عرب وعالم

الحشد التركي على حدود سوريا.. أنقرة في موقف “معقد” بين واشنطن وموسكو

في ظل حشد تركيا لقواتها على الحدود مع سوريا، أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مجدداً في لقاء مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأحد، معارضة بلاده للدعم الذي توفره واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية السورية، ما أدى إلى تساؤلات حول احتمالية هجوم تركي موسع جديد.

وتعتبر واشنطن قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تشكّل الوحدات عمادها العسكري، حليفاً في الحرب ضد تنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا، بينما ترى تركيا، “قسد”، امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي صنفته واشنطن وأنقرة على أنه منظمة إرهابية.

وفي مقابلة مع قناة “الحرة”، الاثنين، قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، “نحن بالتأكيد ننظر إلى إمكانية تنفيذ تركيا لعملية عسكرية”، كما فعلت خلال السنوات السابقة، متوقعا أن تشن أنقرة عمليتها “شمال شرق سوريا.. أو في شمال الغرب بالقرب من حلب، وهذه منطقة تبعث بالقلق بالنسبة للأتراك”.

وتوقع المسؤول الأميركي السابق أن أي حركة لأنقرة في اتجاهات معينة قد تضعها في موقف “معقد” للاشتباك مع القوات الأميركية أو الروسية.

“عملية معقدة”
وقال جيفري إن “أي حركة في شمال شرق سوريا سواء شرق أو غرب المنطقة الموجودة فيها تركيا الآن، والتي مكثت فيها منذ تشرين الاول 2019، سيدفع القوات التركية إلى الاشتباك مع القوات الأميركية، وليس هذا فقط، بل القوات الروسية الموجودة شرق وغرب القوات التركية الموجودة هناك وهذا يمثل تعقيدا آخر”، مؤكدا أن “هذه عملية معقدة جدا” بالنسبة للقوات التركية.

واستبعد جيفري، تماما أن يكون إردوغان حصل على “ضوء أخضر” من بايدن خلال اجتماعهما في قمة دول مجموعة العشرين في إيطاليا، الأحد.

وقال إنه “لا يوجد أي شك في أن إردوغان لم يحصل على أي شيء مرض من الرئيس بايدن”.

وعزا جيفري ذلك إلى أن “الولايات المتحدة موجودة في شمال شرق سوريا ولا يمكن أن تتخلى عن شراكتها مع ‘قسد’ لأنها فعالة جدا ضد داعش وعناصره الإرهابيين الذين لا يزالون يشكلون تهديدا”.

وتريد تركيا نقل قسم من 3,6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها إلى “منطقة آمنة” ترغب في إقامتها في محاذاة حدودها مع سوريا.

وحول إن كان من الممكن أن تكون هناك مساومة تقوم بها تركيا على حساب الأكراد، قال جيفري: “لا أرى الولايات المتحدة في أي ظرف من الظروف تقوم بعملية مقايضة. الرئيس بايدن يعرف الملف جيدا منذ 2016 ولا أراه يعطي ضوءاً أخضر لتركيا كي تتحرك”.

“إزعاج خطير”
ويشير إيلان بيرمان، نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية، والخبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أنه “من الواضح أن استمرار دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب لا يزال مصدر إزعاج خطير في العلاقات التركية الأميركية”.

ويوضح أن “المشكلة قديمة، وهي مستمدة من قرار إدارة (باراك) أوباما دعم الأكراد في كفاحهم ضد داعش بدلا من الاستثمار في نهج عسكري مباشر منذ البداية. ورثت إدارة (دونالد) ترامب هذه السياسة وواصلتها، حتى مع توسيع نطاق القتال ضد داعش”.

ويرى بيرمان أن “الأكراد ضروريون لواشنطن لأن الولايات المتحدة تريد منع عودة داعش في سوريا، واحتواء مشكلة المقاتلين الأجانب وكذلك اللاجئين هناك، وهي نقاط احتكاك رئيسية بين واشنطن وأنقرة”.

“تم احترام التعهدات”
ويعتقد محللون أن تركيا تسعى لشن هجوم في شمال سوريا قد يستهدف قوات “قسد”، بعد أن أعلنت ولاية غازي عنتاب التركية تعرض قرية قرقميش الحدودية لقصف بقذائف صاروخية قيل إن مصدرها المناطق الخاضعة لسيطرة “وحدات حماية الشعب” (الكردية) في منطقة عين العرب (كوباني)، وهو ما نفته الأخيرة ببيان نشرته “قوات سوريا الديمقراطية”.

لكن جيفري يقول إن الهجمات على الأتراك في غازي عنتاب حدثت من شمال غرب سوريا وليس من شمال شرق سوريا، مضيفا أن “أكراد قوات سوريا الديمقراطية أعطوا ضمانات بأنه لن تكون هناك هجمات من شمال شرق سوريا على تركيا وتم احترام هذه التعهدات”.

وأضاف أن “تركيا قامت بعدة ضربات ضد أهداف تصفها بالمتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني في شمال شرق وغرب سوريا في السنوات الماضية وهذا جزء من الردود الانتقامية”.

