بانتظار التغيير سلطة طرشاء وشعب ثائر ووضع كارثي يحتاج إلى تحصين
لا يختلف اثنان على صوابية واحقية المواقف التي يتخذها الحراك والثوار، ولا على صدق صرختهم وما يدلون ويرفعون به الصوت في كل موقع يحتشدون فيه ويصرخون وجعا وقهرا وظلما وتظلما، وهذا أمر بديهي. كما يشكل الصوت الصادق في خلال كل المسيرات والاعتصامات والسلوك الاحتجاجي حالة صلبة تحظى باحترام المتابعين من الذين يؤيدون حراكهم أو لا يفعلون.
وقد شكلت الشخصيات من بين المحتجين التي استمع اليها اللبنانييون علامة راسخة في ضمير الناس وعقولهم. واليوم بات مؤكدا أن السلطة صارت بنتيجة كل ذلك معزولة معنويا عن الشعب فهي اليوم في مكان والشعب في مكان آخر. وبالتالي فإنه لا أحد في لبنان (من عامة الشعب) يقرأ في كتاب السلطة، وربما لا أحد يقرأ في كتاب الموالاة والمعارضة. فالجوع والفقر والعوز وبوادر اختفاء الطبقة التي لا تحتاج إلى مساعدة تطغى لتشكل حالة انفصال كامل بين الشعب والحكم. نعم فثمة أوراق تين لا تزال تبقي على مواقف المنضوين في التيارات والأحزاب كافة وعلى شيء من الصمت في العلن، ولكن الموقف اللبناني الجامع يجمع كل الفئات على الإقرار بشمولية الخسائر، يعني أن كل الفئات في لبنان ظلمت وافقرت وسرق مالها العام ثم مالها الخاص.
ثم إن الشعب اللبناني كله ثائر ولكن ثمة من يختار الشارع وثمة من يختار التواصل الإجتماعي وثمة من يلعن التاريخ والفساد وأهله.. ولكن!.
اي مستقبل للحراك والثورة بشكلها الحالي في لبنان؟ هل ان القائلين بأن الثورة كالنهر الجارف تنطلق ولا تتوقف إلا بعد أن تأخذ كل الفاسدين إلى البحر وان ما يحصل حاليا من فورات متقطعة لا يمكن ان يكون ثورة غير محقين؟
فماذا عن تفاقم الأزمة الاقتصادية؟ وماذا عن تأثيرات إقفال الطرقات والأسواق على ما تبقى من حركة تمولها مصادر محدودة لعل منها رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص والمبالغ الموجودة في المنازل من العملات الصعبة وأموال المغتربين التي تتراجع قيمتها والمبالغ التي تدفع بها الجمعيات الأجنبية غير الحكومية في الشارع وللناشطين في فلكها، وما يحكى عن أموال الأمم للنازحين السوريين؟ وماذا عن عامل الحركة التجارية الذي يحدث دورة مالية ولو مكبلة لهذه التدفقات والأموال الضئيلة؟.
في الواقع تعتبر هذه الأموال السبب الرئيسي للدورة المالية، ولكن في حال استمرار الحركة والخروج من العطلة التي تتمدد منذ السابع عشر من تشرين 2019، ذلك ان الدولة في حالة عجز وان وارداتها تتراجع يوما بعد يوم ، مع ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك في ظل ظاهرة طبع الأموال بلا سند حقيقي من تضخم كارثي على الواقع اللبناني، ولبنان في جمود مع الثورة ثم مع كورونا والآن قطع الطرقات يعني محاصرة الاسواق التي تعيش على الفتات التي ذكرناها آنفا فهل يستحضر الثوار هذه التفاصيل؟.
عمليا يحصل أن الثوار مقسمون، الثوار على الأرض، فئة حزبية تسعى إلى محاصرة بعض من في السلطة وهذه الفئة عندها مشروع سياسي بديل، وفئة ممسوكة من قوى محلية معروفة، وفئة الزمها المر بخيار الأمر في الشارع، وفئة عندها طروحات معينة كالزواج المدني والأحوال الشخصية وحقوق الأم اللبنانية وغيرهم.
الجميع عنده مطالب، وما يحصل أن السلطة المستهدفة طرشاء وردودها المتتالية على التحركات تظهرها كأنها تعيش في واد آخر، بمعنى انه لن يكون هناك نتيجة قريبة للحراك إلا إذا حصل الانفجار الكبير وخرج الحزانى من بيوتهم لا إلى الشارع بل إلى حيث يمكن أن يحصل التغيير الكامل، وفي لبنان هذا محال.
إذا، الضرر حاصل، وقطع الطرقات يزيد الأمور سوءا(على مستوى الحركة الخجولة والمحدودة) والتوقعات والايحاءات تشير إلى أن أمورا أكثر سوءا ستحصل غدا على مستوى قطع الكهرباء وأمور أخرى. فماذا سيفعل الثوار هل تنزل الشوارع مقابل بعضها فتعم الفوضى؟.
هذا وارد ولذلك لا بد للفئات التي تنزل إلى الشارع من طاولة مستديرة أو ورقة عمل يتفقون فيها على خيارات أخرى غير قطع الطرقات وعلى خطط بالمفرق تعزز واقع الأفراد اللبنانيين بخطة شاملة لا تنحصر بفئات محددة ثم العمل مع المغتربين على تعزيز الإنتاج المحلي، ثم تشكيل حالة ضاغطة شعبية فرقة تمنع تسريب دولار الدعم وتهريبه اما بفواتير وهمية للاستيراد أو بإعادة تهريب السلع، إذ لا بد من محاصرة هذه الفئات من تجار الحرب في لبنان، هنا يمكن للثورة وبامور اخرى أن تكون فاعلة تبدأ بما ذكر وتنتهي في إعادة الاعتبار للذات للشخصية المعنوية الاقتصادية اللبنانية.
فلا يمكن لقطع الطرقات وطرش السلطة أن يستمر إلى ما لا نهاية لا بد من اداء مدروس ينقذ جانبا من واقع مأزوم إلى حين يحصل التغيير عند الاستحقاقات الكبرى وعندها المسؤولية في عنق كل لبناني.