تفشّي “الكوليرا” يثير الخشية على القطاع الزراعي
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
تتوالى الضربات على رأس القطاع الزراعي. إذ لم يكد المزارعون يعيدون فتح باب التصدير إلى الدول العربية، بعدما أقفلته التصريحات السياسية غير المسؤولة، وتهريب المخدّرات، حتى تفشّى وباء “الكوليرا”. الأردن كان أبرز المتريّثين باستيراد الخضار والفواكه من لبنان لعدة أيام قبل أن “يعود إلى الاستيراد بشكل طبيعي بعد تثبيت خلو الفواكه المصدّرة من الكوليرا”، بحسب نائب رئيس نقابة مستوردي ومصدّري الخضار والفواكه، شاكر الصمد. ذلك أن التصدير إلى الأردن يمرّ عبر سوريا، التي يتفشّى فيها الوباء بشكل كبير.
وما ساعد لغاية الآن على عدم تأثر الصادرات الزراعية بالوباء، هو اقتصار الصادرات في البحر على التفاح والعنب والبطاطا وبعض المنتجات الأخرى. فيما تراجع تصدير الحشائش المعرضة أكثر من غيرها للوباء بسبب تعرّضها للتلف في النقل البحري المنفذ الوحيد لتصريف الإنتاج. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى ممكن أن تبقى الصادرات الزراعية بمنأى عن حظر الاستيراد من قبل بعض الدول؟ ولا سيما مع الانتشار السريع وعجز السلطة الفاضح عن احتوائه نظراً لتردّي الخدمات!
يكفي أن نعلم أن هناك 974 مخيماً للنازحين السوريين بمنطقة حوض نهر الليطاني تضم 68645 نازحاً، تصرف مياهها العادمة إلى النهر من دون معالجة. كما أن أكثرية محطات التكرير في البقاع، وفي غيرها من المناطق اللبنانية متوقفة عن العمل بسبب انعدام توفر الكهرباء أو حاجتها للصيانة. وبحسب مصلحة المياه في نهر الليطاني، فإنّ “معدل التصريف اليومي لمياه الصرف الصحي يبلغ 128154 متراً مكعباً، أي ما يعادل حوالى 46 مليون متر مكعب سنوياً، تصب بمعظمها في النهر مباشرة أو تتسرب الى المياه الجوفية. وهي تشمل ضمناً الصرف الصحي الصادر عن النازحين في قرى الحوض الأعلى البالغ حوالى 4 ملايين متر مكعب. الخطورة أن هذا النهر يشكل مصدراً أساسياً لري أكبر نسبة من المزروعات، حيث تقدر المساحات الزراعية الواقعة ضمن مسافة 2 كلم من جانبي النهر بحوالى 8396 هكتاراً.
في المقابل يؤكد المحلل والخبير بالأرقام والإحصائيات نبيل رزق الله أن “لا خوف على تناول الخضار والفواكه اللبنانية أو حتى تصديرها طالما يجري تعقيمها. وهي كانت أساساً مهددة بالتلوث ببعض البكتيريا مثل “الايكولاي”، الناجمة عن تلوث الأنهار، حتى قبل تفشي “الكوليرا”. إلا أن الخطير بـ”الكوليرا” هو سرعة انتشاره. إذ بغضون 14 يوماً زاد عدد البلدات التي ينتشر فيها الوباء 200 ضعف. حيث بدأ الكوليرا في 3 بلدات وثم توسّعت رقعته إلى 45 بلدة، منها صيدا وبرج البراجنة والبقاع وغيرها. وبحسب رزق الله “هناك صعوبة بالتمييز ما بين إذا كانت العدوى قد انتقلت في المنطقة نفسها، أو أنها محمولة من الخارج”. وفي جميع الحالات، فإن أماكن ظهورها، تشكل تحدّياً كبيراً على إمكانية الحد من انتشارها، نظراً للكثافة السكانية في بيروت والمتن وبعبدا. كما أن اضطرار معظم اللبنانيين إلى تعبئة المياه بواسطة الصهاريج يجعلهم عرضة لتلقي العدوى بشكل كبير. وبحسب رزق الله فإن “أسوأ السيناريوات، يفترض انتقال العدوى بين أغلبية المقيمين في مختلف المناطق، في حال تلوثت أكثرية مصادر المياه، (السطحية أو حتى الجوفية) بـ”الكوليرا”. وهذا ما رأيناه للأسف في بلدان العالم الثالث التي انتشر فيها الوباء، في ظل عجز السلطات عن احتوائه بسبب تردي الخدمات لديها وضعف البنى التحتية.
لغاية اللحظة وبحسب الحالات المسجلة تسبّب “الكوليرا” بنسبة وفيات بلغت 4 في المئة، في الوقت الذي يبلغ فيه المعدل العالمي المقبول أقل من واحد في المئة. وهذا يعود، بحسب رزق الله، إلى “عدم تسجيل كل الحالات”. ومن المتوقع برأيه أن “ينخفض هذا المعدل مع اتخاذ السلطات قراراً بتصنيف أي حالة إسهال في منطقة تزيد فيها حالات “الكوليرا” عن الثلاثين، بأنها مصابة بـ”الكوليرا”. وهو الأمر الذي قد يخفض نسبة الوفيات.
العجز عن احتواء الوباء سيشكل نقطة سوداء إضافية تسجل في سجل تعامل الخارج مع لبنان، وهي إن لم تؤثر على الصادرات، فستشكل مبرراً لعدم زيارة لبنان، وتدهور كل القطاعات الخدماتية المرتبطة بالحركة السياحية.