجدداً على الطاولة. لبنان الذي يتوقّع ان يقفل العام على استيراد نحو 20 مليون طير مجلّد، يتبين انّ هذا النوع من الدجاج غير مرئي في غالبية السوبرماركات، لماذا؟ لأنّ تجارة تذويبه وبيعه على أساس انّه طازج، او بيعه على شكل طاووق تنشط جداً. والامر سيان حتى في افخم المطاعم، خصوصاً ساندويشات الطاووق. فماذا يحصل؟ وهل يجوز قانوناً تذويبه وبيعه؟ وأين الرقابة؟
فتح تصريح وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن عن انّ استيراد الدجاج المجلّد سيستمر «لكي نحافظ على اسعار تناسب جميع المواطنين»، جدلاً بين المنتجين المحليين لهذه المادة الحياتية الأساسية والمستوردين لها، كمنافسين للانتاج المحلي ومهدّدين لاستمراريته.
في هذا الاطار، يرى رئيس النقابة اللبنانية للدواجن وليم بطرس، انّ القطاع يتعرّض لهجمة شرسة ومنافسة غير مشروعة. فالاستيراد يتزايد بشكل لافت، بحيث ارتفع من 1000 طن حتى تموز 2021 الى 4 آلاف طن حتى شهر نيسان الماضي، ومن المتوقع ان يقفل العام على استيراد نحو 20 مليون طير.
وقال لـ«الجمهورية»: «ليس صحيحاً ان كيلو صدر الدجاج المحلي وصل الى 250 الفاً، بل الأصح انّه يتراوح ما بين 180 و200 الف ليرة، بينما يصل سعر الدجاج المجلّد إلى 3 دولارات ونصف الدولار، واعتراضنا انّه رغم حجم الاستيراد الهائل فهو لا يُعرض سوى في عدد قليل من السوبرماركات، او يُعرض للبيع مذوباً مع لافتة «لا يجوز تجليده مرة اخرى». فهل هذا الامر يجوز؟ من سمح بتذويبه وبيعه؟».
وكشف بطرس انّ هناك مجموعة تجار او وسطاء يعملون على إذابة صدر الدجاج المجلّد وبيعه على أساس انّه طازج بسعر اقل بنحو 10 إلى 20 الفاً من الطازج، او يصنّعونه ويبيعونه كطاووق او اسكالوب ويُعرض في برادات السوبرماركت وبأسعار قريبة من تلك الطازجة. وأكّد انّ غالبية المطاعم، حتى تلك التي تُصنّف مطاعم فخمة و5 نجوم، تبيع صحن الدجاج بسعر الطازج، فيما هي تستعين بالمجلّد، تذوّبه وتطبخه لزبائنها، كذلك مطاعم الوجبات السريعة تعمل على إذابة صدر الدجاج وطبخه وبيعه كسندويشات طاووق طازجة. وأكّد انّ معظم سوق الطاووق أكان في المطاعم او السوبرماركات، يتمّ إعداده من صدر الدجاج المجلّد المستورد المذاب.
واشار بطرس، الى انّه استناداً الى قرارين صادرين عن وزارة الاقتصاد وقرار المواصفات اللبنانية للدواجن، يجب ان يُباع الدجاج المجلّد بغلافه الاصلي، ويوضع عليه تاريخ الانتاج وتاريخ الانتهاء الصلاحية بوضوح والمصدر وبلد المنشأ، ويوضع في الثلاجة حيث يُعرض للبيع مثله مثل السمك المجلّد.
وقال: «فهل يمكن ارشادنا الى سوبرماركت تبيعه بهذه الطريقة؟ وإذا وجد في بعض السوبرماركات فهو يباع بـ 180 الفاً، ما يعني انّ ما برّرته وزارة الزراعة بأنّ الهدف من فتح باب الاستيراد هو لضبط الاسعار، في غير محله، لأنّه اذا عُرض المجلّد بالشكل الصحيح فهو يباع بسعر قريب او مشابه لصدر الدجاج البلدي الطازح، وكل ما عدا ذلك فهو يذوّب ويعدّ كطاووق واسكالوب في السوبرماركات للبيع، بهدف تحقيق الربح للتجار، لأنّه يباع كمصنوعات بأسعار الطازجة».
