ميقاتي يعدّ الأيام… وعون “مقبرة” المكلّفين!
كتب ألان سركيس في “نداء الوطن“:
بات الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي يعدّ الأيام على رغم أنه أكّد أخيراً أنه ماضٍ في مهمّة تأليف الحكومة وهناك وساطات جديدة بقيادة اللواء عباس ابراهيم، لكن الأجواء لا تزال ضبابية.
علت صرخة القيادات السنّية وعلى رأسهم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بسبب إفشال رئيس الجمهورية ميشال عون مهامّ رؤساء الحكومات المكلّفين ودفعهم إلى الإعتذار، وسط الخوف على مقام رئاسة الحكومة بعد الزحف الشيعي نحو السيطرة على مفاصل الدولة، وتسليم معظم القيادات وعلى رأسها القيادات السنية بمرجعية “حزب الله” وحركة “أمل” في فرض ما يريدون. لا شكّ أن عهد عون إستثنائي في كل شيء، وربما يُشكّل نقطة تحوّل في اضمحلال الدولة، وقد تفوّق على أسلافه بعد “الطائف” في مسألة تسمية رؤساء حكومات من دون أن يكونوا قادرين على التأليف.
وفي نظرة على العهود السابقة، كان الرئيس الياس الهراوي أول رئيس يستلم زمام الحكم بعد توقيع “الطائف” وقد امتدّ عهده 9 سنوات بدل 6 كما ينصّ الدستور، ففي السنوات الست الاولى تعامل مع 4 رؤساء حكومات نجحوا في التأليف وهم سليم الحص، عمر كرامي، رشيد الصلح ورفيق الحريري، وبعد التمديد له في خريف 1995 سُميّ رفيق الحريري لرئاسة الحكومة وبقي حتى نهاية العهد على رغم إجراء الإنتخابات النيابية عام 1996.
بعد الهراوي إنتُخب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية ورفض الحريري ترؤس الحكومة فسُمّي الحصّ الذي بقي حتى إنتخابات 2000 النيابية، بعدها عاد الحريري رئيساً للحكومة وبقي حتى نهاية الولاية الأصلية للحود.
العام 2004 صدر القرار السوري بالتمديد للحود 3 سنوات، فترأّس عمر كرامي أولى حكومات العهد الممدّد له وسقط تحت وطأة زلزال 14 شباط وأُعيدت تسميته، لكنه فشل في التأليف، فكان إتفاق دولي على أن يُكلّف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة بمهمة محدّدة وهي إجراء الإنتخابات، وبعد فوز 14 آذار في الإنتخابات كُلّف الرئيس فؤاد السنيورة وبقي بعد إنتهاء ولاية لحّود أي في فترة الفراغ الرئاسي.
عهد جديد يطل على لبنان، هو عهد الرئيس ميشال سليمان الذي انتُخب بعد أحداث 7 أيار 2008، وقد شكّل السنيورة أولى حكومات العهد ليأتي بعده الرئيس سعد الحريري بعد انتخابات 2009، والذي سقطت حكومته في كانون الثاني 2011 تحت ضربة الوزير الملك و”شهود الزور”، فسمّت قوى 8 آذار ميقاتي الذي استقال عام 2013 ليخلفه الرئيس تمام سلام، والذي ملأت حكومته الفراغ الرئاسي حتى انتخاب عون رئيساً.
وفي جردة للحكومات بعد “الطائف” نكتشف أن الهراوي تعامل مع 4 رؤساء حكومات في عهده الأصلي ورئيس واحد في الولاية الممدّدة، بينما تعاون لحود مع رئيسين فقط في ولايته الأصلية واثنين في الولاية الممدّدة، أما سليمان فقد تعامل خلال سنوات الحكم الست مع 4 رؤساء حكومات، هذا بالنسبة للعهود التي مرّت بعد “الطائف”، فماذا عن العهد القوي حالياً؟
يكاد عون أن يدخل التاريخ من خلال دفع رؤساء الحكومات إلى الإعتذار، فعلى رغم أن التسوية الرئاسية نصّت على أن يكون الحريري رئيساً للحكومة طوال عهد عون، إلا أن انتفاضة 17 تشرين قلبت المقاييس فأسقطت الحريري في الشارع واستنزفت رصيد العهد القوى. فالحريري ترأّس أول حكومة في عهد عون، من ثم ترأّس الثانية فسقطت، بعدها تمّ تكليف الرئيس حسان دياب، بينما المفارقة أن هناك رئيسين للحكومة قد اعتذرا في عهد عون وهما السفير مصطفى أديب والحريري، والثالث، أي ميقاتي، على الطريق!
صحيح أن كرامي إعتذر عن التأليف بعد 14 شباط 2005 لأن الظروف قاهرة، وكان اعتذار الحريري بعد إنتخابات 2009 مناورة لأنه أُعيد تكليفه، لكنّ عون يبدو وكأنه أكبر محرقة لرؤساء الحكومات المكلّفين.
وإذا إستمرّ الوضع على هذا المنوال فإن البلاد ستدخل أزمة حكم، خصوصاً إذا اعتذر ميقاتي، لأنه عندها لن يكون هناك أي اسم سنّي يقبل بأن يترأّس حكومة في عهد عون، في حين أن عون يستمدّ قوّته من عناده ومن دعم “حزب الله”، في حين أن الحريري وميقاتي ونادي رؤساء الحكومات السابقين باتوا أيضاً في حضن “الحزب” وهم متّفقون معه على ضرب تحقيقات المرفأ، وبالتالي يُطرح السؤال الكبير وهو: إلى متى ستبقى القيادات السنية مستسلمة لـ”حزب الله” وتسير بما يأمر به؟