حقيقةُ “فَضيحة الفيول أويل في لبنان”… البداية
ليبانون ديبايت” – ليلى حاطوم
كَشفَ تحقيق جديد في “فضيحة الفيول أويل” عن مخالفات طرأت عند تسليم عينات الفيول أويل للفحص قبيل شحنها إلى لبنان، مما يشير إلى احتمال تلاعب بالعينات في إيطاليا، وليس بالشحنة التي نقلتها سفينة بالتيك في آذار.
تزامن ذلك مع قرار جديد للقضاء اللبناني يوم أمس السبت 18 أيلول 2020 ، حيث أطلقت اتهامية جبل لبنان سراح جميع الموقوفين في القضية بكفالة مالية إضافة لمنع السفر، وذلك بعد ستة أشهر من اندلاع الفضيحة.
وأظهرت ثلاثة أشهر من الصحافة الاستقصائية المكثفة التي امتدت عبر ثلاث قارات وست دول (لبنان وإيطاليا والإمارات والجزائر والمملكة المتحدة ومالطا) أن عينات الفيول أويل التي كانت في طريقها للاختبار، كانت قد تُركت دون رقابة لمدة 24 ساعة على متن قارب انتظار قبل شحنها إلى مختبر في إيطاليا. كما ولم يتم ختم بعض العينات خلافاً للأصول، بحسب مصادر موثوقة.
وفتح هذا المجال أمام أي شخص للعبث بالعينات أو تبديلها، وهو ما يثير تساؤلات حول إهمال القيّمين على جمع العينات ونقلها واختبارها.
أضف إلى ذلك، لم يتم اختبار العينات مباشرة من قبل المختبر المتفق عليه أساسا وهو”مكتب ڤيريتاس – مفتشية مالطا” Bureau Veritas Malta Inspectorate.
فعلى ما يبدو قام مختبر Bureau Veritas وفي وقت حرج، بإبلاغ كل من البائع الأساسي وهو شركة (GalTrade) الايطالية والمشتري (ZR Energy DMCC) أنه لا يمكنه إجراء الاختبارات في مالطا بسبب مخاوف تتعلق بوباء كورونا، وهو ما اضطر البائع والشاري للرضوخ إلى تغيير المختبر الفاحص للعينات والقبول بمختبر Amspec في صقلية.
عند الاتصال بـ Bureau veritas، أكدت الشركة أنها لم تكن الطرف الذي أجرى الاختبارات المعملية للعينات، وأن المشتري والبائع اتفقا “سويةً” على أن يقوم مختبر Amspec في صقلية بإجراء فحص العينة.
وفي رد بالبريد الإلكتروني على استفساراتنا، شددت كلير توماس، المستشار العام لمكتب فيريتاس، ومسؤولة المخاطر والامتثال لمنطقة جنوب وغرب أوروبا، على أن Bureau Veritas “من خلال مفتشية مالطا الفرعية التابعة لها، لم تختبر العينات التي تم رفعها من السفينة بالتيك.”
وأضافت السيدة توماس أنه “بسبب قيود وباء كوفيد١٩” ، لم تتمكن Bureau Veritas من “نقل” العينات إلى مالطا، على الرغم من أنها “مسؤولة عن أخذ العينات” واختبارها.
نتيجةً لذلك ، ووفقًا للسيدة توماس، فقد أصدرت كل من GalTrade و ZR Energy DMCC “تعليمات” لـ “Bureau Veritas – مفتشية مالطا” “بتسليم العينات إلى Amspec في صقلية وطلبا تقريراً عن نتائج Amspec.
لكن هنا تصبح الأمور أكثر إثارة للاهتمام:
فوفقًا للمعلومات التي تم الحصول عليها من مصادر موثوقة، قام Bureau Veritas في البداية بجمع العينات ووضعها على متن قارب انتظار متجه إلى صقلية قبل يوم واحد من الحصول على موافقة المشتري ZR DMCC.
ونتيجة لذلك، لم يتم إبلاغ المشتري مباشرة بحقيقة أن العينات قد تم تحميلها على قارب انتظار متجه إلى Amspec Sicily قبل ٢٤ساعة من الاستحصال على موافقته للقيام بذلك.
