تفاقم أزمة المحروقات.. ومخاوف من فلتان أمني!
كتبت إيناس شري في “الشرق الأوسط”:
أثار اعتراض صهاريج نقل المحروقات وآليات نقل المواد الغذائية في شمال لبنان ومصادرة محتوياتها، قلقاً أمنياً دفع المعنيين إلى التحذير من تدهور الأوضاع.
وتكررت حوادث اعتراض الآليات والصهاريج خلال الأيام الأخيرة في أكثر من منطقة شمالية بحجّة أنها تهرّب المحروقات إلى سوريا بينما المواطن اللبناني يبحث عن هذه المواد ولا يجدها. ويشير مصدر عسكري إلى أنّ القوى الأمنية في لبنان تتوقّع ارتفاع نسبة هذه الحوادث تماما كالسرقات والجرائم، مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط»: «عادة ما يتمركز الجيش في المناطق التي تحصل فيها مشاكل أمنية، حيث يتمّ إرسال عديد أكبر، لكنّ الحال اليوم أنّ الأحداث في كل المناطق والعديد لا يكفي للمهمات الواسعة المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية والتي تعود أسبابها بشكل أساسي إلى الوضع الاقتصادي».
ويشير المصدر إلى أنّ هناك جهودا حثيثة تبذل على صعيد مكافحة التهريب إذ يتم بشكل دائم توقيف مهربين ومصادرة كميات من المحروقات المهربة ولكن ما يبذل هو ضمن الإمكانات المتاحة والتي لا تعتبر كافية.
وكانت مجموعة من الشبان أوقفت أول من أمس شاحنة محملة بالحليب ووزعته على المارة على طريق حلبا – عكار، وقبلها بيوم واحد عمد محتجون على توقيف أحد الصهاريج المحملة بالبنزين على طريق عام المحمرة – العبدة وقاموا بملء الغالونات وتوزيعها مباشرة على الناس.
ويشير مصدر ميداني في الشمال لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ سبب الهجوم على الصهاريج هو الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان بشكل عام ومنطقة الشمال بشكل خاص، «فالمواطن بات مستعدا لفعل أي شيء من أجل الحصول على صفيحة بنزين أو علبة حليب لأبنائه الأمر الذي يتسبب دائما بمشاكل في ظلّ الفوضى الحاصلة وغياب مؤسسات الدولة».
ويصف رئيس اتحاد بلديات الدريب الأوسط عبود مرعب هذه الحوادث بالخطرة جدا، مشيرا إلى أنها تتكرّر كلّ يوم وأنّ الوضع قد يتجه إلى الأسوأ لأنّ المواطنين وصلوا إلى مرحلة صعبة وفي ظلّ الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشونه لا يؤمنون بالدولة.
وأشار مرعب في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ بلديات المنطقة ليس لديها القدرة على ضبط الوضع ولا منع التدهور الأمني في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، لذلك لا بدّ من بذل الجهود لمنع الوصول إلى ما هو أسوأ. ويشير إلى أنّ بلديات المنطقة اجتمعت بشكل طارئ حتى لا تؤدي هذه الحوادث وأزمة المحروقات إلى أي شكل من أشكال التقاتل أو المشاكل الأمنيّة يكون فتيلها اجتماعياً معيشياً، واصفاً الوضع بأنه «بات صعبا على الجميع»، موضحا أنّ البلديات أبقت على اجتماعاتها مفتوحة.
ويرى عضو لجنة الدفاع الوطني والداخلية النيابية النائب وهبه قاطيشا أنّ ما يحصل حاليا في ما خصّ المواد المدعومة لم يعد يصحّ أن نطلق عليه صفة «التهريب» فهو إلغاء للحدود مع سوريا غير مقبول، معتبرا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ المواطن الذي بات يعيش تحت وطأة الفقر وفقدان المحروقات والأدوية التي تهرب إلى سوريا أخذ على عاتقه محاربة التهريب بيده في ظلّ غياب الدولة.
ويشير قاطيشا إلى أنّه ليس من السهل أن يرى المواطن صهاريج وشاحنات تهرب مواد مدعومة من ماله ليستفيد منها شعب آخر بينما هو يعيش في كنف دولة تتعامل وكأنها غير مسؤولة عن الحدود أو عن تأمين الأساسيات له، متوقعا أن تزيد هذه الحوادث والإشكالات الأمنية ما دامت الدولة غائبة.
وفي حين يصرّ المواطنون الذين يصادرون هذه المواد على أنها تهرّب إلى سوريا، وأنّه بات من واجبهم منع التهريب بالقوّة بعد تقاعس الدولة، يرى بعض المواطنين في المنطقة نفسها أنّ الصهاريج التي يتمّ السطو عليها ليست صهاريج تهريب محروقات أو مواد غذائية مدعومة، وأنّ ما يحصل هو تلطي المحتجين خلف حجة التهريب من أجل الحصول على بضعة لترات من المازوت أو البنزين أو حتى قد يكون بعضهم مدفوعاً من أحزاب معيّنة في المنطقة بهدف تصوير أزمة المحروقات الحالية على أنها أزمة تهريب وتحويل الغضب ضدّ اللاجئين السوريين في المنطقة.
وفي هذا الإطار، يقول أحد المواطنين لـ«الشرق الأوسط» إنّ جميع أبناء المناطق القريبة من الحدود السورية وتحديدا في عكار يعلمون أنّ التهريب يجري عن طريق «الغالونات» وفي مناطق يعرفها الجميع تحوّلت إلى ما يشبه السوق إذ إنّ التاجر من الجانب اللبناني يبيع صفيحة البنزين التي لا يتجاوز سعرها الـ50 ألفا مقابل 240 ألفا لتعاد وتباع في الداخل السوري، مضيفا أنّ بعض الذين يسطون على هذه الصهاريج يعيدون تهريب ما يسطون عليه بالمفرّق.
وتعيش منطقة عكار أزمة بنزين ومازوت حادة جدا بدأت قبل المناطق الأخرى، ويتخوّف المواطنون من أنّ تتخذ بعض الشركات الموزعة حجة الاعتداءات على الصهاريج لعدم إيصال المازوت والبنزين إلى المنطقة وتزيد الأمور تعقيدا.