إيران.. سنة التحديات المهينة والخيارات المرّة
تحت عنوان “إيران في سنة التحديات المهينة والخيارات المرّة”، كتب هشام ملحم في موقع قناة “الحرة”، وجاء في المقال ما يلي:
اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الجمعة في سيارته قرب طهران وفي وضح النهار، أظهر بشكل محرج ضعف النظام الإيراني، خاصة وأنه جاء قبل نهاية سنة تعرضت فيها إيران إلى ضربات ونكسات أمنية مهينة، كما وضعها أمام خيارات أحلاها شديد المرارة.
التسريبات الخلفية الصادرة عن مصادر مسؤولة في واشنطن، وكذلك تخمينات وتحليلات الخبراء أيضا تشير إلى ضلوع إسرائيل في العملية، لأنها كانت مشابهة لعمليات إسرائيلية في إيران استهدفت 4 علماء نووين إيرانيين على الأقل بين سنتي 2010 و2012.
وكان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قد قدّم فخري زاده للعالم في 2018 خلال عرضه لوثائق نووية إيرانية سرية استولت عليها قوات إسرائيلية خاصة أغارت على مخزن مغلق في العمق الإيراني، حين قال “تذكروا هذا الاسم” وهو يشير إلى صورة لفخري زاده، الذي وصفه بأنه مهندس البرنامج النووي العسكري الإيراني. ولاحظ المحللون أن قتل فخري زاده جاء بعد تقارير صحفية إسرائيلية وأميركية تحدثت عن لقاء سري جرى الأحد الماضي في مدينة نيوم في السعودية بين وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو. ولم ينف نتنياهو أو يؤكد نبأ اغتيال إسرائيل للعالم الإيراني، وإن أكدت مصادر إسرائيلية مسؤولة أن عملاء إسرائيليين قد قتلوه. وحتى الآن لم يعلق الرئيس ترامب أو الوزير بومبيو علنا على الاغتيال.
التكهنات والشكوك في واشنطن تركزت حول رغبة الأطراف المجتمعة في نيوم، بتوجيه ضربة موجعة ومذّلة لإيران خلال الفترة القصيرة المتبقية من ولاية الرئيس ترامب، مثل اغتيال فخري زاده لكي ترد عسكريا ضد إسرائيل والولايات المتحدة وإعطائهما الحجة والذريعة القانونية والسياسية لشن ضربات عسكرية عقابية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية.
وكانت مصادر أميركية رسمية قد كشفت في إيجازات خلفية مع الصحافيين بعد الانتخابات الأخيرة أن الرئيس ترامب طلب من مساعديه الأمنيين والعسكريين إعطاءه خيارات عسكرية لمعاقبة إيران وقصف مفاعل نووية مثل نطنز وغيرها بعد أن كشفت وكالة الطاقة النووية الدولية أن إيران قد زادت من وتيرة تخصيبها لليورانيوم لأكثر من 12 مرة، بما يفوق الكمية التي سمح بها الاتفاق النووي الدولي الذي وقعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في 2015، والذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018 ثم أعاد فرض العقوبات النووية على إيران.
ورأى محللون أن اغتيال فخري زادة، يهدف أيضا إلى القضاء على فرص الرئيس المنتخب جو بايدن بإعادة إحياء أو تعديل الاتفاق النووي مع إيران. وكان بايدن قد أعلن عن رغبته بإحياء الخيار الدبلوماسي مع إيران هو ووزير خارجيته المعين أنطوني بلينكن في أكثر من مناسبة، وهذا يعني أولا السعي إلى استئناف المفاوضات مع طهران، إذا قبلت بالعودة إلى تعهداتها المنصوص عنها في الاتفاق النووي، وتطوير الاتفاق ليشمل فترات أطول للقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، وربما فرض قيود جديدة على برنامج إيران الصاروخي.
وإذا لجأت إيران إلى الرد العسكري واستهدفت مصالح أميركية في العراق على سبيل المثال، وردت عليها إدارة الرئيس ترامب بضربات استراتيجية تستهدف بنيتها التحتية النووية، فإن ذلك سيترك للرئيس المنتخب بايدن إرثا ملتهبا لن يستطيع إطفاءه بسهولة أو بسرعة، وسوف يقضي على أي فرص لإحياء المفاوضات مع إيران، على الأقل في المستقبل المنظور، وربما لسنوات أطول.
