“الجامعة اللبنانيّة”.. الوضع لم يعد يحتمل!
كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”:
«تقزيم» الموازنة فجَّر أزمة الجامعة اللبنانية وجعل الضغط الخيار الأوحد لأهلها للحفاظ على استمراريتها ومنعها من الإقفال. لكنّ ثمة مقاربات مختلفة لآلية الضغط نفسها ووجهته، وما إذا كان «التوقف القسري» هو السبيل الأنجع لحماية الجامعة، وخصوصاً أن الطلاب هم الحلقة الأضعف في هذه الدائرة. رئيس الجامعة، بسام بدران، يدعو إلى تصويب البوصلة، بحيث لا يكون الطلاب كبش فداء وأن تكون حقوقهم في رأس سُلّم الأولويات.
الوضع الحالي يحتاج إلى تدخل فوري من السلطة السياسية وعقد جلسة حكومية خاصة بالجامعة اللبنانية. الإشكال الأساسي هو الموازنة وهي التي تسمح لنا بالاستمرار من عدمه. رغم كل الظروف التي حلّت بالاقتصاد الوطني، انخفضت مساهمة الدولة في الجامعة بين عامَي 2018 و2022 من 386.50 مليار ليرة إلى 364.7 ملياراً، علماً أن 86.4% من المساهمة هي مخصّصات الرواتب والأجور، ولم تتم زيادتها مع ما يتناسب مع المساعدة الاجتماعية المنصوص عليها في المرسومين 8737 و8742 وفي المادة 138 من الموازنة العامة. أما النفقات التشغيلية فلا تتعدى 17.6% ولم تُرفع بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار وسعر صرف الدولار الأميركي والارتفاع الاستثنائي الأخير للمحروقات وانخفاض التغذية بالتيار الكهربائي. بند المحروقات والزيوت مثلاً بقي على حاله في موازنة الجامعة بين عامَي 2021 و2022، بينما جرت زيادته في الموازنة العامة للدولة 23 ضعفاً للإدارات العامة، وكذلك بالنسبة إلى المطبوعات والقرطاسية التي رُفعت في موازنة الدولة 10 أضعاف، لكنها بقيت على حالها في موازنة الجامعة. الأمر نفسه في ما يخص صيانة الأبنية التي ارتفعت 15 ضعفاً في الموازنة العامة.
جزء من المشكلة الكبيرة التي نواجهها ونحاول أن نعالجها له علاقة بالمبالغ المخصّصة للمباني المستأجرة والتي يهدّد أصحابها بطردنا منها، ما لم ندفع الإيجار مضروباً بـ10 أضعاف، مع كل ما يترتب على ذلك من تأمين البدائل. الوضع لم يعد يحتمل وحماية الجامعة أمر حتمي، وهذا ما طلبته في جولة خاصة على وزير التربية عباس الحلبي، والرؤساء الثلاثة الذين أودعتهم ملفاتها الحيوية والاستراتيجية من توفير موازنة لائقة، وتشكيل مجلس الجامعة واستعادة صلاحياته، تفريغ الأساتذة ودخولهم الملاك وإصدار عقود المدربين.
ما هي خلفية عدم زيادة موازنة الجامعة هذا العام؟
لا نعرف الأسباب الحقيقية لذلك. لدينا اجتماع في لجنة المال والموازنة وننتظر الجواب من المسؤولين.
ما هو موقف رئيس الجامعة من خطوة التوقف القسري؟
الأولوية في التحركات يجب أن تكون عدم إلحاق الأذية بالطلاب الذين اختاروا الجامعة ووثقوا فيها، ومساعدتهم في استكمال تعليمهم، وإنجاز امتحاناتهم، وإنهاء عامهم الدراسي.لا جامعة ولا أستاذ ولا موظف من دون الطلاب. هؤلاء هم الحلقة الأضعف ويجب حماية حقوقهم. لا يمكن أن نقول لهم في كل مرة سندرّسكم يوماً وسنضرب 10 أيام. يجب أن نطمئنهم إلى أنهم سيترفّعون إلى سنوات أعلى وسيتخرّجون، وخصوصاً أنه حدث تأخير في الأساس في الانطلاقة السليمة للعام الدراسي، وأننا مقبلون على استحقاقات يمكن أن تُعيق العملية التعليمية مثل الانتخابات النيابية وشهر رمضان وغيرهما. التوقف القسري يتزامن مع امتحانات تجري في معظم الكليات ومنها كليات الطب والسياحة وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والآداب والزراعة والتكنولوجيا. وهناك طلاب يستعدون للتخرّج والسفر ولا يجب أن نؤخرهم. نحارب الوقت وعلى الأساتذة أن يعثروا على الآلية المناسبة للضغط على الدولة وليس على الطالب الذي لا ذنب له. فلا الدولة قدمت له شيئاً ولا الجامعة.
