اخبار بارزة

شققٌ للإيجار: أن تطلب المستحيل!

كتب دانيال شمص في “الأخبار”: 

«الحق في السكن» عبارة فقدت معناها، بعدما بات العثور على شقة مناسبة للإيجار أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. الأسعار تدولرت، بما يتجاوز رواتب غالبية اللبنانيين بكثير. أصحاب الشقق يفضلون إبقاءها فارغة على تأجيرها، والباحثون عن سكن أنواع، منهم من انتقل إلى منازل الأقارب، أو أقام في بيوت غير صالحة للسكن أصلاً، أما الشباب منهم فقد أجلوا قرار الزواج وتأسيس عائلة.

لم تترك مروى (28 عاماً) شارعاً في بيروت إلا وفتّشت فيه عن شقة مناسبة، وكذلك فعل أحمد (31 عاماً) الذي جاب جميع حواري ضواحي بيروت. المشترك بينهما أنّهما مقبلين على الزّواج، والعائق الذي يؤخّرهما هو العثور على شقة مناسبة. «نبحثُ منذ أشهر عن شقة، وكأن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث».

تشتكي ريما إحدى الفتيات المقبلات على الزّواج: «لقد هيّأنا كل الأغراض للمنزل الذي نبحث عنه من دون جدوى». توضح بأسى «منذ سنة تقريباً وأنا أبحث، توصّلنا لبعض الشقق لكن لا ماء ولا موقف ولا مصعد للطوابق العالية، أغلبها مبان مترهّلة تحتاج إلى ترميم وصيانة وإيجارها يُراوح بين 200$ و300$ شهريّاً، لا نستطيع الاستئجار خارج بيروت لأننا نريد شقة قريبة من العمل من دون تحمّل عبء كلفة المواصلات الباهظة».
حامد وجد حلاً آخر بعدما ضاقت به السبل كي يجد شقّة ويتزوّج فيها، حتى ظنّ أهل خطيبتي «أنّي أتلكأ ولستُ جدّيّاً في أمر الزّواج». عندها تنازلت عمّته له عن دارها الذي تستأجره في بيروت لتسكن في منزلها القروي «خمس سنوات وأنا أنتظر هذا اليوم، فلولا هذا الحل الترقيعي لخسرت فرصتي في الزّواج، هناك الكثير من الشباب أمثالي لا يجدون مسكناً ليتزوّجوا».

والحال ليس أفضل مع المستأجرين الذين انتهت عقودهم، أو قاربت على الانتهاء. «كلّ أصحاب الملك يقولون الجملة نفسها كأنّهم اعتمدوها جواباً رسميّاً: بدّي الشّقة لابني كي أزوّجه فيها».

تراجع كبير في حركة السوق

هو «جنون لا يحدث إلا في لبنان»، يقول أحد الباحثين منذ أشهر عن شقة، مستغرباً الأسعار المرتفعة التي تُطلب وكأنّ أصحاب الشقق لا يعيشون في لبنان ويعرفون قيمة الرواتب التي تُعطى. أغلب الظنّ أن أصحاب الشقق لا يرغبون في تأجيرها، وهذا ما يمكن استنتاجه أيضاً من كلام عدد من السماسرة في بيروت، إذ يجمعون على أن «حركة السّوق العقاري متراجعة ما بين 90% إلى 95%». يقول هاني، أحد السماسرة: «ما يحصل هو نتيجة أسباب عدّة، فُقِدَت شقق الإيجار وذلك لارتفاع الطّلب عليها، لأن معظم الراغبين بالاستئجار لا يقدرون على تحمّل تكاليف شراء شقّة، أمّا أصحاب الملك فيطمعون كثيراً، ويطلبون تسديد الأجرة بالدولار، وبأرقام تعادل أضعاف الأجور والرواتب، فتصبح الشقق الرّخيصة كعكةً يتهافت عليها الجميع».
أما من لا يرغب في رفع قيمة الإيجار، فقد اختار عدم التأجير بحجّة أنّ الإيجار لا فائدة منه ولا يغطي تكاليف الترميم بعد انتهاء العقد، حسبما يؤكد لنا أحدهم «يغلق المالك الشّقة ولا يقبل بتأجيرها، وهذا ما أنقص عدد الشّقق المعروضة، إضافة إلى عدم تشييد مبانٍ جديدة، لأنَّ لا أحد يملك ثمن غرفة».

