في لبنان: سرقات… عبر التنويم المغناطيسي؟
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
ثمة أخبارٌ يتناقلها اللبنانيون على أنها حقيقة و”يرتعبون”. وهناك من ينفون هذه الأخبار جملة وتفصيلاً ويضحكون على سارديها. وهناك من يبصمون “بالعشرة” أن مخيلات اللصوص واسعة واستخدام التنويم المغناطيسي في سرقات، تحت عين الشمس، يحصل. نخاف؟ نضحك؟ نصدق؟ ما يحصل في لبنان يمنعنا من أن ندير الأذن الطرشاء الى أي “خبرية” فالبلد يعاني الكثير. وفي الأزمات يُصبح كل شيء مباحاً. لكن، بعيداً من القيل والقال: هل التنويم المغناطيسي يُمارس فعلاً لا قولاً في السرقات؟
تناقل اللبنانيون قصة فتاة اقتحم لصّ غير ظريف المحل الذي تعمل فيه، وبانت أمام الكاميرا التي التقطت الحادث: “مسطلة”! وكل الترجيحات “الشعبية” راحت في اتجاه أن السارق قام بتنويمها مغناطيسياً. هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها. ثمة سرقات كثيرة حدثت في لبنان، في الأعوام القليلة الماضية، قيل إنها نُفذت بتنويمٍ مغناطيسيّ.
ليس سهلاً طبعاً أن يصدق إنسان واعٍ أن أحداً ما قد يقف قبالة إنسان ما ويقول له: “أبرا كدابرا” فينتقل بالإدراك الى دنيا أخرى. لكن، هناك من يصدقون ذلك. وهناك من قال إن قوى الأمن الداخلي قبضت في العام 2015 وفي الـ2017 على مثل هؤلاء اللصوص. مصدر في قوى الأمن الداخلي يضحك لهذه “الخبرية” ويقول: “وكأن الناس يقيمون الأموات من المقابر. وينبشون حوادث لم يثبت أنها نتجت عن تنويم مغناطيسي”. يراجع المصدر المعلومات الجديدة ويجيب: “لا صحة حالياً لما يُقال. ولا شيء يُثبت أن الأشخاص الذين لم يستطيعوا مواجهة اللصوص واستجابوا لهم “وقعوا” تحت تأثيرالتنويم المغناطيسي”. ويستطرد المصدر بالقول: “ربما ما يحدث نوع من “خفة حركة” أو ربما هي مادة مخدرة يستخدمها السارق، لكن لا صحة أن ما يحصل مرده الى التنويم المغناطيسي”. وماذا عن أرقام حالات السرقات الجديدة؟ هل تضاعفت عمّا كانت عليه قبلاً؟ يجيب: “هناك من يستفيد بالطبع من الحال التي وصلت إليها البلاد من أجل ممارسة السرقة. وهناك كثير من الأجانب في البلاد يعانون أسوة باللبنانيين من الفقر المدقع ويقومون بسرقات بسيطة وكبيرة. لكن الأكيد أن “غالبية اللصوص عندهم “سوابق” ويستغلون الوضع”.
نعود الى أرقام جرائم السرقات التي نشرتها “الدولية للمعلومات” بين العامين 2019 و2020، فنجد أن “المؤشرات الأمنية سجلت في العام 2020 إرتفاعاً كبيراً مقارنة بالمؤشرات التي سجلت في العام 2019، فقد ارتفعت هذه الجرائم بنسبة 57,4 في المئة كما أن جرائم القتل ارتفعت 91 في المئة. وفي مقارنة بين شهري كانون الأول في العامين 2019 ووكانون الثاني 2020 يتبين وجود ارتفاع يقارب الـ 65 في المئة في نسبة السرقات. ففي كانون الأول من العام 2020 حصلت 282 حالة سرقة مقابل 171 حالة سرقة في كانون الأول 2019.
ها نحن قد دخلنا سنة جديدة أشبه بجهنم حقيقية. وطبيعي أن يرتفع هذه السنة هذا النوع من الجرائم كثيراً. وطبيعي أن تتّسع مخيلات السارقين أكثر فأكثر. لكن، هل يمكن إدراج التنويم المغناطيسي في خانة هذه المخيلة الواسعة؟
مدرّب البرمجة اللغوية العصبية روني مطر شاهد بدوره فيديوات تنقل عمليات سرقة حدثت على ما قيل من خلال التنويم المغناطيسي، لكنه ينفي أن يكون هذا ما قد حصل فعلياً، ويقول: “الجواب على أي سؤال يُطرح ما إذا كان اللصوص قادرين على فعل ذلك هو: “لا” وبالقلم العريض”. ويشرح: لو كان التنويم المغناطيسي مجدياً على هذا الشكل لكان استخدمه البعض في التأثير على أكبر شريحة من الناس، وجعلهم يمشون كما يشاؤون “على رأس المنوّم”.
لكن، هناك تسجيلات تشي ان ما يحدث مع المسروقين “غريب عجيب”، فهم فقدوا في حوادث كثيرة كل الإدراك وعمدوا الى إعطاء السارقين كل ما في حوزتهم بلا أي مواجهة وبرضى كلي؟ يجيب: “لا يمكن تنويم أي إنسان إلا برضاه. ويحتاج ذلك الى وقتٍ وأخذ وعطاء وقبول. ومن يسرقون المحال يعرفون بلا أدنى شك أصحابها في شكل وثيق، ولدى هؤلاء ثقة باللصوص. وبالتالي، وبتفسيرٍ أدق، قد يتحقق التنويم المغناطيسي فقط إذا كان السارق يعرف من يسرق، وحين يسمع صوته أو يقول له “مرحبا” يؤثر فيه ويصبح أكثر قبولا للسماح له بالسيطرة عليه. وما عدا ذلك لا يمكن أن يتم التنويم المغناطيسي كما يشاع في دقيقة أو دقائق”.
