على مدار 4 أشهر من غزو موسكو لأوكرانيا، ارتكبت القوات الروسية مذابح وانتهاكات كبيرة بحق المدنيين في بوتشا وماريوبول ومدن أخرى، مما أثار غضبا في جميع دول العالم، لكن توجد جريمة أخرى لا يتحدث عنها الكثيرون وهي: الاختفاء القسري لآلاف الأوكرانيين، واعتقالهم على يد الجنود الروس.
وتقول السلطات الأوكرانية والمدافعون عن حقوق الإنسان إن عمليات اختطاف القوات الروسية للمدنيين، هي تكتيك عسكري يهدف إلى ترويع المجتمعات وإضعاف معنويات المقاومة المدنية.
وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن من بين المختطفين: معلمة رفضت مطالب الجنود الروس بالتحدث بلغتهم، ومسعف متطوع يعتني بالجرحى في مدينة ماريوبول الساحلية، ووالد صحفية، لابتزاز ابنته لتوفير الوصول إلى موقع المنفذ الإخباري الخاص بها. وزعيم قرية اصطحب من مبنى حكومي وحقيبة على رأسه.
وأشارت الصحيفة إلى أن القوات الروسية ترفض الاعتراف بأنها اختطفت أشخاصا مدنيين وهم الآن أسرى، مؤكدة أن موسكو تستخدمهم أحيانًا للمقايضة بالجنود الروس المأسورين، أو لانتزاع المعلومات.
وتؤكد السلطات الأوكرانية أن مكان احتجاز الكثيرين غير معروف، فبعضهم قد يكون بمعزل عن العالم الخارجي، والبعض الآخر ربما مات.
وحتى الآن، سجلت الحكومة الأوكرانية ما لا يقل عن 765 حالة للاختفاء القسري. لكن الخبراء والمسؤولون يؤكدون أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
كانت الشرطة الوطنية الأوكرانية تلقت أكثر من 9000 بلاغ عن المفقودين منذ الغزو الروسي.
وقال أولكساندرا ماتفيتشوك، رئيس مركز الحريات المدنية في أوكرانيا، والذي وثق 459 حالة لمدنيين محتجزين منذ بداية الغزو، إن هذه الحالات “مجرد غيض من فيض”.
في نهاية شهر آذار، عندما أصبح من الواضح أن روسيا على وشك الاستيلاء على ميليتوبول. طلب بورياك، مسؤول حكومي في المدينة، من ابنه فلاد ترك جده، الذي كان طريح الفراش ويكافح السرطان، والهروب معه. وقال فلاد لوالده: “سأبقى مع جدي حتى النهاية”.
وبعد أسبوع تقريبًا، توفي جده. وعند محاولة فلاد الهروب من المدينة قبضت عليه القوات الروسية بعد أن عرفت أنه ابن أحد المسؤولين بالمدينة.
وبدأ بورياك على الفور في الاتصال بجميع أصدقائه والتقى بسلطات رفيعة المستوى، طالبًا المساعدة في ترتيب تبادل الأسرى، والذي قال الجنود الروس إنه السبيل الوحيد لتأمين إطلاق سراح فلاد. لكنه قال إن المحادثات مع موسكو لم تؤد إلى شيء.
على بعد 300 ميل إلى الشمال من المكان الذي تم نقل فلاد إليه، تمكنت فيكتوريا أندروشا، وهي معلمة تبلغ من العمر 25 عامًا، من إرسال رسالة نصية أخيرة إلى أختها: “لقد مروا (القوات الروسية) للتو في الشارع”.
بعد فترة وجيزة، اقتحم الجنود الروس منزلها، واتهموها بتبادل المعلومات الاستخبارية مع الجيش الأوكراني وألقوا باللوم على نصوصها في سقوط قتلى من الروس. وأثناء استجوابها بالبنادق، طلبوا منها أن تتحدث الروسية، لكنها رفضت. وقالت أندروشا للجنود: “لا نتحدث بلغتكم. نحن على أرضنا، أنت غير مرحب بك هنا”.
من جانبه، قال يوري بيلوسوف، رئيس الادعاء الأوكراني لانتهاكات حقوق الإنسان، إن السلطات فتحت أكثر من 13 ألف تحقيق في جرائم حرب محتملة، وهو جهد غير مسبوق خلال صراع دموي ومستمر، مشيرا إلى أنه تم تسجيل ما يقرب من 800 حالة اختفاء قسري.
وذكر بيلوسوف أن الجنود الروس اختطفوا 70 أوكرانيًا من منازلهم على الأقل وأبقوهم في قبو لأسابيع.
ويقول المسؤولون والمنظمات غير الحكومية إنهم يكافحون من أجل مواكبة تدفق حالات الاختفاء المبلغ عنها، ويؤكد بعض الخبراء أن نظام العدالة الجنائية الأوكراني غير مستعد للتعامل مع العدد الهائل من القضايا.
ولفت نشطاء ومسؤولون إلى أنه تم نقل العديد من الأشخاص المفقودين إلى روسيا أو الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، مما يجعلهم بعيدًا عن متناول السلطات الأوكرانية.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة في أوكرانيا في بيان الشهر الماضي، أنها سجلت 210 حالات اختفاء قسري منذ بداية الحرب. ووجد المحققون أن الضحايا عادة ما يتم اختطافهم من منازلهم أو أماكن عملهم أو عند نقاط التفتيش.
وأشارت إلى أنه غالبا ما يتم نقلهم إلى أماكن احتجاز غير آدمية وبمعزل عن العالم الخارجي، مثل المدارس والمباني الحكومية والمستودعات والحظائر ومراكز الشرطة. وقالت البعثة إنه بعد أيام أو أسابيع من الاحتجاز، تم نقل العديد من الضحايا إلى روسيا، أو المناطق التي تسيطر عليها روسيا مثل شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونيتسك ولوهانسك.
ونفى المسؤولون الروس في الماضي تقارير عن عمليات خطف وخلع قسري، ووصفوا استخدامهم المزعوم لمعسكرات التصفية بأنه “كذبة” وألقوا باللوم على الأوكرانيين في إلحاق الضرر بالمدنيين.
وقالت تيتيانا بيشونشيك، مديرة منظمة “ZMINA” الحقوقية في كييف، إن غالبية حالات الاختفاء التي سجلتها جاءت من مناطق محتلة من روسيا أو تم تحريرها مؤخرًا، مثل زابوريزهزيا وخيرسون وكييف.
وأكدت بيشونتشيك أن القوات الروسية تستهدف المدنيين البارزين المعارضين للغزو من صحفيين ونشطاء ومتطوعين إنسانيين ومسؤولين محليين.
وأضافت: “لماذا؟ لكسر المقاومة المحلية. لقد رأى الروس مدى قوة المدنيين الأوكرانيين في معارضة الحرب ولذا فقد اختاروا أشخاصًا محددين لإرسال إشارة لتخويف الناس ووقف المقاومة”.
المصدر: الحرة