“فورين أفيرز”: هذا ما تريده الصين من الشرق الأوسط وهذا السيناريو المتوقع
يرى مقال تحليلي موسع نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية أنّ الصين “لا تسعى إلى الهيمنة على الشرق الأوسط”، على الرغم من “النقلة النوعية التي شهدتها السياسة الخارجية الأميركية”، بحيث لم تعد منطقة الشرق الأوسط تمثّل أولوية واشنطن القصوى. ومع قرار الانكفاء الأميركي من العراق وأفغانستان ووصول جو بايدن إلى الرئاسة، يقول المقال ان الصين قد تصبح فعلاً القوّة في المنطقة، قائلاً: “ولكن إذا حصل ذلك، فإنّه سيكون مرتبطاً بانسحاب واشنطن البطيء والمستقر من الشرق الأوسط أكثر منه بمخططات استراتيجية كبرى وضعتها بكين”.
ويعتبر المقال أنّ وجود الصين المتنامي في الشرق الأوسط تحرّكه مخاوفها الاقتصادية وسياستها الداخلية أكثر من رغبتها في الهيمنة، مشيراً إلى أنّ بكين كرست خلال العقديْن الماضييْن الكثير من الوقت والموارد لبناء علاقات ديبلوماسية وتجارية مع جميع اللاعبين الكبار في المنطقة، مثل إيران وإسرائيل والسعودية والدول الخليجية.
ويرى المقال أنّ الدافع الحقيقي الكامن وراء وجود الصين في الشرق الأوسط يتمثّل بنمو البلاد السريع، موضحاً أنّ واردت الصين من نفط المنطقة تضاعفت عشر مرات بين العامين 1990 و2009. ويتابع المقال: “خلال العاميْن 2019 و2020، وفّرت البلدان الخليجية نحو 40% من واردات الصين النفطية، مثّلت حصة السعودية وحدها نسبة 16% منها، ما يجعلها أكبر مورد للنفط الخام بالنسبة إلى الصين”. في ما يتعلّق بالعراق، حيث أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات لتغيير النظام، فهو يُعد واحداً من أكثر 5 بلدان تصديراً للنفط بالنسبة إلى الصين. أمّا إيران، فتحتل المرتبة الثامنة. ويعلّق المقال: “من الواضح أنّ بكين تعتبر موارد الطاقة في المنطقة أساسية لتنمية الصين المستمرة، وبالتالي نفوذها العالمي”.
الصين وخيط التوازنات الرفيع في الشرق الأوسط.. التصريحات الأخيرة “عصفوران بحجر واحد”؟
“لوموند”: هذه هي مناورة الصين الكبرى في الشرق الأوسط
ولا تقتصر علاقة الصين الاقتصادية بالشرق الأوسط على الطاقة، إذ توطد الصين روابطها عبر مبادرة “الحزام والطريق”. ويعود إلى المبادرة المذكورة فضل كبير في نيل الصين لقب أكثر مستثمر في المنطقة وأكبر شريك تجاري لـ11 دولة في الشرق الأوسط، وفقاً لما يكتبه المقال. ويتابع المقال بالقول إنّ الصين موّلت بناء مرافئ ومجمعات صناعية في مصر وسلطنة عمان والسعودية والإمارات ودجيبوتي، حيث تقوم قاعدة الصين البحرية الوحيدة خارج أراضيها. ويلفت التقرير إلى أنّ هذه المنشآت تمتمد على طول مضائق حيوية تربط المنطقة ببقية العالم: الخليج الغربي وخليج عمان والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس.
على صعيد السياسة الداخلية، يقول التقرير إنّ السياسات الصينية لا تتمحور حول النفط وحده، مشيراً إلى بكين تنظر إلى علاقاتها في الشرق الأوسط كما لو أنّها “بوليصة تأمين” ضد أقلية الإيغور المسلمة المتمعة بحكم ذاتي في منطقة شينجيانغ. ويذكّر المقال في هذا السياق بتصريح أدلى به اللرئيس الصيني شي جينبينغ، حيث حذّر من أنّ “أي شخص يحاول فصل أي منطقة عن الصين سيهلك، وسيتم تحطيم جسده وطحن عظامه لتصبح مسحوقاً”. ويضيف المقال: “لطالما أمل القادة الصينيون في أن تؤدي تنمية العلاقات مع أنظمة الشرق الأوسط ووسط آسيا إلى منع الانفصاليين الإيغور من الحصول على دعم خارجي”.
ووسط الظروف الراهنة، يستبعد المقال أن يسعى الصينيون إلى إشعال نزاعات، مشيراً إلى أنّهم يفضلون بناء علاقات مع مجموعة من البلدان في المنطقة بهدف ضمان وصولهم إلى النفط والأسواق. وهنا يتوقع المقال تنافساً أميركياً-صينياً شديداً على النفوذ محذراً أنّ تحّول الانكفاء الأميركي إلى انسحاب سيجعل الصين القوة المهمينة في الشرق الأوسط “على الرغم من افتقارها إلى النية الواضحة للقيام بذلك”.