وتساءل بطرس، لماذا يُسمح بإستيراد صدر الدجاج المجلّد من البرازيل بمواصفات أقل بكثير من المواصفات المعتمدة لإنتاج الدجاج في لبنان؟ ولماذا صدر الدجاج المجلّد المستورد من البرازيل غير مرئي، بمعنى لا يمكن إيجاده في مراكز البيع، وهنا تُطرح علامات إستفهام حول تذويبه وبيعه كمنتج طازج.
وبنتيجة هذه المعطيات، يمكن ان نخلص إلى انّ المستهلك والانتاج المحلي هما المتضرران الوحيدان. فالمستهلك لا يعرف ماذا يأكل، أما مربّي الدجاج فيقفل مزرعته، بدليل تراجع انتاج الطيور من 120 مليون طير العام الماضي الى 75 مليون طير مع نهاية العام، في المقابل ارتفاع حجم الاستيراد بشكل لافت. وطالب بطرس بإعداد روزنامة لإدخال الطيور إلى لبنان. فما يحصل انّ لبنان يستورد صدر الدجاج حتى في وقت يكون فيه اكتفاء محلي.
في المقابل، يقول احد مستوردي الدجاج لـ«الجمهورية»، انّ صدر الدجاج المستورد بات منفذاً لبعض العائلات التي تدنت قدرتها الشرائية. «فنحن نتحدث عن فارق بنحو 70 الى 80 الف ليرة في الكيلو الواحد». وشدّد على انّ الدجاج المستورد يخضع لرقابة قوية مرفقة بشهادة منشأ وشهادة صحية، ولدى وصولها الى مرفأ بيروت تؤخذ منها 4 عينات للتأكّد من نتيجة الفحوصات، وفي حال تبين انّ الدجاج غير مطابق للمواصفات، ُيعاد الى بلد المنشأ على نفقة التأمين. وأشار الى انّ بلدان الاستيراد هي البرازيل والاوروغواي.
ما بين المستورد المغشوش والدجاج الطازج، كيف يمكن للمواطن ان يلاحظ الفارق؟ وهل من دور رقابي لوزارة الاقتصاد؟
مصادر مطلعة في وزارة الاقتصاد تؤكّد لـ«الجمهورية»، انّ هذا الموضوع هو محور نزاع بين وزارة الزراعة ونقابة مربّي الدواجن، الذين يرون انّه بمجرد فتح الوزارة المجال امام استيراد الدجاج المثلج فهو يضرب بذلك العائلات التي لا تزال تعتاش من هذا القطاع، خصوصاً انّ هذا القطاع هو جزء من الانتاج المحلي الذي يجب تأمين الدعم له. لكن في المقابل، لا يجب ان ننسى انّه في كل دول العالم وحدها المنافسة ما تدفع باتجاه تصحيح الاسعار. انطلاقاً من ذلك، فتح وزير الزراعة باب الاستيراد، فبات يتوفر في السوق كيلو صدر الدجاج المستورد بنحو 90 الفاً مقارنة مع 160 الفاً للانتاج المحلي. واكّدت المصادر، انّ الكلام عن انّ الدجاج المجلّد غير متوفر، كلام غير دقيق. ولكن في الوقت نفسه، تؤيّد المصادر اقتراح النقابة بضرورة تحديد كوتا للاستيراد، حفاظاً على المزارعين الذين يعتاشون من هذه المهنة.
ونقلت المصادر، انّ لقاء حصل بين مدير عام وزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر ومربّي الدواجن، الذين نقلوا اليه شكواهم. فوعدهم بمتابعة الموضوع والتواصل مع وزارة الزراعة من اجل العمل على حماية المستهلك وتأمين المنافسة من جهة، وحماية الانتاج الوطني من جهة أخرى. كما جرى خلاله الاتفاق على إعداد روزنامة شبيهة بالروزنامة الزراعية، يتمّ خلالها فتح وقت معين للاستيراد، بحيث لا يُضرب القطاع ولا تُضرب الاسعار.