عندما يدفع وزير المال الثمن!
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
من مكتبه المطل على البحر في وسط العاصمة بيروت والواقع في حرم مجلس النواب، يتابع وزير المالية يوسف الخليل وفريق عمله ردود الفعل الغاضبة والمنتقدة لإعلانه رفع سعر صرف الدولار الرسمي الى 15 الف ليرة. اخذ الاعلان على عاتقه علماً انه كان بمقدوره تجنبه وتركه للحكومة ومصرف لبنان. باعلانه هذا لم يأت بجديد، لقد قال بالمفرق ما نصت عليه الموازنة بالجملة وتميز اعلانه بالصراحة الواضحة بلا مواربة او مجاملة او اعتماد النهج اللبناني المعتاد في تدوير الزوايا وتقديم الامور وفق حساب المقدمات المنمقة وتدارك ردود الفعل. مقتنع هو وفريق عمله انه فعلها وفق حساب الخسارة الذاتية الخاصة وربح المصداقية العامة ولو بعد حين. كل الانتقادات التي سيقت اتت خارج نطاق الواقع ولم تستند الى اسس علمية ومنطقية. المشكلة في خلط السياسي بالاقتصادي والمزايدات الجماهيرية. في مجلس النواب لاقى تصفيقا قوياً من الحضور ذاك الخطاب الشعبوي الذي انتقد صاحبه اتجاه الدولة لرفع الدعم ورفع الرسوم وزيادة التسعيرة على فاتورة الاتصالات والكهرباء. اساس العلة يكمن في الشعبوية. منذ ما يزيد على السنة ومعالجات الازمة المالية لا تخرج عن نطاق الترقيع الذي لا يستند الى اي اساس مبني على ارقام حقيقية. طوال تلك الفترة كانت الدولة تصرف من المال الحي من دون ايرادات. وفي وقت لامس سعر صرف الدولار سقف الاربعين الفاً بقيت الدولة تتقاضى رسومها على اساس سعر 1500 ليرة للدولار وهو ما ولد ازمة حقيقية على كل المستويات.
كانت الخطوة الاولى لوضع الحل على سكته الصحيحة تفنيد الازمة حيث لا ايرادات كافية والدولة تستنزف ذاتها. طالب صندوق النقد بمعالجات جذرية ورفض انصاف الحلول. اعتبروا ان مفاتحة الناس بكل الحقيقة دفعة واحدة قد تحقق لهم الصدمة ولكن لمرة واحدة واخيرة لا تقسيط الحل على مراحل. لكن الكيديات السياسية فعلت فعلها في لبنان. تأخر اقرار الموازنة لاعتبارات سياسية كان لها ثمنها. اقرت الموازنة ورئيس الجمهورية لم يوقعها بعد. اذا رفض توقيعها يعني مزيداً من الاستنزاف للاقتصاد. يعد اقرارها الخطوة الاولى في برنامج شروط صندوق النقد الدولي وهو تثبيت سعر صرف الدولار. الخطوة يصعب تحقيقها دفعة واحدة. والحل رفع تسعيرة الدولار الرسمية الى 15 الف ليرة بدل 1500 ليرة. اذ لا يمكن لدولة ان تتقاضى رسومها على اساس 1500 بينما بلغ دولار السوق الاربعين الفاً. عمليا الغيت تسعيرة الف وخمسماية ليرة نهائيا وسيصبح السعر الرسمي المتداول 15 الف ليرة. تدريجيا سيصبح ساري المفعول ويصبح اعتماده نافذاً في كل الاجراءات الرسمية بعد ان تكون المصارف كما المؤسسات وبالتعاون مع مصرف لبنان قد أوجدت آلية تطبيقية لاصحاب القروض المصرفية الذين لا يزالون يسددون قيمة القرض على اساس تسعيرة الالف وخمسماية ليرة وكذلك المؤسسات التي تتعامل بالعملة الصعبة، بالمقابل سيتم رفع الدولار الجمركي تدريجياً ليكون ابتداء من 15 الفاً بداية. الهدف المطلوب ضمن شروط صندوق النقد حصر ذاك التفاوت في سعر صرف الدولار الاميركي بحيث يتحقق المطلوب بوقف التهريب والحد من السوق السوداء المتداولة حالياً. وهما هدفان لا يتحققان الا من خلال التوازن في سعر الصرف وتضييق هامش الفرق بين الاسعار الذي نشهده اليوم.
يستوعب وزير المالية يوسف الخليل الهجمة عليه بعد اعلانه عن رفع سعر صرف الدولار من 1500 الى 15 الف ليرة. رغم ان رئيس الحكومة اكد على ذلك في مقابلة له بعد ساعات من اعلان الخليل وذهب أبعد بتفسيره أن»الغاية هي الانتظام. الانتظام لا يكون إلا عندما نوحد سعر الصرف وفقاً لسعر السوق».
بالمنطق كان يفترض ان يجير الخليل مثل هذا الاعلان غير الشعبوي، لكنه ارتضى تلقي السهام وهو متأكد ان التعليقات على القرار سياسية اكثر منها اقتصادية. كبير صار عدد المحللين الاقتصاديين ممن يتبارون في تسجيل الاهداف في مرمى المالية بينما الوقائع ثابتة. ازمة مالية يلزمها معالجات جذرية. باعلانه عن رفع سعر تسعيرة الدولار لم يأت الوزير بجديد للهجوم عليه هو قال ما تضمنته الموازنة التي استغرقت اشهراً درساً وتمحيصاً لدى لجنة المال والموازنة النيابية واقرها مجلس النواب بعد الحكومة. مجرد ان اقرت الموازنة وكل حساباتها على سعر صرف يوازي خمسة عشر الف ليرة يعني سقط حكما سعر الصرف على اسس 1500 ليرة. وبمجرد ان اقرت خطة التعافي فهي التزمت ايضا بشروط صندوق النقد ويأتي في اولوياتها تنفيذ جملة خطوات اصلاحية ستكون موجعة حتماً لان الدولة دخلت منذ عامين في عجز مادي واسع بينما لا تزال تستوفي ايراداتها على اساس 1500 للدولار الاميركي.
عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتبت المسؤولة الاعلامية لوزير المالية ريما فرح تقول «يوسف الخليل احزم ملفاتك واترك كفاءتك الاقتصادية والمالية، وخذ آدميتك وخجلك وتهذيبك وعد الى منزلك، لقد سبقك كثيرون منهم الوزير إميل بيطار والوزير الياس سابا على درب صليب المكائد السياسية، وانشالله تكون انت آخرهم». لا يختلف اثنان على حيادية يوسف الخليل بالموضع المالي. وربما تكون تلك هي مشكلته التي جعلت اسمه متداولا من بين الاسماء المرجحة للاستبدال بآخرين في الحكومة المقبلة في حال نجحت مساعي تشكيلها. يوسف الخليل الآتي من عالم مصرف لبنان والضليع بلغة الارقام وتفنيدها، سئم هو نفسه من متابعة مهامه. على قدر المامه بالمسؤولية لم ترق له طريقة التعاطي والشعبوية التي يمارسها النواب والسياسيون رغم ادراكهم مدى خطورة الواقع وان مزيداً من التأخير سيجر البلد الى مزيد من الويلات مالياً واقتصادياً. سيرحل الخليل من الحكومة. لا يهم. همه ان يترك وراءه خطوة تدفع باتجاه الحل.