“البريفيه” تحت المجهر
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
تنطلق صبيحة اليوم إمتحانات الشهادة الثانوية. واليوم، سينام حتى الظهر طلاب الشهادة المتوسطة – لليوم الثاني على التوالي- بعد انتهائهم من امتحانات خرج منها 99,999 في المئة من الطلاب رافعين علامات النصر. أفلا تستحق تلك الإمتحانات بعض التقييم؟
القاضي – الوزير عباس الحلبي الذي تسلّم حقيبة التربية في لبنان، من قاض وزير لم يصب في كثير كثير من المسائل التي كانت في صلب مسؤوليته فكان، والحق يُقال، وزير أقوال لا أفعال. أما الحلبي فقد أنهى المرحلة الأولى من “هذا الإستحقاق المفصلي للتعليم” بفخر. فهل يستحق علامة جيدة؟ فلنكن إيجابيين ونعطِه نقطة. لكن، ماذا عن النقاط السلبية التي توقف عندها الأساتذة والمراقبون أنفسهم؟ وماذا عن مَن “طلع على ألسنتهم الشعر” وهم يرددون: ألم يحن أوان إلغاء شهادة البروفيه الرسمية أسوة بكل العالم الحضاري؟
أفضل ما شهدته إمتحانات الشهادة المتوسطة هو مسابقة اللغة الفرنسية التي أدرجت سيرة حياة البروفسور روي نسناس في امتحاناتها تخليداً لاسم طبيب رائد في الطب والإنسانية. وما عدا ذلك بدت علامات الإستفهام كثيرة. مراقبون كثيرون أدرجت أسماؤهم وهم أصبحوا خارج الخدمة. ريشار يونان نصار واحد من هؤلاء. زميلته رانيا عبود حاكمة مثله أيضاً. واللائحة تطول وتطول. زملاء الأساتذة المتقاعدين ابتسموا كثيرا لهذا الخطأ المتكرر وبدأوا يسردون أسماء وأسماء وردت أيضا خطأ. إنه المضحك المبكي.
ماذا عن مضمون الإمتحانات؟
حين قرأ وسام، السؤال الوارد في متن مسابقة التربية المدنية للشهادة المتوسطة، ومضمونه: أجب بعلامة صحّ أو خطأ عن العبارة الآتية: “دولة القانون هي الدولة التي يسود فيها مبدأ الحقّ”، فكّر كثيراً. حكّ رأسه كثيراً. ثم طلب النجدة من مراقب يتكئ على طاولة مجاورة. سأله: أستاذ هل لبنان هو دولة قانون؟ أجابه الأستاذ: أكيد يا إبني. عاد وسام وسأله: هل يسود في لبنان مبدأ الحقّ. تريث الأستاذ قليلا ثم هزّ رأسه موافقاً. عاد وسام وسأله: هل تتقاضى أستاذ ما يكفيك لآخر الشهر؟ ومن دون أن ينتظر جواباً تابع سائلاً: هل وجدت هذا الصباح رغيف خبز ودواء ومياهاً؟ أجابه الأستاذ: من الآخر، شو بدّك يا إبني؟ أجابه وسام: أستاذ، لا أعتقد أن لبنان دولة حقّ وقانون فوالدتي لم تأخذ دواء السرطان من أربعة أشهر.
إنتهى الحوار. أدمعت عينا الأستاذ، وتجاوز وسام السؤال الى سؤال آخر…
وحصلت إمتحانات الشهادة المتوسطة. فهل قرأ رئيس المركز التربوي للبحوث سابقا البروفسور نمر فريحة في تفاصيلها؟ هو يحمل شهادة الدكتوراه بالمناهج وطرائق التدريس، وهو بين الشكل الذي حصلت به الإمتحانات أو إلغائها لكان اختار القرار الثاني حتماً. “فالصالح، على حد قوله، سيذهب بها بعزا الطالح” ويشرح “طريقة إجراء امتحانات البروفيه إهانة لكل كفاءة وذلك تحت رعاية الوزير”.