هل صحيح أن بعض الطلاب لم يستطيعوا الحضور إلى كلياتهم لإجراء الامتحانات؟ وفي أي كليات أو مناطق؟
ليس لديّ معطيات عن طلاب عزفوا عن المشاركة في الامتحانات لأنهم غير قادرين مادياً على الوصول إلى كلياتهم. ما أعرفه أن هناك الكثير من الطلاب المتعثرين. لكن هؤلاء «يضحّون» مالياً من أجل الحضور. وبحسب ما نقل إليّ أحد أساتذة كلية الحقوق – الفرع الخامس في صيدا، هناك طلاب يأتون من بنت جبيل إلى صيدا، ويدفعون 180 ألف ليرة يومياً، وهذا مبلغ مرتفع بالنسبة إلى طالب. ثمة حاجة إلى تدخل سريع من الحكومة لمعالجة أزمة النقل والانتقال من منطقة إلى أخرى ليس فقط بالنسبة إلى الطلاب، إنما أيضاً بالنسبة إلى الأساتذة والموظفين والمدربين.
هل الجامعة قادرة على استقبال الطلاب حضورياً؟
لدينا قدرة نسبية على اعتماد التعليم الحضوري، ولا سيما بالنسبة إلى الأعمال التطبيقية في المختبرات التي لا يمكن أن تكون عن بعد، وأيضاً في ما يتعلق بالسنوات التعليمية المتقدمة أي الثالثة أو الماستر حيث يمكن اعتماد التعليم المدمج (حضوري – أونلاين)، لكن هناك شبه استحالة لتطبيق التعليم الحضوري في السنوات التعليمية الأولى والثانية في الكليات الكبيرة والمفتوحة مثلاً، لكون القاعات تكون كبيرة وتضم أعداداً كبيرة من الطلاب، وتحتاج إلى كهرباء، ابتداء من الصباح وحتى ساعات متأخرة من بعد الظهر لإنهاء المحاضرات. ليس لدى الجامعة إمكانية مالية لتغطية التعليم في هذه الحالة. وبحسابات بسيطة، خصّصت الموازنة 2.9 مليار ليرة للمحروقات أي ما يوازي 100 ألف دولار وفق سعر الصرف في السوق الموازية، وهو مبلغ يمكننا من شراء 80 ألف طن من المازوت، وهذه الكمية لا تكفي شهراً واحداً لـ 70 كلية وفرعاً في الجامعة. وإذا عدنا إلى التعليم الحضوري لن تكفينا موازنة الجامعة شهرين. الطموح اليوم تأمين بالتدريس وإجراء الامتحانات والأعمال المخبرية بأقل الخسائر الممكنة والحفاظ على الحد الأدنى من المستوى التعليمي واستمرارية الجامعة.
هل نجحت تجربة التعليم في بعض الكليات وهل كانت كافية وحدها وفي أي الكليات؟
الطالب يعشق العودة إلى الصفوف والكليات والمجمّعات، وهذا ما لاحظناه من خلال تهافت الطلاب، في كل مرة نعلن فيها اعتماد التدريس حضورياً. وهذا دليل على أن التدريس عن بعد ليس آلية سليمة وفي كل الكليات والاختصاصات بما فيها الإنسانية والاجتماعية. تجربة التعليم عن بعد تصلح لحل مشكلة التعليم في أوقات الأزمات ليس إلا. أو أنها تناسب بصوره خاصة ثلاث فئات، الأشخاص الموجودين في السجون الذين يريدون تحصيل علوم تساعدهم عند عودتهم إلى الحرية، ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من غياب التسهيلات التعليمية في الحرم الجامعي، والطلاب الذين حازوا الشهادة الأولى ويعملون ويريدون تحسين قدراتهم أو تحصيل كفاءات معينة. ويكون هؤلاء في العادة أشخاصاً ناضجين ويعرفون ما يريدون. ولا يتماشى هذا الشكل من التعليم مع طلاب لا يزالون في سنواتهم الجامعية الأولى. لدينا كليات لم تستطع اعتماد التعليم عن بعد نهائياً مثل الفنون أو الطب أو طب الأسنان. وحتى التعليم في الآداب والعلوم الاجتماعية لم يكن مريحاً. وهذا الواقع ليس محصوراً في لبنان والبرهان أن هناك عدداً كبيراً من إدارات الجامعات في أوروبا أرفقت التعليم عن بعد بدعم نفسي للطلاب بواسطة أطباء نفسيين، وأقرّت بأن التعليم عن بعد ليس الوسيلة الأمثل والأنجع.
