قرار مهم بشأن ثروات شرق المتوسط… هل يقلب معادلة الصراع؟!
منتدى غاز شرق المتوسط تحول إلى منظمة دولية حكومية مقرها القاهرة، تشمل سبع دول حتى الآن، وقد تنضم لها الولايات المتحدة وفرنسا، فماذا تعني هذه الخطوة، والتي تأتي في وقت يتصاعد فيه الصراع على ثروات البحر المتوسط، الأمر الذي يقلق العالم؟
واستضافت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، الثلاثاء، احتفالية توقيع ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط الذي يحول المنتدى إلى منظمة حكومية إقليمية مقرها القاهرة، تضم مصر والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا وفلسطين.
الاحتفالية تمت بحضور وزراء البترول والطاقة من تلك الدول، فضلا عن مستشارة وزير الطاقة الأميركي، فيكتوريا كوتس
، ومديرة إدارة الطاقة نيابة عن مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبى، كريستينا لوبيلو ، والسفير الفرنسي بالقاهرة.
ويقول الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، لـ”الحرة” إن “دول حوض شرق المتوسط التي ارتضت الدخول في اتفاقيات قانونية لترسيم حدودها البحرية وتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة، لديها خطة لتعظيم الاستفادة من مكامن الطاقة التي تم اكتشافها في منطقة شرق المتوسط”.
ومن المقرر أن تعمل المنظمة الجديدة كمنصة تجمع منتجى الغاز والمستهلكين ودول المرور، لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجي منظم حول سياسات الغاز الطبيعي، والتى ستؤدى إلى تطوير سوق إقليمية مستدامة للغاز، للاستفادة القصوى من موارد المنطقة، بحسب بيان مشترك.
“قوة تأثير أكبر”
يقول خبراء إن خطوة تحويل المنتدى إلى منظمة ستزيد من قدرتها على التأثير في سوق الطاقة، وإبرام اتفاقيات دولية والتحكم أكثر في سوق الغاز العالمي، وإجراء مناقشات تسهم في منع دول أخرى من محاولة التوسع الأحادي في منطقة المتوسط للاستحواذ على الثروات هنا.
ويرى خبراء أن هذه المنظمة ستقوي موقف الدول الأعضاء قانونيا على الساحة الدولية، في مواجهة الصراعات المندلعة الآن أو أية صراعات أخرى قد تظهر في المنطقة.
ولم يغفل الخبراء التوقيت الحساس لهذه الخطوة، والتي تهدف إلى تعزيز دور مصر في سوق الغاز لمواجهة التغول التركي في منطقة المتوسط.
“ردع تركيا”
لكن سعيد يرى أن “الاتفاق لتحويل المنتدى إلى منظمة هو تعبير صريح عن رغبة هذه الدول في ردع المحاولات التركية لزعزعة استقرار منطقة شرق المتوسط، ووقف المحاولات التركية التي تستهدف التنقيب قبالة المناطق الاقتصادية الخالصة لبعض الدول، خاصة أن تركيا رفضت الدخول في ترتيبات قانونية لترسيم حدودها البحرية، وأصرت على عمليات تنقيب غير قانونية سواء قبالة سواحل قبرص أو اليونان أو حتى مصر”.
وتحول غياب حدود بحرية متفق عليها بين تركيا واليونان، أو تركيا وقبرص، إلى مشكلة أكبر بكثير مع اكتشاف احتياطات المواد الهيدروكربونية في شرق المتوسط خلال العقد الماضي، وفق فرانس برس.
وأشار أستاذ السياسة بجامعة “شهير” في اسطنبول، مظفر سينيل، إلى أن ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة في بحر إيجه والمتوسط كان مسألة أهملتها معظم حكومات المنطقة عمدا”.
ويعود ذلك برأيه إلى أنها “مسألة يصعب حلها وكلفتها السياسية باهظة”.
وتسعى تركيا إلى تنفيذ استراتيجية تسميها “الوطن الأزرق” المتمثلة في المطالبة بمصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف سينيل أن أنقرة تستخدم “الوطن الأزرق” “كورقة مساومة” مشيرا إلى أنها “تعلن موقفها في المفاوضات عبر عرض هذه الخريطة”.
