التعويل على موسكو رئاسياً ساقط… والغاز اللبناني لا ينافس الروسي
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
يؤكد عالمون بالموقف الروسي الرسمي حيال لبنان وبالخريطة السياسية الروسية عامةً، أنّ موسكو داعمة للبنان واستقراره، وتأمل في أن يحصل الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية، وإن كانت المؤشرات لا توحي بهذا الأمر. وبالتالي لا يهمّ روسيا حُكماً الفراغ الرئاسي بل أن يجرى انتخاب رئيس في أسرع وقت وضمن المهل الدستورية، وعبّر مسؤولون روس عن ذلك شخصياً لمسؤولين وديبلوماسيين لبنانيين في أكثر من مناسبة. ويهمّ روسيا الاستقرار في لبنان إنطلاقاً من وجود قواعد عسكرية لها في سوريا، إذ يضفي هذا الاستقرار نوعاً من الأمان لقواعدها هذه، لذلك تُعتبر روسيا من الدول التي يهمها الاستقرار في لبنان على الصعيدين السياسي والأمني.
على مستوى الاستحقاق الرئاسي، تُعتبر روسيا لاعباً مؤثراً فيه ولكن غير أساسي، وبالتالي لا تأثير روسياً كبيراً على هذا المستوى، فضلاً عن انشغال موسكو بانغماسها في الوحول الأوكرانية، وفي الشرق الأوسط من الواضح جداً أنّ أولوية روسيا هي سوريا ووجودها هناك، ولبنان لا يشكّل أولويةً لها، علماً أنّ روسيا حريصة دائماً على أفضل العلاقات مع لبنان، كما يستنتج مسؤولون معنيون. لذلك وافقت الحكومة الروسية على تقديم هبة للبنان عبارة عن مشتقات نفطية وحبوب، إلّا أنّ هذا القرار الحكومي يتطلّب توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليصبح ساري المفعول، وعندها تُحدّد نوعية الهبة وكميتها. ومن المتوقع أن يوقّع بوتين هذا القرار خلال أسابيع، وكانت أتت الموافقة الروسية المبدئية على هذه الهبة رداً على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الجانب الروسي مساعدة لبنان عبر رسالة في أيار الماضي.
أمّا على مستوى المعركة الروسية في أوكرانيا كما يُسمّيها الرئيس الروسي، وفي حين يتأثر العالم كلّه بها، سياسياً واقتصادياً تحديداً، والتي انطلقت مرحلتها الثانية مع التعبئة التي أعلنها بوتين وتهديده باستخدام السلاح النووي التكتيكي إذا استدعت معركته ذلك وانضمام مناطق أوكرانية الى روسيا، فلا يتأثر لبنان مباشرةً بهذه الحرب، على رغم أنّه ليس منعزلاً عن المجتمع الدولي، إنطلاقاً من أنّ الاقتصاد اللبناني صغير فضلاً عن أنّ أوضاعه يُرثى لها أساساً، بل يعتبر البعض أنّ لبنان استفاد من هذه الحرب لجهة أنّ الحاجة الدولية، والأوروبية خصوصاً، شكّلت عاملاً دافعاً الى لعب دور دولي ضاغط للوصول الى اتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي استخراج النفط والغاز.لكن لا قلق روسياً من استخراج النفط والغاز من لبنان واسرائيل ومن أنّه يشكّل بديلاً للغاز الروسي، وذلك لأنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل إذا وُقّع فوراً وبدأ استخراج الغاز، فإنّ الإنتاج يتطلّب ما لا يقلّ عن نحو 7 سنوات، فضلاً عن أنّ أحداً لا يعلم حتى الآن فعلياً مقدار كمية الغاز الموجودة، والتي قد تكون هائلة أو محدودة. وفي كلّ الحالات إنّ كميات الغاز التي تصدّرها روسيا الى أوروبا لا يُمكن لأي جهة، وحتى قطر نفسها، أن تعوّضها وأن تسد النقص الحاد من وقف الاستيراد من روسيا، فأوروبا الغربية تستورد نحو 50 في المئة من حاجاتها للغاز من روسيا، والمانيا بمفردها والتي تشكّل أكبر اقتصاد في أوروبا تؤمّن 56 في المئة من حاجتها للغاز من روسيا. كذلك إنّ الأكثر تفاؤلاً في الغرب وواشنطن يعتبرون أنّ أي خطة محكمة ومستمرّة تتطلب 5 سنوات أقلّه لتغطية الجزء الأكبر من الغاز الروسي عبر قطر والولايات المتحدة، إنّما بأسعار أكثر ارتفاعاً وبصعوبة نقل أكبر بكثير. وبالتالي من الصعب جداً إيجاد بديل ملائم وبأسعار مناسبة عن الغاز الروسي. لذلك تمسك روسيا بورقة الضغط هذه على أوروبا، وليس وارداً أن تخشى من الغاز اللبناني، بحسب ديبلوماسي مطّلع.
أمّا بالنسبة الى إمكانية أن تواجه روسيا الولايات المتحدة الأميركية وتضغط عليها من خلال الضغط على اسرائيل، عبر سوريا ولبنان، ومن قنوات إيران و»حزب الله»، تشرح مصادر مطّلعة، أنّ روسيا مثل كلّ الدول، لكي تدافع عن مصالحها قد تلجأ الى أي وسيلة، إلّا أنّ موسكو حريصة على اسرائيل وأمنها مثل واشنطن وربما أكثر، ومن المستحيل أن تلعب ورقة الضغط على اسرائيل من سوريا أو لبنان أو عبر إيران و»حزب الله»، لأنّ علاقاتها ذهبية مع اسرائيل، وقد تضغط على أميركا عبر إيران أو تطرُّف معيّن لكن ليس على اسرائيل، خصوصاً أنّ هناك نحو مليوني اسرائيلي من أصل روسي يعيشون في اسرائيل، كذلك هناك علاقات تاريخية متينة بين الدولتين، وتُعتبر الآن أنّها في عصرها الذهبي، مع الصداقة الشخصية بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، وعلى رغم أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يائير لابيد ليس قريباً من روسيا، الّا أنّ «الاستبلشمنت» الاسرائيلي قريب جداً من الروس، والروس حريصون على اسرائيل الحرص الأميركي نفسه. لذلك سيستمرّون في تغطية الضربات الاسرائيلية على مواقع إيرانية ولـ»حزب الله» في سوريا ولمنع دخول صواريخ الى لبنان، ولا يزال «المنع» الروسي للسوريين والإيرانيين باستهداف أي طائرة اسرائيلية قائماً وساري المفعول. وبالتالي لا «باس» روسياً لإيران و»الحزب» لزعزعة الاستقرار في لبنان أو «الستاتيكو» في سوريا في المواجهة مع إسرائيل.