هل في حوزتكم الأرقام النهائية لأعداد الطلاب المسجّلين هذا العام؟
حتى بداية شباط، بلغ العدد 72 ألف طالب، وهذا ليس رقماً نهائياً لأن شركة «ليبان بوست» التي تتولى أعمال التسجيل لم تحوّل إلينا كل الجداول حتى الآن. وبالتجربة، هناك قسم كبير من الطلاب يتسجّلون في اللحظة الأخيرة ولا سيما في الكليات المفتوحة. بتقديري سيكون العدد موازياً للسنة الماضية (86 ألف طالب).
بعض طلاب كلية طب الأسنان لم يتسجلوا بعد بانتظار حل الأزمة المتعلقة بالنتائج، ماذا حل بهذا الملف؟
حوّلت الملف كاملاً إلى دائرة الشؤون القانونية في الجامعة، وأنتظر جوابها لأبني رأيي القانوني والإداري، ولن أتساهل في تطبيق القوانين في هذا الخصوص.
هل لدى الجامعة أرقام دقيقة بشأن أعداد الأساتذة الذين غادروا الجامعة بصورة نهائية؟
هناك نسبة من الأساتذة المتفرغين وفي الملاك والمتعاقدين الذين سافروا على غرار كل الجامعات ولا نستطيع أن نحدد الرقم إلا عند الاعتماد الكلي للتعليم الحضوري، إذ يمكن للأساتذة أن يدرسوا عن بعد من أي بلد في العالم، ويأتوا إلى لبنان في فترة إجراء الأعمال التطبيقية في المختبرات.
تحدثتم عن الملفات الحيوية والاستراتيجية التي تؤمّن استمرارية الجامعة، أين أصبح إقرار هذه الملفات؟
ثمة توجه لإعطاء أولوية لملف تعيين عمداء جدد للكليات. لكنّ الدخان الأبيض لم يصدر بعد وينطوي الملف على أكثر من خلاف وعقدة تحتاج إلى تفكيك. الملف ليس ناجزاً، وليس منطقياً ربطه بالملفات الأخرى ومحاولات إقرارها في سلة واحدة وفي جلسة واحدة لمجلس الوزراء. فإقرار ملف دخول المتعاقدين بالتفرغ في ملاك الجامعة هو إجراء ضمن التدرج الطبيعي للأستاذ بعد سنتين من دخوله التفرغ، وهو لا يكلف الدولة أية أعباء، وإقرار عقود المدربين يسمح للجامعة بدفع مستحقاتهم شهرياً ولا يرتب أيضاً أي تكاليف أو تعويضات. وكلفة تفريغ 1520 أستاذاً متعاقداً لا تتجاوز 90 مليار ليرة على مدى 3 سنوات، وهو مبلغ لا يقاس بحجم الإنتاجية في الجامعة التي سيوفرها هذا التدبير.
في الواقع، ليس لديّ أي معطى عن مصير هذه الملفات الأربعة. الجامعة ليست من يقرر في هذا الموضوع.
الأزمة انعكست سلباً على مستوى صيانة المجمّعات والكليات، كيف تتدبر الجامعة أمرها؟
الصيانة غير مؤمّنة داخل المجمعات وخارجها. الكلفة مرتفعة جداً ولا نستطيع تغطيتها بأي شكل من الأشكال، ولا نستطيع إجراء أي مناقصات فلا أحد يوافق على القبض بالليرة اللبنانية، وهذا الأمر سيهدّد المجمعات التي كُلفت مئات ملايين الدولارات. ما حصل هذا العام هو ترحيل موازنة الصيانة التي كانت تُقتطع عادة من موازنة وزارة التربية وهي بحدود 22 مليار ليرة إلى موازنة عام 2023.