المسؤولون الإيرانيون مثل المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني وغيرهم اتهموا اسرائيل باغتيال فخري زاده وتعهدوا بالانتقام له، كما ربط روحاني الاغتيال بقرب نهاية ولاية ترامب. ولكن روحاني ألمح أيضا إلى أن إيران قد لا تكون مستعجلة للانتقام وقد لا ترد عسكريا خلال وجود ترامب في البيت الأبيض حين ربط احتمال الرد بنهاية سياسة “الضغوط القصوى” التي فرضها ترامب ضد إيران والتي أيدتها إسرائيل وبعض دول الخليج، حين قال إن “حقبة الضغوط تقترب من نهايتها والظروف الدولية تتغير”.
وكان الاتحاد الاوروبي قد أصدر بيانا أدان فيه الهجوم الذي اعتبره “عملا إجراميا.. يتنافى مع مبادئ احترام حقوق الإنسان التي يدعمها الاتحاد الأوروبي”. وحض البيان جميع الأطراف المعنية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس .
والجمعة حض مدير وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي ايه) السابق جون برينان، في سلسلة من التغريدات القيادة الإيرانية على عدم الرد العسكري “لأن الحكمة تقتضي بالانتظار لعودة القيادة الأميركية المسؤولة على المستوى الدولي، ومقاومة الرغبة بالرد على المسؤولين” عن اغتيال فخري زادة. بمعنى آخر : انتظروا وصول بايدن إلى البيت الأبيض. ووصف برينان، الذي ترأس الوكالة خلال حقبة الرئيس أوباما قتل العالم الايراني “بالعمل الاجرامي المتهور بامتياز، والذي يجازف برد قاتل، وبجولة جديدة من النزاع الاقليمي”.
وكان من اللافت أن السيناتور الديموقراطي النافذ كريس مورفي قد قال في تغريدة الجمعة “إذا كان الهدف الأساسي وراء قتل السيد فخري زادة هو زيادة صعوبة إعادة بدء الاتفاق النووي مع إيران، فهذا يعني أن هذا الاغتيال لن يجعل أميركا وإسرائيل والعالم أكثر أمنا”.
اغتيال فخري زادة، جاء قبل أسابيع من نهاية سنة بدأت بضربة موجعة ومهينة لإيران وجهها الرئيس ترامب في الثالث من يناير 2020 حين أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، في بغداد. وتبعها في يوليو حدوث تفجير في المفاعل النووي في نطنز لم تعرف الجهة المسؤولة عنه، وبعدها تم قتل القيادي الثاني في تنظيم “القاعدة” ومخطط تفجير السفارتين الأميركيتين في إفريقيا في 1998 أبو محمد المصري في طهران على أيدي عناصر تابعة للاستخبارات الإسرائيلية ونيابة عن الولايات المتحدة، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
الرد الإيراني العسكري على قتل قاسم سليماني كان مصمما بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد أميركي، لأن طهران لم تكن ترغب بمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، ولذلك لجأت إلى إنقاذ ماء وجهها برشق صاروخي كانت تعلم مسبقا أن القوات الأميركية سوف تحمي نفسها منه.
ومرة أخرى، تواجه القيادة الإيرانية – في سنة أضعفتها أكثر أزمة اقتصادية خانقة زاد من حدتها جائحة كورونا القاتلة- خيارات صعبة للغاية. اعتماد الصبر وضبط النفس لن يكون سهلا، والبلاد في طريقها في السنة الجديدة الى انتخابات رئاسية تريد فيها القوى المتشددة أن تؤكد نفوذها. وأي رد عسكري مباشر من إيران وحتى من خلال عملائها ووكلائها في المنطقة وتحديدا في العراق ولبنان، ضد إسرائيل أو ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق، سيؤدي إلى ردود واسعة سوف تلحق أضرارا ضخمة بإيران. الرئيس ترامب تعهد برد قوي إذا قتلت إيران أو ميليشياتها في العراق أي جندي أميركي. انتظار وصول بايدن إلى البيت الأبيض سيستغرق أقل من شهرين، وهذه فترة طويلة سوف تستغلها القوى المتشددة في إيران لصالحها وسوف تحرج القيادة الإيرانية. كما أنه قد تكون هناك مفاجآت تعدها إدارة ترامب، إو إسرائيل خلال هذه الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة الخطيرة والحرجة لإيران.
ولكن اللجوء إلى خيار السيف خلال وجود ترامب في البيت الابيض سيكون مستحيل عمليا، لانه لن يجلب الرد العسكري الأميركي المؤلم فحسب، بل سيعني أيضا تأجيل، إن لم نقل قتل أي فرص عملية للعودة إلى الخيار الديبلوماسي بين واشنطن وطهران. سنة 2020 بالنسبة لايران هي بالفعل سنة التحديات المهينة والخيارات المرّة .
المصدر: الحرة