صقيعُ آذار في لبنان كان قاسياً.. ما الذي كشفه الخبراء عنه؟
كتبت نداء الوطن:
“حتى الأمس القريب، خلنا أن أمثالاً شعبية مثل “بآذار سبع ثلجات كبار ما عدا الصغار” و”برد آذار بقص المسمار” باتت من خارج الزمان والمكان. لكن، مهلاً… فـ2022 قلبت الأمور رأساً على عقب. إذ ها هي بدايات فصل الربيع اللبناني تشهد طقساً متطرفاً ببرودته يصفه البعض بالاستثنائي في وقت يراه البعض الآخر أكثر من طبيعي لا سيما أننا سبق وشهدنا حالات مماثلة في سنوات سابقة. لكن إذا صح القول، الاستثنائي هذا العام هو حالة الهرج والمرج التي يتصدّرها “محللون” ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في توقّع وتفسير أسباب وتداعيات طقس آذار هذه السنة.
ثمة من ينسب قساوة أحوال آذار الجوية إلى “مستقرضات الروم”، ومنهم من يُسهب في شرح كيف أن لصواريخ الحرب الروسية – الأوكرانية تأثيرها المباشر على ذلك. ثم هناك من يذهب أبعد ليخبرنا أننا دخلنا حقبة “عصر جليدي ما” سيستمر لسنوات عدة، وهو ما لا يتناسب مبدئياً مع تقارير عالمية متتالية تحذّر من استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض. فقد ذكر تحليل لـ”وكالة كوبرنيكوس للتغيّر المناخي” التابعة للاتحاد الأوروبي، مؤخراً، أن سنة 2021 كانت خامس أكثر السنوات ارتفاعاً في درجات الحرارة، بمتوسط 0.3 درجة مئوية أعلى من الفترة بين 1991-2020.
فلنَعُد إلى لبنان على أي حال. ماذا يقول أصحاب الاختصاص عن مدى دقة التوقعات المُسبقة وما هي الوسائل المتاحة للحد من ظاهرة الـ “show-off” التي تغزو توقعات الطقس؟ ثم هل ما نشهده هو فعلاً حالة مناخية استثنائية أم طبيعية وما آثار ذلك السلبية والايجابية على كل من المواسم الزراعية والثروة المائية؟
الطقس طبيعي… فوضى التوقعات استثنائية
يؤكد مدير عام مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، الدكتور ميشال افرام، في حديث لـ”نداء الوطن”، أنّ كل توقّع مسبق للطقس يتخطى مداه الثلاثة أيام إنما هو توقّع غير دقيق وعار من الصحة، أياً كانت الجهة المطلِقة له أو المصدر. وأضاف أن “نسبة صحة التوقّع لأيام ثلاثة تبلغ 90% في حين أنها تتدنى إلى أقل من 30% إذا تم تخطي عدد الأيام المذكورة”. مرجعيتان رسميتان أساسيتان لا ثالث لهما لتوقّع الأحوال الجوية في لبنان: مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي، وهي المرجع لمعرفة حالة الطقس العامة، ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التي تمدّ المواطنين بالإرشادات لا سيما الزراعية منها. ماذا إذاً عن المصادر الأخرى؟
وجود عدد كبير من مطلقي التوقعات من غير المختصين غالباً ما يثير موجة من الخوف والرعب لدى المواطنين من خلال بث أخبار مبنيّة على معطيات خاطئة – أو غير دقيقة، على أقل تقدير – لا تمتّ إلى العلم بصلة. طبعاً، وسائل التواصل الاجتماعي متاحة بسهولة وحرية التعبير عن الرأي حق للجميع، “لكن حين تتحوّل الحرية تلك إلى فوضى لا مصداقية فيها، هدفها إثارة البلبلة والتوتر في وقت يكفي الشعب اللبناني ما يعانيه، يمسي الكلام هنا إشكالية أخلاقية. فهل من المنطقي أن يتحدث البعض مثلاً عن عصر جليدي قادم؟”، يتساءل افرام. وقد حمّل الدولة المسؤولية الكبرى في هذا السياق، إذ ناشد كلاً من وزارتي الداخلية والبلديات والإعلام القيام بدورهما الرقابي المطلوب تجاه من ينشرون توقّعات مضللة.
ورأى افرام أن الطقس الذي يشهده لبنان حالياً طبيعي كون “طقسنا متوسطياً ويمكن أن يشهد سنوات جافة كما أخرى رطبة، إنما يمكن تصنيف شتاء هذا العام بالاستثنائي من ناحية البرودة فقط لا من ناحية كمية المتساقطات”. والحال أن اللبناني اعتاد على الشتاء الدافئ في الآونة الأخيرة حيث لم نشهد شتاء قاسياً بهذا المقدار، ما زاد الشعور بـ”جنون” طقس هذه السنة.
غزارة المتساقطات… نعمة أم نقمة؟
بدوره، قال الباحث والمحاضر في علوم المياه، البروفسور ناجي كعدي إنّ الطقس الذي يشهده لبنان السنة الحالية هو طبيعي بالمطلق، إذ بحكم مناخ لبنان المتوسطي، ولا نظام مناخياً ثابتاً فيه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شهد شهر آذار في 1992 و2007 تساقطاً مماثلاً للثلوج، ما تكرّر أيضاً في شهر نيسان 2018. أما في العام 2003، فقد غرق سهل البقاع بمياه المتساقطات بينما كان شتاء 2013-2014 جافاً بامتياز. ماذا عن التباين في كميات الثلوج المتساقطة بين المناطق اللبنانية؟ السبب، من وجهة نظر كعدي، يعود إلى اتجاه الكتل الهوائية وتمركزها. فإن كانت شمالية، يتأثر بها الشمال ومنطقة القاع مثلاً، أما إذا كانت جنوبية غربية فيتأثر بها الجنوب والبقاع. مع الإشارة إلى أن سلسلة جبال لبنان الغربية تُعتبر أكثر رطوبة من باقي المناطق، حيث يشهد البقاع عادة كميات أكبر من الثلوج مقارنة مع مناطق بنفس الارتفاع، كبحمدون مثلاً.