ماذا سيتغيّر بعد إقرار الموازنة؟
كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
تتوقع الحكومة اللبنانية أن يحقق تشريع الموازنة العامة من قبل المجلس النيابي أواخر الأسبوع المقبل، بعد تأخير لنحو 10 أشهر عن موعدها الدستوري، عدة أهداف مترابطة وحيوية تبدأ بإعادة الانتظام النسبي إلى إدارة المالية العامة، وتلبية مطالب حيوية للعاملين في مؤسسات القطاع العام من مدنيين وعسكريين، فضلاً عن الاستجابة لواحد من أهم الشروط الخمسة المطلوبة للتوصل إلى الاتفاقية النهائية مع صندوق النقد الدولي.
لكن ما تتوخاه الحكومة من إعادة وضع الملفات الاقتصادية الحيوية على مسارات التقدم تنفيذياً وتشريعياً، لا يزال، وفقاً لمصادر سياسية واقتصادية، عالقاً في شبكة الاستحقاقات الدستورية الداهمة، في مقدمها دخول البلاد في مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستمرار احتدام الاجتهادات القانونية والسياسية ذات الصلة بوضعية الحكومة عينها، مما ينذر بمراوحة طويلة الأمد تبقي الانعكاسات المتوقعة لإقرار الموازنة العامة في نطاقها التقني البحت لجهة تسيير الأمور المالية للدولة ومؤسساتها.
ويشير مسؤول اقتصادي تواصلت معه «الشرق الأوسط»، إلى أن طريق استعادة التوازن المالي طويل وشاق، وهو واقعياً مرهون بإنضاج خطة إنقاذ نهائية تحظى بتوافق المكونات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، إنما يمكن استعادة الانتظام القانوني عبر إقرار الموازنة، مع التنويه إلى أسبقية حسم تحديد سعر صرف العملة الوطنية في تقديرات إنفاق الموارد التي سيتضمنها مشروع قانون الموازنة بصيغته النهائية التي سيقرها مجلس النواب.
ويشير إلى أنه بموجب الاقتراح الذي سيجري اعتماده لسعري الليرة والدولار الجمركي، ستتبين مدى قدرة الاقتصاد المنهك بمعظم قطاعاته ومؤسساته على التفاعل مع التعديلات الجوهرية التي ستطرأ على منظومة الضرائب والرسوم الجديدة، علماً بأنه يتعذر تماماً التطابق مع سعر الدولار الواقعي الذي يتعدى حالياً عتبة 35 ألف ليرة، فيما يرجح اعتماد سعر متدرج لدولار الاستيراد (الجمركي) انطلاقاً من 12 أو14 ألف ليرة.
وإذ يؤمل أن يفتح إقرار مشروع قانون الموازنة الأبواب الموصدة أمام حزمة الشروط العالقة التي وردت بمثابة التزامات حكومية ومحددة المهل الزمنية في الاتفاق الأولي الذي تم إبرامه مع بعثة الصندوق أوائل نيسان الماضي، فإن الشكوك تبقى مرتفعة في الأوساط الاقتصادية والمالية، ربطاً بملاحظات جوهرية أوردتها المؤسسة الدولية بشأن قانون السرية المصرفية الذي رده رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، وبالعراقيل المتزايدة التي تحول دون إقرار وضع ضوابط استثنائية على التحويلات والرساميل (كابيتال كونترول)، والتمادي بتأخير إعداد الصيغة النهائية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، فضلاً عن انتظار نتائج التدقيق بميزانية البنك المركزي، بالإضافة إلى شروط أخرى تتعلق بإنتاجية القطاع العام وضبط الحدود.
وريثما تتضح مواقف الكتل النيابية من الصيغة النهائية لمشروع القانون الذي سيتم «تشريحه» في الجلسات الماراثونية لثلاثة أيام متتالية منتصف الشهر الحالي، اعتبر وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أن تحديد الجلسات من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، هو «دليل حرصٍ على إقرار سلسلة القوانين الإصلاحية، التي وحدها القادرة أن تنتشل لبنان من شفير الانهيار»، مؤكداً «أن إقرار الموازنة هو العامل المحرك للجمود الذي يكبل المالية العامة بمواردها وإنفاقها، وإقرارها سيحقق الجزء الأهم من المطالب الاجتماعية المحقة. كما يصبح ممكناً انتشال الجهاز الإداري للدولة من ركوده واستعادة عافيته».
ولم يكن عابراً في السياق، تلميح وزير المال إلى العمل لكي تكون موازنة 2023 التي يجري إعدادها، موازنة إصلاحية، بحيث تشكل مدخلاً متقدماً لمسار التعافي المالي والاقتصادي، ولتحقيق نوعٍ من الاستقرار قادر على إنعاش القطاعات الإنتاجية، وعلى جذب الاستثمارات الخارجية وإعادة الثقة بلبنان. فهذا يعني، وفقاً لمصادر معنية، ربط الإصلاحات المالية المنشودة بالخطة الإنقاذية الشاملة التي وعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بإدخال تعديلات مهمة عليها، بعد توسع دائرة الاعتراضات النيابية والسياسية والاقتصادية على بنود رئيسية في الخطة المسربة التي أقرتها الحكومة في آخر جلساتها يوم 20 أيار الماضي.
ويتوقع، في ضوء إقرار الموازنة، أن يعمد رئيس الحكومة والفريق الوزاري المعني بملف صندوق النقد إلى تسريع إعداد الصياغة النهائية لخطة التعافي، على أمل استمرار الاستجابة التشريعية لتمرير حزمة القوانين – الشروط، وضمن الوقت «المستقطع» الفاصل عن الانخراط النيابي بالاستحقاق الرئاسي، حيث يتحول المجلس إلى هيئة ناخبة في العشر الأخير من شهر تشرين الأول المقبل، الذي تنتهي بنهايته ولاية الرئيس الحالي.
وفيما تكمن المشكلة الأساسية في توزيع أحمال الفجوة المالية المقدرة بنحو 75 مليار دولار، تقر الحكومة بأن التخلف عن سداد الديون السيادية في ربيع عام 2020 جاء نتيجة سياسات مالية غير منتظمة على مدى سنوات عديدة، في حين أن الخسائر الضخمة التي تكبدها مصرف لبنان هي نتيجة قيامه بعمليات مالية هدفت إلى جذب تدفقات رأس المال للحفاظ على سعر الصرف الثابت والمبالغ في قيمته ولتمويل العجز في الموازنة.
وبرز في هذا الإطار، الإعلان رسمياً من قبل رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، عن إنجاز خطة تعافٍ متوازنة تنطلق من هدف أساسي، وهو إنماء الاقتصاد، وتستجيب الخطة لمتطلبات صندوق النقد الدولي، كما تحافظ على حقوق المودعين وتحمل المصارف المسؤولية مع عدم دفع القطاع نحو الإفلاس.
كما ترى جمعية المصارف بلسان أمينها العام فادي خلف، أن «تحميل القطاع المصرفي خسائر لا يتحمل مسؤوليتها، فيه ظلم للمودعين وللمصارف في آن معاً»، لا سيما بعد تأكيدات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن الدولة سحبت نحو 62.67 مليار دولار من أموال المودعين لتغطية نفقات ومصاريف ودعم سعر الليرة. وبالتالي، فإن تحميل القطاع أكثر من طاقته، يعني إفلاسه بكامله وعندها لا تعود تنفع إعادة الهيكلة.
كما أكد أن عبارة «شطب الودائع عبارة يجب أن تمحى من القاموس اللبناني وتستبدل بعبارة استعادة الودائع ولو بعد حين».