يشير هذا إلى أن Bureau Veritas Malta Inspectorate قد تصرف في البداية بضوء أخضر واحد من البائع GalTrade وليس من المشتري ZR DMCC، والذي تم إبلاغه فقط بعد يوم من نقل العينات إلى قارب انتظار.
“عندما تم منح موافقة الشاري ZR DMCC، كانت العينات موجودة على القارب بالفعل، ولم تتم مراقبتها لمدة يوم كامل، والبعض من هذه العينات لم يكن مختوما كما تتطلب أصول نقل مثل هذه العينات. بالتالي، كان يمكن لأي شخص العبث بها خلال تلك الفترة”، بحسب المصادر في إيطاليا.
شهادة بإسم مختلف ؟!
على الرغم من تأكيد السيدة توماس بأن الشهادة الصادرة عن Bureau Veritas Malta’s Inspectorate “تشير بوضوح إلى أن التحليل تم بواسطة مختبر طرف ثالث”، إلا أن Bureau Veritas أخفق في توضيح سبب إصدار شهادة النتائج باسم ڤيريتاس وليس باسم الطرف الثالث أي Amspec الذي لم يتم ذكره في الشهادة، بل بقي كـ “طرف ثالث”.
هذه الشهادة التي صدرت بإسم Bureau Veritas Malta’s Inspectorate كانت في صلب الفضيحة التي شهدت اتهامات بالاحتيال منذ وصول الباخرة بالتيك إلى لبنان، حيث أظهر اختبار إضافي ولكن معهود للعينات التي أجريت أثناء تفريغ الشحنة، الى وجود عدم تطابق في معيار واحد فقط، وهو وجود “رواسب أعلى “وهذا يتعارض مع الشهادة الصادرة عن Bureau Veritas Malta’s Inspectorate” علماً بأن النتائج المخبرية الصادرة باسم Bureau Veritas Malta’s Inspectorate كانت حاسمة لحصول الصفقة المقدّرة بملايين الدولارات، والتي شملت عدة شركات طاقة والحكومة اللبنانية.
بالتالي، وبناءً على نتائج المختبر الأولى التي أشارت إلى أن العينات كانت “حسب المواصفات” (بما يتماشى مع المواصفات التعاقدية)، وافق الشاري ZR Energy DMCC ومقره دبي على شراء شحنة الفيول أويل من GalTrade الإيطالية، ومن ثم اشترتها منه شركة Sonatrach BVI المسجلة في الجزر العذراء البريطانية، التابعة لعملاق النفط والغاز الجزائري سونطراك.
كما وأنه بسبب النتائج المخبرية المعتمدة من Bureau Veritas Malta’s Inspectorate، وافقت كل من شركة Sonatrach SPC BVI والحكومة اللبنانية على صفقة الفيول أويل، ووجدت الشحنة طريقها إلى لبنان.
ووفقًا لمقابلة هاتفية سابقة مع يوسف الخازن، محامي سوناطراك SPC BVI في بيروت، “هناك اتفاق بين الحكومة اللبنانية وشركة SPC BVI على عدم تحميل أي شحنة من الموانئ الرئيسية إلى وجهتها النهائية في لبنان قبل فحص تلك الشحنة في مختبر معتمد من قبل كل من الحكومة و SPC BVI. وحالما توافق الحكومة على نتائج الاختبار، تصبح الشحنة ملكا للحكومة اللبنانية ويتم تحميلها في السفينة وإرسالها إلى لبنان”.
ومن هنا، فإن مخاوف وتساؤلات تُثار حول حقيقة استصدار Bureau Veritas Malta Inspectorate شهادة بإسمها بناء لتقرير Amspec حول توعية الفيول أويل، وإذاما كان الأمر مقصودًا أضف إلى ذلك إهمال العينات قبل الاختبار، مما أفسح المجال لإمكانية التلاعب بها.
وبالتوازي مع هذا الأمر، أكدت مصادرنا في دوسلدورف بألمانيا أن شركة ألمانية أخرى للطاقة ومقرها دبي، UNIPER Energy DMCC، وهي تمتلك وتدير منشأة إنتاج فيول أويل بحري منخفض الكبريت في الإمارات، قد واجهت أيضا مشكلة مماثلة مع شحنة فيول أويل مشتراة من شركة GalTrade، والتي أظهرت أنها كانت خارج المواصفات بسبب وجود “رواسب أعلى” وهي نفس المشكلة التي واجهتها ZR Energy DMCC عند فحص الشحنة مجددا في بيروت.
