ماذا يعني فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية بالنسبة للصين وآسيا؟
في ظلّ رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، لم تكن روسيا هي العدو المحدد لأمريكا. وبدلاً من ذلك، تحول التركيز بشكل أساسي إلى الصين، ومع تنامي حالة عدم الثقة، فقد زاد هذا الأمر من تباعد القوتين.
ووفقاً لتقرير نشره موقع “ibtimes”، فإنه خلال العامين الماضيين فقط، انخرط البلدان (أمريكا والصين) في استراتيجية الحرب الباردة التي تحط من قدر بعضهما البعض، كما اندلعت حرب تجارية بينهما. ومع هذا، فقد انعكست آراء ترامب بشأن الصين بشكل كبير على الأميركيين. ووفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث، فإنّ 73% من الأميركيين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الصين. وواقعياً، يلقي الأمريكيون باللوم على الصين في تفشي فيروس كورونا الذي جعله ترامب سلاحاً لمحاربة بكين وأيضاً منافسه الديمقراطي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
وعلى مدى المرحلة السابقة، سعى ترامب لإقناع الناس بأن بايدن سيكون لطيفاً مع الصين وأنه لن يتخذ أي موقف متشدد اتجاهها كما فعل هو، لكن طريقة تعامله مع أزمة فيروس كورونا في الولايات المتحدة لم تساعده.
سياسة بايدن تجاه الصين
وفي حين أن ملايين الأميركيين رددوا موقف ترامب المتشدد اتجاه الصين، إلا أنه لم يفد لا الولايات المتحدة ولا حلفائها في آسيا. وبدلاً من ذلك، حاول حلفاء مهمون مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند إيجاد طرقهم الخاصة للتعامل مع الصين. وعلى عكس ترامب، يتمتع بايدن بسنوات من الخبرة في شؤون السياسة الخارجية. وبصفته رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كان بايدن قاسياً عندما كان يحتاج أن يكون ذلك، وليناً عندما يقوم بالعمل. فمن النقد المستمر لانتهاكات بكين لحقوق الإنسان، والعمل إلى إبرام اتفاق نووي دقيق مع إيران، تعامل بايدن مع جميع قادة العالم.
ومع هذا، فإنه يجب التوقع بأن جو بايدن سيكونُ قاسياً مع الصين أيضاً، إذ وصف الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنه “سفاح”، ومن المرجح أن يلاحق بكين بشأن مسائل مختلفة بما في ذلك التعريفات الجمركية وبحر الصين الجنوبي وفيروس كورونا والتجسس الإلكتروني وانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ ضد مسلمي الإيغور وفي هونغ كونغ.
ومع تنامي الخلاف بين الولايات المتحدة والصين باستمرار، أصبحت جائحة فيروس كورونا مثالاً للنقاش في الآونة الأخيرة. وخلال الفترة الماضية، اتهم ترامب بكين بالكذب بشأن الفيروس، وألقى باللوم عليها في تفشي الوباء. كذلك، وجدت الولايات المتحدة دعماً من دول أخرى للمطالبة بتحقيق مستقل في أصل “كورونا”، في محاولة لإثبات أن استجابة الصين للصين المبكرة الوباء كانت إما غير كافية أو لها علاقة بـ “الهندسة الحيوية” للفيروس.
ومع هذا، فإن بايدن لم يكن صريحاً ضد الصين في هذا الشأن. وبدلاً من ذلك، ركز على الاستجابة المحلية للوباء، إلا أنه رغم ذلك سيكون قاسياً اتجاه بكين. وخلال مناظرة رئاسية، قال بايدن أن سيحاسب الصين، وسيجعلها تلعب وفقاً للقواعد الدولية. وفي حين أنه لم يقدم تفاصيل محددة، فمن المتوقع أن يتخذ الرئيس الأميركي الجديد نهجاً محسوباً يمكن أن يؤدي إلى نتائج.