هناك كلام عن نقص في أعداد الموظفين الإداريين، ما يُعيق تسيير معاملات الطلاب والأساتذة؟
أستطيع أن أقول إن لدينا نقصاً فادحاً في أعداد موظفي الفئة الثالثة. ليس لدينا أمناء سر ومحاسبون بعد خروج الكثيرين إلى التقاعد وتوقيف مباريات مجلس الخدمة المدنية لتعيين بديلين، ولا يمكن في بعض المواقع الاستعانة بمدربين لديهم عقود مصالحة في مهامّ إدارية معينة. حتى إن الجامعة خسرت نسبة كبيرة من المدربين الذين غادروها نتيجة الأزمة الاقتصادية وعدم قدرتهم على الاستمرار في العمل والانتقال إلى كلياتهم حتى مع تطبيق نظام المداورة في الدوام، إذ يدفع المدرّب كل راتبه ثمن انتقاله يومين في الأسبوع إلى عمله. يصعب أن نعتمد الموظفين والمدربين في الكليات القريبة من أماكن سكنهم، إذ من شأن ذلك أن يُحدث خللاً في التوزيع، ويُعيق عمل الجامعة.
رفضت الشركات إعطاء الجامعة أموالها في ما يخص فحوص كورونا PCR، أين أصبح الملف؟
أريد أن أركز على أن الجامعة تنتظر الـ 50 مليون دولار من عائدات الـ PCR لاستثمارها في 5 مشاريع منتجة للجامعة ومنها تركيب نظام طاقة شمسية، فتح مختبر مركزي لتحليل الدواء بكلفة لا تتجاوز مليوني دولار، استحداث معمل أدوية متخصص في دواء معين للضغط أو السكري، نظراً إلى الحاجة والكفاءة الموجودة لدينا، إنشاء مطبعة للجامعة ليس فقط بهدف الطباعة، إنما أيضاً لاستخدامها في إعادة تدوير الأوراق وتخفيف الكلفة، وهناك مشروع استراتيجي للجامعة ويحتاج إلى تمويل وهو تطوير المركز الصحي في مجمع الحدث الذي لا نريده مركزاً صحياً فقط ولا نريده مستشفى، إنما نحتاج إلى استقلالية لعمل الأساتذة والطلاب.
ما هي السبل لتحويل الجامعة اللبنانية إلى جامعة منتجة وبالتالي زيادة إيراداتها الذاتية؟
هذا ما يجب أن يحصل منذ زمن طويل، وهناك العديد من الأفكار، أهمها إنشاء ماسترات متخصصة ليس للطلاب الذين يتابعون دراساتهم العليا، إنما للأشخاص الذين لديهم عمل معين في مجال محدد ويريدون أن يطوّروا قدراتهم، فنفتح لهم ماسترات برسوم تفوق الرسوم العادية، على أن تذهب الأموال إلى الجامعة. وهذا ما سمحت لنا به موازنة عام 2002. كذلك، أتاحت موازنة عام 2004 للجامعة أن تشارك في المناقصات العامة في مجالات متعددة في قطاع البناء وغيره والقيام بأعمال لصالح الخير العام، وهذا أيضاً يمكن أن يدرّ أموالاً على الجامعة، إضافة إلى المشاريع الاستثمارية مثل المختبر المركزي للدواء.
إلى أي مدى تستطيع الجامعة أن تشارك في الدراسات الهندسية أو الاقتصادية التي تطلبها الدولة؟
ثبّتنا عبر مختبر الـ PCR أن الجامعة هي على قدر المسؤولية، وأنها تملك من القدرات التي يمكن استثمارها في أي مشروع وطني. وإذا كانت الدولة لا تثق بجامعتها فهنا تكمن المشكلة. في الاجتماعات التي عُقدت في السراي الحكومي، طلبت من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يطلب من الجامعة إجراء دراسات اجتماعية واقتصادية، وطلب مني رئيس الحكومة تسمية ثلاثة أساتذة ليشاركوا في المفاوضات مع البنك الدولي، لكنّ أحداً لم يتواصل معهم حتى الآن. وسأتابع الموضوع في الأيام المقبلة.
هل تأثّرت الشراكة مع الجامعات الأجنبية على المستوى التعليمي والبحثي بالأزمة؟
لم تؤثر الأزمة على الشراكات مع الخارج، بل زاد التعاون على مستوى برامج التبادل مع الجامعات ولا سيما أن هناك عدداً كبيراً من الطلاب باتوا يرغبون بالسفر وتطوير قدراتهم الذاتية بعدما كان خيارهم البقاء إلى جانب أهلهم، وهناك عمل كثير يقوم به مكتب العلاقات الخارجية.
لكن أستطيع أن أقول إن المشكلة الأساسية تكمن في المنح التي كانت الجامعة تقدمها للطلاب، إذ تبلغ المنحة 18 مليون ليرة أو ما يوازي 12 ألف دولار وفق سعر الصرف 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد أو نصف منحة 9 ملايين ليرة، ولم تعد قيمتها اليوم تساوي شيئاً.