إمتحانات الوزير
فلنبدأ من الأوّل، من انطباع فريحة عن الإمتحانات بشقها الأول ويقول: “انطباعي ان الإمتحانات كانت في الأعوام الأخيرة واليوم “امتحانات الوزير” لا الطلاب، فكل وزير أتى خاف أن “يحمل نفسه” وزر إصدار إفادات وقرر ان يجري إمتحانات بالتي هي أحسن لكنها أتت في كل مرة أسوأ. هذه المرة “طيّروا” نصف المواد في الامتحان وبدت الأسئلة وكأنها خداع للطلاب والأهالي، خصوصاً أن مستوانا التعليمي يتراجع سنة بعد سنة. جاءت الإمتحانات كتعبئة وقت. التربية بحاجة الى سياسة واضحة غائبة حالياً وكل من يتسلمون زمامها يضعون رؤوسهم في الرمال. ما يحصل في التربية في آخر ثلاثة أعوام “مسخرة تربوية”.
البروفسور فريحة يستثني حاليا من تقييمه رئيسة المركز التربوي والبحوث الجديدة الدكتورة هيام إسحاق ريثما يرى نتائج ما قد تفعل ويقول “كل من سبقها في الآونة الأخيرة قدّم مصالحه الفردية والإنتماء السياسي على المصلحة التربوية. وكل ما حدث هو إهانة لكل كفاءة تحت رعاية الوزير الذي يغض النظر تاركاً “الأمر” الى مستشارين لا يحملون دكتوراه وأميين على صعيد المناهج. متظاهراً انه هو من يُشرف على كل شيء اما في الحقيقة فلا. وهو يسمي بالإسم جورج نهرا الذي كلف رئاسة المركز التربوي والبحوث واستخدم مع مساعديه الخداع” ويضيف “حين يُكلف فاقد الإمكانيات موضوع المناهج والتربية حرير بدنا نلبس”.
من يدفع ثمن الأخطاء التربوية منذ أعوام هم الطلاب أنفسهم الذين سيصلون الى الجامعة ضعفاء وعاجزين عن المنافسة في سوق العمل العالمية. إنها مسرحية “مسخرة تربوية” لديها مخرجون وممثلون. ويقول فريحة: “وزير التربية إذا لم يكن من الحقل التربوي وقادراً على تحديد الخطأ من الصواب فلن ينجح. ثمة مسائل تقنية في التربية لا يفهمها من يسقط على الوزارة بالباراشوت. فالتلميذ هو في آخر سلم إهتمامات الوزير. وهذا، في ذاته، تزوير. التزوير هو في إعطاء طالب بروفيه مسابقة بمستوى طالب سيرتفيكا. بينما الوزير “ينفش ريشه” ويقول: أجريت الإمتحانات”.
منذ ثمانينات القرن الماضي، يوم عاد نمر فريحة من الولايات المتحدة الأميركية الى لبنان، حاول تطبيق الطريقة الأميركية في المناهج. وهو قدم في العام 2001 إقتراح إلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة، على ان تستبدل بامتحان تجريبي، لا ينجح فيه الطالب ولا يرسب بل يختبر بموجبها كفاءته، لكن ما حدث حينها ان الأهل راحوا يشترون الأسئلة معتمدين قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” فسحب فريحة مشروعه. ويقول: “طالما الأسئلة اختيرت لتكون بسيطة جدا فلماذا الإمتحان؟ هذا غش وخداع ومراوغة لينفش كل وزير ريشه”.
بيننا وبين الصين وسينغافورة اليوم مئة درجة تربوية. وهذا مؤسف جدا. وغدا، سيتباهى الأهالي على “السوشيل ميديا” بنجاح أطفالهم وبحملهم شهادات لا تصلح لشيء.