حتى في حالات المعرفة السابقة، لا يمكن تمرير هذا النوع من التنويم المغناطيسي على الجميع. فليرتح المواطنون الخائفون من الوقوع بين براثن السارقين من خلال التنويم المغناطيسي لأن ذلك لن يحصل.
هل علينا أن نستبعد إذا كلياً دور التنويم المغناطيسي في سرقات قدم أصحابها شهادات بأنهم وقعوا في لحظات تحت سيطرة السارقين؟ يجيب مطر: “حتى الشخص الذي يدرس ضحاياه جيداً قبل الإنقضاض عليهم ودخول موقع السرقة، لن يكون مرتاحاً ويتوصل الى مراده إذا لم يكن لدى الشخص العرضة للسرقة إستعداد لذلك”. لا جامعات في لبنان تُدرّس التنويم الإيحائي إنما هناك من يقدم دورات في هذا الإطار. وهذا النوع من التنويم يستخدم في كثير من العلاجات. روني مطر يمارس بدوره هذا النوع من التنويم المغناطيسي الإيحائي ويقول: “علينا كمدربين خلق حال من الإسترخاء لدى الآخر، وهذا الآخر هو الزبون الباحث عن علاجات، ويتبع ذلك خلق الثقة والراحة. في كل حال التفسير العلمي للتنويم المغناطيسي معناه السيطرة الفعلية عليه. والوقت اللازم لذلك يُحدده مدى استعداد “الزبون” للخضوع لهذه السيطرة. وقد يقتضي ذلك أياماً أو أكثر. تبعاً للضغوط النفسية التي يخضع لها الزبون. ويستطرد بالقول: لا يمكن لأيٍّ كان حتى الخبراء أن يفعلوا ذلك إذا رفض المرء (الزبون) ذلك. فهناك أشخاص يأتون من أجل خسارة الوزن أو التخلص من التدخين أو الأرق. وذلك من خلال التنويم المغناطيسي. وإذا لم يأتِ هؤلاء من تلقاء أنفسهم وقناعاتهم لن ينجح معهم ذلك”.
كيف ينجح هذا النوع من التنويم مع امرأة تنوي خسارة الوزن الزائد؟ يجيب مطر: “إنها تتعلم من خلال التنويم المغناطيسي الإيحائي ماذا تأكل؟ وكيف تأكل؟ وكيف تتراجع عن نيتها بتناول الطعام حين تدخل الى المطبخ. وبذلك تصل الى حالة مختلفة. ومثلها من يدمنون على التدخين. ومن لا يأتون من تلقاء أنفسهم من أجل تحقيق ذلك لا أعمل معهم”.
التنويم المغناطيسي علم قائم في ذاته وموجود لكنه لا يكون على قاعدة “كن فيكون”. لذا يُستبعد كلياً أن يكون السارق يقوم بتنويم ضحاياه بكبسة زر.
إحتار العالم في حالهم. والهموم الكثيرة بددت في أحياة كثيرة لغة العقل في مواضيع شتى وعززت المخيلات في مسائل أمنية مرجحة للتفاقم في الأيام المقبلة.
نعود الى الناس، لنسمع لغتهم، فنلاحظ إصراراً من بعض هؤلاء، ممن “أكلوا الضرب” تحديداً، على الجزم بأنهم فقدوا كل الإدراك في سرقاتٍ تعرضوا لها. وباتوا مثل “الروبوت” أمام السارقين. نسمع هؤلاء يتحدثون عن Covert hypnosis و Sheet hypnosis للقول إنهم خضعوا بالفعل الى هذا النوع من التنويم المغناطيسي. فهناك التنويم الخفي الذي يراد من خلاله التواصل مع العقل اللاواعي لدى شخص ما من دون إخباره بأنه سيتم تنويمه مغناطيسياً، بهدف إجباره على تغيير سلوكياته من دون وعي. ويبدو أن هناك جدلاً حول هذا النوع كونه يناقض كلياً كلام الخبراء في موضوع التنويم المغناطيسي الإيحائي. هذا التنويم هو سري، أراد الشخص أم لم يرد، ويثير فيه كثيراً من الإرتباك والتعب والإنتباه الموجه والجمل المتقطعة. وهو ما يُشبه لغة الباعة الذين يتحدثون الى العملاء عندما يكونون متعبين. فالتعب يخفض من حالة التفكير النقدي. لهذا ربما يُفضل استجواب المتهمين بعد حرمانهم من النوم.
خبراء التنويم المغناطيسي ينفون تأثير هذا العمل على من لا يريد التأثر به، في حين من اختبروا هذا العمل يؤكدون العكس. فمن نصدق؟ العلم أكثر قابلية للتصديق من اللغة الشعبية لكن الناس لا يريدون التصديق، وبينهم أسماء وأسماء أكد اصحابها على وقوعهم في الفخ. والحال؟ كونوا متيقظين جداً خصوصاً في الايام المقبلة فنحن دخلنا في متاهات العوز الكبير الذي سيؤدي الى سرقات كثيرة. وكلما اشتدّ العوز إتسعت المخيلة.