إنه عصر دبلوماسية اللقاحات.. حقيقتان على الدول إدراكهما
رأت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه من الطبيعي أن تركز الحكومة والشعب الأميركي على تأمين اللقاحات ضد فيروس كورونا لأكبر عدد ممكن من السكان، خاصة المعرضين منهم للإصابة به في الخطوط الأمامية. لكن تسارع خطى التلقيح داخلياً، يكرس حقيقتين.
أولاً، إن الوباء لن يختفي في أي مكان إذا لم يختف في كل مكان. وتشق أنواع متحورة من الفيروس طريقها في أنحاء مختلفة من العالم، ويُدرك علماء الأوبئة أنها ستستمر في التطور طالما واصل الفيروس التفشي.
وأوقفت جنوب أفريقيا مثلاً، العمل بلقاح أوكسفورد أسترازينكا بعد نتائج “مخيبة” في مواجهة نوع متحور من الفيروس، حط رحاله في الولايات المتحدة.
والحقيقة الثانية، هي أنه بينما حصل أكثر من 45 مليون أميركي، أي نحو 14% من السكان على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، وأطلقت دول أخرى مرتفع الدخل برامجها للتلقيح، فإن تقديرات برنامج صحي عالمي تابع لمجلس العلاقات الخارجية، تشير إلى أن 7% فقط من الدول ذات الدخل المنخفض، لم تطلق حتى 18 شباط الماضي، أي تلقيح على الإطلاق.
وهذه فجوة واسعة وصفها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريوسوس، عن حق، بـ “حجر آخر في جدار التفاوت بين أغنياء العالم وفقرائه”.
الأخبار الجيدة هي أن هذه الفجوة قيد المعالجة. وفي الأسبوع الماضي، هبطت طائرة شحن في غانا حاملة 600 ألف جرعة من لقاح طور في بريطانيا وصنع في الهند، في مستهل برنامج لتوزيع 1.3 مليار جرعة من اللقاحات على 92 دولة ذات دخل متوسط ومنخفض هذا العام، عبر آلية كوفاكس، وهي جهد عالمي تدعمه منظمة الصحة العالمية.
وواجه هذا الجهد بداية مضطربة، فتحت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وعملت إلى جانب دول غنية أخرى على الإستئثار بما استطاعت من اللقاحات لنفسها.
ولكن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، سارعت بالعودة إلى منظمة الصحة العالمية وتعهدت بدفع 4 مليارات دولار للمجهود العالمي للتلقيح.
واقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عوض تقديم الأموال، تبرع الدول الغنية بجرعات من اللقاح إلى الحكومات الأفريقية، ما يجنب كوفاكس الحاجة إلى المنافسة على الإمدادات الحالية.
ولكن الصحيفة لفتت إلى أن كل هذا ليس سوى بداية، فالجرعات الـ600 ألف التي وصلت إلى غانا بالكاد تكفي لتلقيح 1% من سكانها، وستكون كوفاكس في حاجة إلى المزيد من الأموال والمساعدة.
موسكو وبكين
وستتذكر الدول الفقيرة من هب لمساعدتها أولاً ومتى. ووجدت موسكو وبكين فرصة منذ البداية، وعملتا على إرسال كمامات، ومعدات حماية إلى دول تفشى فيها الفيروس بقوة الربيع الماضي.
والآن مع وجود دول ذات دخل متوسط ومنخفض في حاجة إلى اللقاحات، فإن دولاً من صربيا، والجزائر، إلى البرازيل، ومصر، تحصل على لقاحات من الصين وروسيا.
وتتقدم صربيا، في الواقع، معظم دول الاتحاد الأوروبي بنسبة تلقيح السكان، لأنها واحدة من البلدان القليلة التي حصلت على اللقاحين الروسي والصيني.
وجعلت الصين مشاركة اللقاحات المنتجة محلياً، ركيزة أساسية في استراتيجية “الحزام والطريق” العالمية التي تشمل استثمارات في أكثر من 70 بلداً.
وتشوب ديبلوماسية اللقاحات الصينية ثغرات عدة بسبب تساؤلات عن فاعليتها، لكن بالنسبة إلى الدول الفقيرة، فإن اللقاحات الصينية أفضل من لا شيء. وأخيراً أعلنت الصين أنها ستتبرع بـ 300 ألف جرعة لمصر.
وتزعم روسيا أنها تلقت طلبات من نحو 20 دولة للحصول على لقاح سبوتنيك V، بينها المكسيك، الجارة الجنوبية للولايات المتحدة، التي تعاقدت على 7.4 ملايين جرعة روسية بين شباط ونيسان.
وأكد بايدن للأميركيين أن معظمهم سيحصل على اللقاح بحلول نهاية الصيف. لكن عليه أن يؤكد لهم أيضاً، أن من مصلحتهم، من منطلق أخلاقي، والشعور المشترك بالمصلحة الوطنية، أن تكون الولايات المتحدة في الخط الأمامي في الحرب العالمية ضد الوباء.
المصدر: 24