اخبار بارزة

صدّق أو لا تصدق لدينا في لبنان هيئة لإدارة الكوارث

لا شكّ أنّكم أيقنتم بعد تفجيرمرفأ بيروت وما خلّفه من ضحايا وإضرار، أنّنا بأمس الحاجة في لبنان إلى هيئة لإدارة الكوارث، تطلق صفّارات الإنذار في بيروت لحظة وقع الإنفجار، وتُنزل فرقها إلى حيث المناطق المنكوبة، تنكبّ على إغاثة المواطنين وإيصالهم إلى المستشفيات بقصد تقليل حجم الخسائر قدر المستطاع، تجنّد كلّ طاقاتها لإغاثة المنكوبين على كلّ المستويات، على أن تكون الأولوية لإنقاذ الأرواح، ثمّ تأتي مرحلة رفع الأضرار عن الممتلكات والمنازل. 
كل هذا لم يحصل بعيد تفجير المرفأ، الناس التي قُدّر لها أن تنجو من الكارثة، وجدت نفسها مضرّجة بدمائها غير قادرة على الوصول إلى المستشفيات، ومن بقي على قيد الحياة تحت الأنقاض أُزهقت روحه قبل أن تصل إليه فرق رفع الأنقاض. ثلاثة أسابيع مرّت على زلزال المرفأ، والناس المشرّدة والمنكوبة تحاول رفع الزجاج المحطّم والردم بمساعدة متطوعين، وسط غياب فاقع للجهات الرسمية وعلى كلّ المستويات.
لكن المفاجأة المدوّية أنّ في لبنان هيئة لإدارة الكوارث، نعم لدينا هيئة تدعى “وحدة إدارة الكوارث” مؤلّفة من رئيس وأعضاء كثر، لديها مقر ورقم هاتف كما أنّها تعقد اجتماعات. والمضحك المبكي أنّ الهيئة تلك وعلى موقعها الإلكتروني تستقبلك بعبارة “نعمل على تعزيز قدرة لبنان على مواجهة الكوارث على أنواعها”، إلى جانب صورة كُتب تحتها “رئيس مجلس الوزراء حسان دياب يزور غرفة إدارة الكوارث والأزمات”.
وحدة إدارة الكوارث ربما لم يصلها بعد خبر انفجار مرفأ بيروت، بدليل أنّ موقعها الإلكتروني خالٍ من أيّ مؤشّر للإنفجار، في حين أنّ الصفحة الرئيسية للموقع المذكور مليئة بكل أخبار وصور ومتابعات وباء كورونا لحظة بلحظة، الى جانب عبارة بالخط العريض “خلينا ملتزمين حتى ينذكر وما ينعاد” في إشارة الى وجوب الإلتزام بإجراءات الحدّ من الوباء.
فور تصفّح كل تلك الصور قد يخيل للقارىء أنّ الموقع يعود لهيئة في بلد آخر، أو أنّ الصفحة لم تُحدّث منذ ما قبل انفجار ٤ آب، لأنّ أركان الهيئة ولا بدّ إنشغلوا برفع الركام وإغاثة المنكوبين والمشرّدين، فلم يجدوا متّسعًا من الوقت كي ينشروا صور الدمار وعمليات الإغاثة، ليقطع التقرير اليومي الذي ينشر على صفحتها الشكّ باليقين، أيّ التقرير اليومي حول ال covid-19 والذي يظهر نشاطها البارع  في متابعة الوباء.
في المعلومات أنّ التجاذب القديم المتجدّد حول الجهة التي تضع يدها على الهيئة نشط مؤخرًا، الى جانب هيئات أخرى كالهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار، هذا العنوان وفق مصادر مطلعة شكّل محور تجاذب بين كل من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على مدى سنوات. تضيف المصادر” وفق طريقة إدارتهم، وضعوا يدهم على معظم المفاصل والإدارات ويواصلون مسعاهم ليشمل ذلك الإدارات والمؤسسات كافة، ساهم في ذلك وصول الدكتور حسان دياب إلى السراي الحكومي، بحيث وبحسب المصادر لم يعارض أن تتبع الهيئة للرئاسة الأولى بدل الثالثة، وهو مطلب مزمن”.
الأغرب من كل ذلك أن دياب وهو الرئيس التنفيذي الذي يصرّف أعمال إلى جانب وزرائه، لم يكّلف نفسه زيارة غرفة عمليات وحدة إدارة الكوارث بعيد انفجار المرفأ، ولو فعل لكانت صورته تصدّرت الموقع، تماما كما لم يكلّف الوزراء المعنيين القيام بأدوارهم في أعمال الإغاثة، فملأ فراغهم القاتل وربما المجرم متطوعون من جمعيات أهلية ومنظمات دولية، إلى جانب الجهود العظيمة لعناصر الدفاع المدني برفع الأنقاض وإغاثة المنكوبين بقدر ما تسمح إمكاناتهم.
مفاجأة أخرى فجّرها النائب السابق محمد قباني الذي قدّم منذ العام 2012 اقتراح قانون لإنشاء هيئة إدارة الكوارث، بصلاحيات كاملة واستقلالية مالية كي تكون هيئة فعّالة قادرة على إغاثة المنكوبين وافعلًا لا قولًا خلافًا لحال الهيئة الموجودة حاليًا “تتولى العمل على مواجهة جميع أنواع الكوارث الطبيعية وتلك الناتجة من النشاط البشري وتداعياتها بمراحلها كافة: مرحلة الدراسة والتخطيط والتجهيز والاستعداد لمنع حصول الكارثة والحد من مخاطرها.مرحلة الاستجابة للكارثة و ادارته، ومرحلة النهوض المبكر وإعادة التأهيل”.
الإقتراح صال وجال في اللجان سنوات طويلة، خلاله كانت الكوارت تنهك الجسد اللبناني، إلى أن استقرّ الإقتراح في اللجان النيابية المشتركة ودُفن هناك. بحيث اندلع سجال طائفي على خلفية المادة الرابعة منه التي تنصّ على أنّ “الهيئة ترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة”. إذ طالب البعض أن ترتبط الهيئة برئاسة الجمهورية، واعترضوا على ارتباطها بالرئاسة الثالثة، إلى أن أطاح السجال المقيت بالإقتراح كلّه، وخرج قباني من الندوة البرلمانية دون أن يتمكّن من إقرار اقتراحه، على رغم قتاله المستمر على جبهة قانونه.
بعد 4 آب أضحى لزامأً القول:
احترامًا لمآسي المنكوبين وعذاباتهم، رأفةً بآلاف الجرحى والمشرّدين، أوقفوا الرقص على جثث الضحايا، حلّوا “وحدة إدارة الكوارث” الصامتة الصادمة تلك، ارسلوا رئيسها وأعضاءها إلى المحاكمة بتهمة التقصير أو إلى منازلهم إن لم تكن لديهم الصلاحيات والأدوات اللازمة للإستجابة للكوارث، وشكّلوا هيئة حقيقية لإدارة الكوارث إسوة بدول العالم، أو أصمتوا أيها المتخاذلون.

مقالات ذات صلة