فيما يرى سعيد أن “الاتفاق الجديد بتحويل المنتدى إلى منظمة سيساعد على تغيير الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة لدى بعض الدول، وبهذا تتحول مصر إلى مركز إقليمي لنقل الطاقة، بدلا من تركيا خاصة أن هناك ترتيبات واتفاقيات ما بين مصر وقبرص أو مصر وإسرائيل لتوريد الغاز المستخرج من هذه الدول لتمر إلى مصر حتى تتم إسالته في محطات إدكو ودمياط ثم يعاد تصديره إلى أوروبا وأسواق دولية أخرى”، مضيفا أن “الخطوة سيكون لها انعكاسات على تركيا بشكل كبير”.
“إدارة سوق الغاز عالميا”
يتنبأ مراقبون بأن تنضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا إلى المنظمة الجديدة، خاصة مع حضور السفيرين الأميركي والفرنسي، ومسؤولة أميركية حفل توقيع ميثاق المنظمة.
ويقول سعيد لـ “الحرة” إن “انضمام أميركا وفرنسا سيعطي المنظمة مزيدا من القوة، فيما يتعلق بإدارة سوق الغاز على مستوى العالم”.
وذكر البيان المشترك للدول المؤسسة للمنظمة أن “منتدى غاز شرق المتوسط مفتوح لتقدم أى دولة فى شرق المتوسط لطلب عضويته، ولتقدم أى دولة أخرى أو منظمة إقليمية أو دولية لطلب الانضمام له كمراقب، طالما تبنوا قيم وأهداف المنتدى، وشاركوه الرغبة فى التعاون من أجل رفاهية المنطقة بأسرها”.
ويوضح سعيد أن “انضمام قوى إقليمية ودول كبرى ربما يسحب من رصيد تأثير بعض الدول مثل روسيا وإيران، خاصة أنهما دولتان تحويان احتياطات كبيرة ومن الدول المصدرة للغاز بكميات كبيرة، وبالتالي انضمام الولايات المتحدة وفرنسا سيعيد حسابات عمليات تصدير الغاز وأسعاره على مستوى العالم، إضافة إلى انعكاسات هذا الأمر تحديدا على تركيا”.
وأضاف سعيد “نعلم حالة التوتر بين تركيا وفرنسا، كما رأينا الفترة الماضية تحركات أميركية داعمة لقبرص واليونان”.
ودعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الثلاثاء، الماضي تركيا واليونان إلى التخلي عن كل تصعيد عسكري والتركيز على البحث عن حل دبلوماسي للنزاع بشأن الغاز بينهما في شرق المتوسط.
وقال بومبيو في مقابلة مع إذاعة “فرانس إنتر”، “يجب حل هذه المشكلة من دون استخدام القوة العسكرية بل عبر الآليات الطبيعية، عبر القرارات الدولية، خصوصا بشأن الحقوق المرتبطة بهذه المنطقة”.
وأضاف “يجب تخفيض البصمة العسكرية في كل مكان واللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية، غير العسكرية”.
وتتنازع تركيا واليونان على السيادة في مناكق بشرق المتوسط يُحتمل أن تكون غنية بالغاز الطبيعي. وتفاقم التوتر في أواخر أغسطس، عندما أجرت أثينا وأنقرة مناورات عسكرية متوازية، ودفع نشر تركيا الشهر الماضي سفينة المسح الزلزالي الريس عروج، في منطقة تؤكد اليونان أنها تابعة لها.
وأعلنت فرنسا بوضوح دعمها لليونان عبر نشر سفن حربية وطائرات مقاتلة في المنطقة، في مبادرة نددت بها أنقرة بشدة.
وعادت أخيرا سفينة المسح الزلزالي التركية إلى الساحل التركي الأحد، ما يفتح المجال أمام تهدئة بين البلدين، لكن تركيا مددت عمليات سفينة بربروس خير الدين باشا للمسح الزلزالي قبالة قبرص حتى 18 أكتوبر
والأزمة في المتوسط مدرجة على جدول أعمال قمة أوروبية ستنعقد في 24 و25 أيلول في بروكسل مع طرح احتمال فرض عقوبات على تركيا.
المصدر: الحرّة