ماذا بعد؟
أخطاء وبهورات
مديرة إحدى الثانويات في جبل لبنان راقبت بدورها مسار الإستحقاق الأول من الإمتحانات الرسمية وراحت تسجل، مع زملاء لها، النقاط السلبية. وتقول “الخطأ الأول هو ان المراقبين عينوا من “أولاد المنطقة” التي راقبوا فيها الإستحقاق. وهذا مخالف تربوياً حتى لو كانت الذريعة أنه إجراء فرضه ارتفاع كلفة المواصلات والتنقل. التعليمات كانت واضحة منذ البداية “رخّوها”. نعم، كانت هناك كلمة سر بين جميع المراقبين بعدم التشدد كثيراً. كما ان تعيين مراقبين متعاقدين خلق بلبلة. فإذا أخطأ هؤلاء من يحاسبهم؟ وتتحدث المديرة عن “بهورات” سبقت الإمتحانات واحدة منها اقترفها رئيس المنطقة التربوية في الشمال نقولا الخوري الذي سحب الميكروفون من يد معلمة قالت للوزير الحلبي، أثناء جولته في حلبا عكار الأسبوع الماضي: إن الوضع ليس مقبولاً والفساد التربوي مستشرٍ. كما هناك ملامة كبيرة على مقررة اللغة العربية غادة زعتري، وهي تنتمي الى تيار المستقبل، كون النص العربي الذي خضع له طلاب البروفيه في امتحانات اللغة العربية يحكي عن بؤس وفقر وطفل يقتات من برميل النفايات بدل ان يكون نصاً ادبياً. هو نصٌ حاول من خلاله القيمون شحذ المساعدات من الجهات المانحة لا ترسيخ الكرامة والعنفوان لدى الطلاب. أمر آخر “طيّر عقول” مدراء المدارس والثانويات هو اجبارهم على صيانة الكاميرات لديهم في حين غابت الكهرباء عن مدارس وثانويات كثيرة. ولعل الإصرار على ذلك مرده ان شركات صيانة الكاميرات كلها تنفيعات ومحسوبيات.
غيفارا زعيتر
غيفارا آدم نوح زعيتر صبّ زيت الإمتحانات على النار أيضا. ظهر ذاك الولد الصغير ليقول شيئا لم يفهمه كثيرون بسبب “تضارب” البيانات الرسمية. فالجيش سحبه من قاعدة الإمتحانات في بعلبك لأنه، على ما قيل، يحمل هاتفه الخليوي ويرافقه مسلحون أما المكتب الإعلامي في وزارة التربية فأوضح ان زعيتر حاول الغش عبر سؤال احد المرشحين فمنعه المراقبون ووضعوه في غرفة منفردة… ثم حاول الخروج وعاد فمنع… الصبي بدوره اتهم مديرة اسمها منتهى رعد بأنها تسببت، بطريقة ما، بمنعه من متابعة الإمتحان. وانتهى الأمر هنا. هكذا تنتهي المسائل في لبناننا على لا شيء.
نقرأ في مسابقة التاريخ لشهادة البروفيه: أعلن الجنرال غورو سنة 1920 من قصر الصنوبر قيام دولة لبنان الكبير. أقرّ مؤتمر سان ريمو المنعقد في إيطاليا سنة 1920 تطبيق الإنتداب على لبنان وسوريا. أقرّ الدستور اللبناني سنة 1926… كل تلك التواريخ و”الإعلانات” سُئل عنها طلاب يسمعون صبحاً ومساء عن تغيير نظام لبنان في ألفية جديدة عائمة على تطورات. إنها المناهج التربوية البالية.
نعود لنسأل: ماذا بعد؟
اليوم، تبدأ إمتحانات الشهادة الثانوية وشارك فيها أكثر من 700 ألف طالب وبينهم الشاب شادي كالودسيان، وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة. أعطته وزارة التربية ربع ساعة إضافية كي ينهي مسابقته. شادي مميز في مدرسته، من هم في وضعه، يعفون في بلاد الناس أما هنا فلا. أهله طلبوا النظر بحالته. تُرى هل ستنتبه وزارة التربية الى شادي وأمثال شادي؟