تعالوا نرى كيف تكون الإنتصارات الحقيقية
ما إنْ نجح مسبار الأمل الإماراتي دخوله مدار المريخ بعد مناورات حرجة، لتصبح دولة الإمارات الشقيقة أول دولة عربية تصل الى الكوكب الأحمر، فأعلن حينها عن نجاح المهمة من قبل فريق المهندسين في مركز دبي الفضائي. ثمَّ وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بهذه المناسبة رسالة شكر الى فريق العمل، ورسالة أمل الى أبناء الإمارات والى الأمتين العربية والإسلامية إذ قال فيها ما حرفيته : « خلال الساعات المقبلة يصل مسبار الأمل لكوكب المريخ، وسيكون التحدي الأكبر هو الدخول لمداره، 50% من البعثات البشرية التي حاولت قبلنا لم تستطعْ أن تدخل المدار، ولكن نقول حتى إن لم ندخل المدار فقد دخلنا التاريخ، هذه أبعد نقطة في الكون يصل إليها العرب عبر تاريخهم، أكثر من 5 ملايين ساعة عمل لأكثر من 200 مهندس ومهندسة إماراتية، هدفنا هو إعطاء أمل لجميع العرب بأننا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب، نسأل الله التوفيق في الوصول لكوكب المريخ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وعلى هذا الكلام السامي نستنتج:
أوّلاً- لم يتكلم سموه بصيغة المنفرد أي “الأنا” بل تكلم بصيغة الجمع، أي بإسمه وبإسم فريق العمل وبإسم شعبه وبإسم الأمتين العربية والإسلامية، أي شملنا جميعنا، نحن في هذا الشرق، بهذا الإنجاز الذي لم نكن مشاركين فيه أصلاً. لقد أهدانا هذا الإنجاز بكل تواضع وأدخلنا جميعاً للعب دور في تطور البشرية بقوله “50% من البعثات البشرية التي حاولت قبلنا…”، أي أصبح لنا دورٌ في تقديم مساهمة ملموسة في فهم المريخ إلى الإنسانية.
ثانياً- ويتبين تواضع حاكم دبي أكثر وأكثر، وتبين إصراره وجديته على رفع مستوى شعبه وشعب الأمتين العربية والإسلامية في قوله “…ولكن نقول حتى إن لم ندخل المدار فقد دخلنا التاريخ…” أي أنّ ما تحقق لغاية الآن هو كاف، وهو يخولنا دخول التاريخ بمجرد محاولتنا وإصرارنا على نجاح هذه المحاولة. وإهتمام سموه هو إعادة دخولنا الى التاريخ لأنّنا خارجه منذ فترة طويلة ولأننا هائمون على الذكريات والإنتصارات التي إنطفأ وهجها وإنقضت بمرور الزمن.
ثالثاً- من المتفق عليه علمياً وتاريخياً، أنّ الإنجاز لكي يكون ذا قيمة عالية لا يمكن نسيانه بمرور الزمن، يجب أنْ يكون هذا الإنجاز قد ساهم بتطوير البشرية. والعكس صحيح، إنّ أي إنجاز تقتصر فائدته على أصحابه فقط لا يمكن إعتباره إنجازاً بالمعنى الصحيح للكلمة. أمّا دخول مسبار الأمل الى مدار المريخ يستحق أنّ يعتبر أهمّ وأكبر إنجازات العرب في تاريخهم، فيقول “… هذه أبعد نقطة في الكون يصل إليها العرب عبر تاريخهم…”، لأنّ هذا الإنجاز يساهم في تطوير البشرية. أمّا إنتصارات الحروب أو تصنيع القنابل والصواريخ فلا يمكن أنْ تكون إنجازات لأنّها لا تفيد البشرية وتطورها بشيء.
رابعاً- بخطابه هذا، وضع سموه الأمتين العربية والإسلامية على السكة الصحيحة في تاريخ البشرية، موجّهاً التحدي الحقيقي من عدد الصواريخ وعدد الجيوش وعدد الأموال الى عدد ساعات العمل وعدد المهندسين والمهندسات، فيقول “… أكثر من 5 ملايين ساعة عمل لأكثر من 200 مهندس ومهندسة إماراتية…”، هنا التحدي الصحيح، لأنّ في نجاح الأمّة لا بدّ من أنْ تقاس عدد ساعات العمل وعدد المهندسين والمهندسات وأصحاب الخبرات وليس عدد الجنرالات ونجومهم الكاذبة.
خامساً- وبخطابه هذا، أوضح سموه أنّ الهدف الحقيقي للقيمين على القيادة الوطنية هو إعطاء الأمل وتشجيع شعوبها على الإرتقاء في العلوم والأبحاث وحجز مكانة محترمة بين شعوب الأرض، فيقول سموه في هذا “… يجب أنْ يكون هدفنا هو إعطاء أمل لجميع العرب بأننا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب…”، هذا هو القائد الحقيقي الذي يستحق القيادة لأنّه يوجِّهُ شعبَه نحو المنافسة الحقيقية المتمثلة بالمساهمة في تطوير البشرية، لا يقود شعبه الى معارك وهمية لا فائدة منها. وهكذا ينقل شعبه إلى مستويات أرقى بين الشعوب عند كل إنجاز يحققه مثل هذا الإنجاز، فيحجز لشعبه مكانة محترمة بين الشعوب.
سادساً- ويختم سموه رسالته هذه بإتكاله على الله عزل وجل، أي أنّه أرجع الفضل في هذا الإنجاز الى بركة الله لهذا العمل وليس بركته هو الشخصية. وطبيعي هذا القول لأن الله يبارك الأعمال الحسنة، يبارك الأعمال التي تردّ بالفائدة لشعبه. إنّ الله لا يبارك الحروب والقتل والدمار.
إنّ الأمة العربية والإسلامية على مفترق طرق هنا، إمّا أنْ تقبل بهذه النقلة النوعية ويصبح لها دورٌ في تاريخ البشرية، وإمّا أنْ تبقى على الهامش ملتهية بصراعاتها الدموية وبإنجازاتها الوهمية التي لا فائدة منها.