تقوية الحلفاء المناهضين للصين
وعلى مدى السنوات الـ4 الماضية، تغيرت الديناميات في آسيا، ولوح ترامب بخفض عدد قواته هناك. ومع لجوء واشنطن إلى نهج الدفع مقابل الخدمة لحلفائها في شرق آسيا، فقدت الولايات المتحدة دورها القيادي. وإلى جانب ذلك، قوض ترامب الحليفين الآسيويين اليابان وكوريا الجنوبية من خلال بناء علاقات مباشرة مع دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وبفضل ذلك، انتقلت اليابان بالفعل من دورها السلمي بينما تخطط كوريا الجنوبية أيضاً لبناء ترسانتها من الأسلحة، الأمر الذي يقلل من الاعتماد على الولايات المتحدة.
إلا أنه من المرجح بدلاً من ذلك أن يعود بايدن إلى السياسة الخارجية التي فضلتها إدارة أوباما مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية، وسيكون دعم كلا الحليفين المهمين في المنطقة أمراً أساسياً لكسب المعركة ضد الصين. وعلاوة على ذلك، فإنّ الهند بلد آخر كان في صراع مباشر مع الصين، وأدى الاشتباك الدموي في منطقة لاداخ إلى توتر الأوضاع بين البلدين.
ومن المرجح أن تلعب الهند دوراً رئيسياً في مواجهة الصين، فقوتها العاملة وجيشها يتطابقان مع قوة الصين. وبدفعة بسيطة من الولايات المتحدة، يمكن أن تصبح الهند أهم حليف لها في المنطقة من الدول الأخرى. وبشكل أساسي، فقد تحدث بايدن بالفعل عن تعزيز الحلفاء ذوي القيم المماثلة لمحاصرة الصين، وهنا يمكن أن تلعب الهند دوراً كبيراً، ويقول الرئيس الأميركي الجديد: “العمل التعاوني مع الدول الأخرى التي تشاركنا قيمنا وأهدافنا لا يجعل الولايات المتحدة ورطة، بل إنه يجعلنا أكثر أماناً ونجاحاً. نحن بحاجة إلى تعزيز قدراتنا الجماعية مع الأصدقاء الديمقراطيين خارج أمريكا الشمالية وأوروبا من خلال إعادة الاستثمار في التحالفات مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتعميق الشراكات من الهند إلى إندونيسيا لتعزيز القيم المشتركة في منطقة ستحدد مستقبل الولايات المتحدة”.
الحرب ضد التكنولوجيا الصينية
ومما لا شكّ فيه أنّ الجانب الآخر للحرب الباردة ضد الصين كان التكنولوجيا. وواقعياً، تمارس بكين سيطرة أكبر على الشركات الصينية من خلال تقييد وحظر تصدير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وغيرها. وخلال فترة عهده، قام ترامب بتصنيف شركتي “هواوي” و “ZTE” كجواسيس لصالح الحكومة الصينية، كما منع وصولهما إلى السوق الغربية. وفي حين أنه فاز بهذه المعركة، فإن ترامب لم ينجح في التعامل مع شركة “ByteDance” التي تقف وراء تطبيق “تيك توك”.
وبشكل خاص، فقد كان هذا التطبيق الشهير تحت الفحص بشأن جمعه بيانات المستخدمين وإرسالها إلى الصين. وبينما أنكر “تيك توك” هذه الاتهامات، قدّم باحثو الأمن السيبراني الكثير من الأدلة على ذلك. ومع هذا، فقد قرر ترامب حظر تطبيق الفيديو في الولايات المتحدة لكنه لم يستطع، وحاول إجبار الشركة على بيع أعمال تيك توك في الولايات المتحدة لشركة أمريكية، إلا أنه لم ينجح في ذلك. وعملياً، فقد وافقت شركة ByteDance على بيع 20% فقط من أعمالها لشركة أمريكية.
وبدلاً من مواجهة شركات التكنولوجيا الصينية، يريد بايدن نهجاً تعاونياً من حلفاء الولايات المتحدة لمحاصرة التكنولوجيا الصينية وحماية شركات التكنولوجيا الأميركية، ويقول: “للفوز بالمنافسة من أجل المستقبل ضد الصين أو أي شخص آخر، يجب على الولايات المتحدة أن تشحذ قدرتها الابتكارية وتوحد القوة الاقتصادية للديمقراطيات في جميع أنحاء العالم لمواجهة الممارسات الاقتصادية التعسفية وتقليل عدم المساواة”.