وتابع “أحيانا قوات قسد تهاجم القوات التركية في شمال الشرق وما بين رأس العين وتل عمر بالقرب من الحدود التركية، لأن هذه مناطق محتلة لكنها هجمات محدودة.. هل نتحدث عن هجمات أكبر؟، بالتأكيد الأتراك حشدوا قوات تركية وقوات معارضة سورية كما فعلوا في آخر توغل في 2018 ولكن لا نعرف الآن ما هي نوايا تركيا”.

لكن جيفري يستدرك “أنا متأكد من أن الرئيس بايدن حذر إردوغان من أي عملية قد تعقد الأمور، وأنه لم يعط أي ضوء أخضر كي يتصرف في شمال شرق سوريا”.

وتظاهر آلاف الأكراد، السبت، في مدينة القامشلي تنديداً بالوجود التركي في المنطقة، وفق ما أفاد مراسل فرانس برس.

وردد المتظاهرون “لا للاحتلال التركي” وذلك بعد انتشار قوات تركية وفصائل موالية لها في مناطق كانت خاضعة للإدارة الذاتية الكردية في أعقاب الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا ووقف إطلاق النار في ضوء اتفاقين مع موسكو وواشنطن.

“لن تكون كسابقاتها”
وإذا نفذت تركيا هجوما جديدا على قوات “قسد” فإنه سيكون الرابع من نوعه في حوالي خمس سنوات، بعد 2016 و2018 و2019، لكن هذه المرة “لن تكون كسابقاتها”، بحسب ما أكده المبعوث الأميركي السابق لسوريا.

وأضاف جيفري أن “آخر مرة حدثت فيها في 2019، الولايات المتحدة أوقعت عقوبات اقتصادية أساسية على اثنين من القادة الأتراك وهي ستستمر في هذا النهج إلى أن توافق تركيا على وقف إطلاق النار والذي وافقت عليه في 17 تشرين الاول”، مؤكدا أن “تركيا ليست على نفس الحالة التي كانت عليها في 2019، وهي مكشوفة للأفعال والإجراءات التي يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يتخذوها”.

“إذن من واشنطن وآخر من موسكو”

هناك سبب آخر يدعو جيفري إلى صعوبة إقدام تركيا على الهجوم مجددا على شمال شر ق سوريا، وهو تواجد كل من القوات الأميركية والقوات الروسية شرق وغرب القوات التركية الموجودة هناك.

وقال “أي تحرك للقوات التركية في شمال شرق سوريا وكما كان الحال في 2019 ستعارضها الولايات المتحدة بقوة وأيضا روسيا ستعارضها بقوة، لأن لديها قوات هناك أيضا وهذا لم يكن واقعا في 2019″، مضيفا أن تركيا الآن “تحتاج إلى إذن للعمل في هذه المناطق من الروس الذين لديهم بعض القوات على الحدود الآن”.

وأكد جيفري أن “هناك تعاونا مستمرا على الأرض بين القوات الأميركية، وأحيانا دبلوماسيين أميركيين، وبين قيادة ‘قسد’ ومعظمها من الأكراد، أنا متأكد أن هناك تبادلات بشأن إمكانية التوغل التركي”.

وبينما يشير بيرمان إلى أنه ليس من الواضح كيفية الرد الأميركي إذا قررت تركيا فعلا الهجوم على شمال شرق سوريا، فإن المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، أكد الاثنين، أن عناصر قوات سوريا الديموقراطية “قسد” هم شركاء الولايات المتحدة في القتال ضد داعش في سوريا، وأن واشنطن تأخذ هذه الشراكة على محمل الجد.

وامتنع كيربي عن التعليق على التقارير بشأن عملية عسكرية تركية محتملة ضد “قسد”.

وأشار المتحدث إلى أن التعاون مع “قسد” سيتواصل، مجددا التأكيد على حق القوات الأميركية في سوريا، أو أي مكان في العالم، في الحماية والدفاع عن النفس، مضيفا أن القوات ستستخدم هذا الحق إذا تتطلب الأمر ذلك.

وأفاد مراسلان لوكالة فرانس برس أن وفدا عسكريا أميركيا تفقد السبت مواقع للمقاتلين الأكراد قرب القامشلي في شمال شرق سوريا، وذلك رغم إعلان واشنطن سحب قواتها من هذه المنطقة.

وقال المراسلان إنهما شاهدا أربع مدرعات ترفع العلم الأميركي تدخل مركز قيادة قوات سوريا الديموقراطية في القامشلي والذي طُليت بوابته بألوان علم وحدات حماية الشعب الكردية، إضافة إلى مركز لوحدات حماية الشعب وموقع لقوات الأمن الكردية (الأسايش) في القامشلي.

ويأتي ذلك بعد يومين من تسيير القوات الأميركية دورية من قاعدتها في مدينة رميلان في محافظة الحسكة وصولاً إلى بلدة القحطانية، بمواكبة عناصر من قوات سوريا الديموقراطية.

الحرة

مقالات ذات صلة