“راجمات” نحو بكركي؟
لا جدل على الإطلاق أن اللبنانيين، جميع اللبنانيين، متفقون على أن إسرائيل دولة غاصبة وعدوة وتتربص بلبنان شرًا مستطيرًا، في كل لحظة وعند كل مفرق طرقات، وهي الدولة التي لا ينام فيها مسؤولوها العسكريون والمدنيون، على حدّ سواء، قبل أن يروا لبنان بصيغته الحضارية منهارًا كليًّا ومقطّع الأوصال ومشرذمًا وضعيفًا ومنقسمًا على ذاته.
بعد الحرب التي أُطلقت عليها تسميات عدّة، ومن بينها “الحرب الأهلية” و”الحرب اللبنانية – اللبنانية” و”حرب الآخرين على أرض لبنان”، بات جميع اللبنانيين، بمن فيهم من كان يُتّهم بالتعامل معها، على قناعة تامة بأن إسرائيل هي عدّوة لبنان الأولى والأخيرة، وهو ما شكّل القاسم المشترك بينهم، والذي لم يُستفد منه على مرّ السنين توصلًا إلى إقرار إسترايجية دفاعية واحدة وموحدة تجمع اللبنانيين بدلًا من أن تفرّقهم. فمنذ أن رفع الرئيس الشهيد رفيق الحريري لواء الدفاع عن المقاومة لدى المحافل الدولية في ما سُمّي آنذاك بـ”إتفاق نيسان”، كان جدال لم يُحسم حتى يومنا هذا، حول هوية لبنان المتأرجحة خياراته بين اللبنانيين، الذين يريد قسم منهم لبنان على شاكلة “هانوي”، فيما يريده آخرون على شاكلة “هونغ كونغ”، مع العلم أن “إتفاق نيسان” كان واضحًا لجهة ضمان عدم قيام “المجموعات المسلّحة في لبنان بأي هجمات بصواريخ “الكاتيوشا”، أو أي نوع آخر من السلاح إلى داخل إسرائيل”، مقابل عدم قيام “إسرائيل والمتعاونين معها بإطلاق أي نوع من السلاح على المدنيين، أو الأهداف المدنية في لبنان”، مع إلتزام الطرفين “التأكد من عدم كون المدنيين هدفاً للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات، ومن دون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس”.
ومنذ ذلك التاريخ، أي في نيسان من العام 1996، لم يصَادف أن إتفق اللبنانيون على توحيد رؤيتهم حول قرار “السلم والحرب”، وحول مشروعية عمل المقاومة وضرورة حصر السلاح في يد القوى المسلحة اللبنانية دون غيرها، وبقيت المواقف على تباينها بين مؤيد وداعم لعمل المقاومة في الجنوب، بإعتبارها الوسيلة الوحيدة لردع إسرائيل “التي أصبحت تخشى القيام بأي عمل عدواني”، على حدّ ما أكد عليه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، وبين رافض لحصر قرار “الحرب والسلم” بيد “حزب الله”، الذي يمتلك وحده السلاح، الذي يقول إنه “بهدف الدفاع عن لبنان”.
فما صرّح به البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي في عظة الأحد، يردّده على الأقل نصف اللبنانيين، وكان حري أن يشكّل هذا الموقف مادّة لحوار عميق وهادىء ورصين وهادف بين كل المكونات السياسية، على رغم أن تجربة طاولات الحوار، سواء تلك التي إنعقدت في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان أو تلك التي إنعقدت في عين التينة بدعوة من الرئيس نبيه بري، لم تؤدِّ إلى أي نتيجة.
وقد عبر رئيس الحزب الإشتراكي الديمقراطي وليد جنبلاط عن الفئة الثانية من اللبنانيين ومن غير المسيحيين، حين قال: “كنت اتساءل عن الجريمة التي ارتكبها البطريرك الراعي اذ ذكّر باتفاق الهدنة فانهالت عليه راجمات الشتائم من كل حدب وصوب. واذكر بالاستراتيجية الدفاعية التي ناقشناها مع الرئيس ميشال سليمان ثم اجهضت. يبدو انه ممنوع ان نناقش أي شيء خارج الادبيات لجماعة الممانعة. جو ديمقراطي بامتياز”.
فبدلًا من “تكفير” البطريرك الماروني كان حري بالفريق الأول المؤيد لعمل المقاومة طرح هذه الجدلية على بساط البحث العقلاني بعيدًا عن الغرائز والعصبيات، وذلك توصلًا إلى ما يخدم القضية اللبنانية، بإعتبار أن أي دعسة ناقصة في هذا التوقيت بالذات، حيث الوضع الإقتصادي اللبناني “في الأرض”، وحيث لا قدرة للبنانيين على تحمّل المزيد من الأعباء،قد يقودنا جميعًا إلى ما لا تُحمد عقباه، لأن “اللهً لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚلَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا”.
lebanon24