باءت محاولاتنا الوصول إلى كل من مكتب UNIPER في الإمارات والمتحدث الرسمي باسمها في ألمانيا بالفشل.
لكن مصادر قريبة من الشركة أكدت الخبر، قائلة: “شارك الفريق القانوني في UNIPER في محادثات مع GalTrade لبعض الوقت الآن. يبدو أن قضية الرواسب تتعلق بهذه الشحنة التي باعت منها غالترايد كميات لعدة شركات”.
هل تم تبديل الشحنة في البحر؟!
وفقًا لمصادر تابعة للموانئ الإيطالية، قامت سفينة BALTIC MT بتحميل الفيول الذي تم شراؤه من GalTrade والذي اعتمدته Bureau Veritas على أنه “مطابق للمواصفات”، من نقطة تُعرف بمصطلح الموانئ بـ OPL (حدود الميناء الخارجي)، والمقصود هنا حدود ميناء أوغوستا الخارجية في إيطاليا.
وبالتالي فقد تم تحميل الشحنة في البحر قبالة ميناء أوغوستا في إيطاليا.
وعادة ما تكون نقطة الـ OPL على بعد 3 أميال بحرية من مدخل الميناء، حيث يمكن للسفينة تحميل البضائع دون توقف، وبالتالي، فإن هذه الواقعة تتعارض مع الشائعات التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية المتشاحنة في لبنان ووكلائها في وسائل الإعلام، حيث استخدموا لقطة لصورة من محدد الموقع GPS لسفينة بالتيك وهي تقوم بتحميل الفيول أويل من سفينة “White Trader” الراسية، للإيحاء بأن سفينة بالتيك قد توقفت في أعالي البحار خارج الحدود البحرية اللبنانية واستبدال الشحنة بأخرى ذات نوعية سيئة.
صورة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المتداولة هي في الواقع لسفينة Baltic MT خلال تحميلها للفيول أويل في البحر من نقطة الحدود الخارجية لميناء أوغوستا، وليست تبديلاً للشحنة بأخرى أقل جودة، كما ادعى بعض السياسيين اللبنانيين وأنصارهم.
ومع ذلك، فمن الناحية القانونية، لم تكن سفينة Baltic MT في حالة خرق لأي موجبات تعاقدية عندما قامت بتحميل شحنة الفيول أويل من نقطة الأوفشور التابعة لمرفأ أوغوستا الايطالي، وبحيث يُعتبر التحميل وكأنه من الميناء مباشرة.
في المقابل، يتجاهل بعض السياسيين اللبنانيين حقيقة أن العقد كان بين الحكومة اللبنانية وSonatrach BVI، وليس مع الطرف الثالث الذي زود SPC BVI بالفيول أويل، وهو خطأ كان قد وقع فيه القضاء اللبناني بدايةً وخلافاً للقانون.
بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يتحججون بأن العقد المبرم بين الحكومة وشركة SPC BVI يمنع الشركة من تحميل الفيول أويل من سفينة إلى أخرى.
لكنهم يتناسون أن SPC BVI، التي لا يحظرها العقد من الحصول على الفيول أويل من مصادر مختلفة، لم تكن الطرف الذي حمّل الشحنة من سفينة أخرى، بل هي اشترت الشحنة محملة في السفينة.
وعند هذا الأمر يصبح من الواضح أنه لا SPC BVI ولا Baltic كانتا تنتهكان اتفاقهما التعاقدي.
توقعات بمزيد من الإجراءات القانونية:
وفقًا لمصادر قريبة من ZR Energy DMCC، فإن المفاوضات القانونية المطولة القائمة حالياً بين الشركة وبين GalTrade قد تُفضي إلى قيام زد آر بمقاضاة غالترايد بتهم الاحتيال وخرق شروط التعاقد.
وأكدت المصادر أن الشركة منخرطة حاليًا في مراسلات رسمية مع Bureau Veritas أيضاً لتحديد مكمن الخطأ، وأن هذا الأمر قد يجد طريقه أيضا إلى المحكمة.