كلفة النقل تعزّز الطلب

يلقي علي بنّوت، أحد قدامى السماسرة في بيروت والذي قضى عقوداً في هذه المهنة، اللوم على أصحاب الملك بقوله: «إن جشع وطمع أصحاب الملك هو العامل الأكبر في هذه الفوضى العقاريّة، فهم يطلبون مبلغ 200$ مقابل غرفة أو غرفتين شهريّاً، ويطلبون أن يدفع المستأجر سلفًا عن 6 أشهر أو عام». موضحاً ما يحصل مع المستأجرين الذين تنتهي عقودهم: «يُخيَّرون بين دفع مبالغ كبيرة لا قدرة لهم على تحمّلها، أو يرمون في الشّارع، ولا ينجو إلا من له أحد في الخارج يعينه على دفع الإيجار».

يضيف أسباباً تعود إلى انعدام وجود شقق في بيروت: «هناك سببان مهمّان أيضاً، أوّلهما أنّ الذين كانوا يقطنون في مناطق خارج بيروت مثل بشامون وكيفون وغيرها، وعملهم ضمن بيروت، انتقلوا للعيش في بيروت لتوفير أجرة الطريق التي أصبحت مرتفعة جداً. والسبب الثّاني متمثّل في اللاجئين الذين يتقاضون أموالاً بالدولار من الأمم المتّحدة ما يمكّنهم من دفع الإيجار بليونة». ويطالب بنوت الحكومة أن تنظر جديّاً في الأمر: «على الدّولة أخذ تدابير تنظيميّة صارمة جدّاً، إذ لم يعد هناك رباط على طمع أصحاب الملك وجشعهم، ويجب تنظيم السوق بأسرع وقت ممكن».

شقق شاغرة وغير متاحة

تمتدّ الأزمة إلى المناطق، وإن حملت أوجهاً مختلفة الأسباب، لكن النتيجة نفسها. عدم القدرة على الحصول على شقة. ففي المدن الجنوبية وجوارها اعتمد أصحاب الملك تعرفة 100$ إيجاراً شهرياً للشّقة، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود شقّة فارغة، رغم أنَّ الشقق فعلياً فارغة.

يوضّح نجيب، أحد سكّان الجنوب، الأمر: «يأتي المغترب ويستأجر شقّة ما بمبلغ 1200$ عن سنة كاملة، تبقى الشّقة طوال السّنة فارغة، ولا ينزل فيها إلا شهراً أو شهرين ليقضيَ إجازته، هذا أوفر بكثير من قضاء شهر واحد في الفندق أيّام الإجازات، هكذا يكون قد نزع الشّقة من أيدي كثيرين قاطنين في المنطقة هم أحوج إليها منه، المشكلة نفسها مع من يتقاضى رواتب بالدّولار الأميركي، فيستأجر شقّة بمبلغ 100$ وهو مبلغ زهيد بالنسبة إليه، ليستجم وعائلته في عطلة نهاية الأسبوع فيها».

أما جشع أصحاب الشقق فهو نفسه. لا يؤجّرون إلا لمن لديهم ضمانة فعلية لدفع الإيجار، أمّا أبناء المنطقة فلا يتساوم معهم أصحاب الملك من الأساس، كما حصل مع أبي علي أحد الموظّفين أبناء مدينة النبطيّة: «لم يؤجرني بحجّة أنّني أتقاضى راتباً بالليرة اللبنانية، رغم أنني أستطيع دفع الإيجار لكنه متخوّف من ارتفاع الدّولار، فلا أستطيع أن أدفع».
صار من الجلي أنَّ صاحب الملك لا يريد أن يؤجر أصلاً، لهدف أكبر من الإيجار. فهو ينتظر موسم السّياحة، «يريدون أن يعلقوا في عقد 3 سنوات إيجار، بل يفضلون البيع للمغترب فهو لقمة سهلة، وفريسة دولار دسمة» يعلّق أحمد أحد السماسرة في النّبطيّة، «للأسف أولاد القرى المقبلون على الزّواج لا يجدون شققاً كي يسكنوها بعدما صارت كلفة البناء مرتفعة جدّاً».

مقالات ذات صلة