ديماغوجية باسيل… تضيع البوصلة
عند كل مفترق طرق، وكلما وصلت القوى السياسية الى افق مسدود لحل الازمات، وكلما دخل البلد في فراغ رئاسي أو حكومي، تخرج الى الواجهة طروحات قديمة – جديدة تتصل بضرورة الذهاب الى عقد اجتماعي جديد أو مؤتمر تأسيسي ينتج عنه تغيير أو تعديل في النظام تمهيداً لإعادة تكوين السلطة وتعديل اتفاق الطائف، علما أن الطبقة الحاكمة كانت ولا تزال السبب الرئيسي والوحيد في ضرب النظام اللبناني وتحويله إلى طائفي قائم على المحاصصة، ولذلك فإن طرحها المؤتمر التأسيسي أو ما يعادله لا يعني أن هذه القوى بمختلف شرائحها السياسية تبغي الوصول حقيقة إلى دولة مدنية، بقدر ما تريد الانقضاض أسوة بغيرها على مقدرات الدولة عبر حرب الصلاحيات التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ عند كل تضارب في المصالح.
ا شك في أن المنطقة تتجه والاقليم نحو إعادة ترتيب وتوزيع النفوذ بعد استلام الإدارة الأميركية الجديدة، ومرد ذلك أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قد يذهب إلى تفاهمات مع روسيا والدول الأوروبية لإيجاد ما يعرف بالتسويات لبعض الأزمات في الشرق الأوسط، فضلا عن أنه سيعيد احياء الاتفاق النووي مع ايران ولو وفق بنود واسس جديدة. من هذا المنطلق لا يخفى ان كل طروحات تغيير النظام في لبنان لا ترتبط بالداخل وتفاهمات “الكبار” بقدر ما ترتبط بالخارج وبالتطورات الاقليمية والحسابات الدولية التي قد تحاكي غايات واهداف قوى محلية من هذا المحور او ذاك.
لم ينس أحد دعوة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في العام 2012 الى مؤتمر تأسيسي وطني يضع مرتكزات دولة حقيقية قوية فاعلة، وسرعان ما اعاد طرح هذه الفكرة العام الماضي فأبدى انفتاح الحزب على مناقشة الاقتراح الفرنسي بشأن التوصل إلى “عقد سياسي جديد” في لبنان شرط أن يكون “بإرادة ورضى مختلف الفئات اللبنانية.
وإذا كان هناك من يظن أن “حزب الله” يسعى جاهدا الى تغيير النظام وينتظر الظروف الملائمة لذلك، فإن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل دق ناقوس سقوط النظام، عندما اعلن الاحد ان النظام قد فشل ويحتاج الى الاصلاح وطالب بعقد حوار وطني، ينتج عنه تصور مشترك لنظام سياسي جديد يضمن الاستقرار بالبلد. فلا الحكومة، ولا مجلس النواب، ولا القضاء قادرون على القيام بالإصلاح. فهل هناك تفاهم ضمني لوضع الجميع امام سياسة الامر الواقع لتمرير ما يمكن تمريره على صعيد الحكومة، ام ان هناك محاولة جدية للانقلاب على الدستور؟
لا ريب ان باسيل، وفق مصادر مطلعة لـ”لبنان24″، قرر القفز فوق الملف الحكومي وتوجيه البوصلة نحو ازمة الحكم والنظام التي يجب العمل على معالجتها باسرع وقت ممكن. فاطلالة باسيل الاحد عطفا على تسريب الفيديو لرئيس الجمهورية امس خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وهجومه اللاذع على الرئيس المكلف سعد الحريري وما سبقها من لجوء إلى المجلس الدستوري بهدف الالتفاف على الطائف وفق توصيف بعض السياسيين، يؤكد بما لا يقبل الشك ان هناك تنسيقا وتقاطعا بين بعبدا وميرنا الشالوحي بهدف ايصال الرسائل للقاصي والداني ان أحدا لا يمكنه تجاوز صلاحيات الرئاسة الاولى، خاصة بعدما وصلت الامور الى ما وصلت اليه من انهيار مفاهيمي واختلاف عامودي حول الادارة اليومية بين مؤسسات الحكم والتفسير الانتقائي للطائف.
ومع ذلك، لا يختلف اثنان، وفق أوساط سياسية اخرى، ان باسيل خرج من الدور النصف النهائي وبات خارج اللعبة السياسية بين “بيت الوسط” وحارة حريك ولم يعد يتمتع بالدينامية السياسية المتجددة التي تتخذ القرارات، الى حد ان “حزب الله” الذي لن يفرط بالحريري لرئاسة الحكومة يكاد يتعاطى بلا مبالاة مع “التيار الوطني الحر”، عطفا عن انه وحركة “امل” يعتبران ان القانون الانتخابي هو المدخل للاصلاح ولإعادة تكوين السلطة.
ولا تخفي شخصية مسيحية قلقها من أداء باسيل وخطاباته الشعبوية؛ بالنسبة إليها المعضلة تكمن في الخلاف حول ماهية النظام ودورالطوائف في سلطة لبنان. فالطائفة المارونية لا تطالب بتغيير النظام إنما بإعادة تموضع الطوائف داخل النظام، متسائلة هل هناك سلطة في الدولة تمتملك المصداقية لتدعو إلى تعديل دستوري؟ وأي ثقة في ظل انعدام التكافؤ بين المكونات السياسية في ظل ظاهرة السلاح؟ ولماذا يصر باسيل على اللعب على وتر العصبيات الطائفية طالما انه يدرك أنها سوف تنعكس سلبا عليه وعلى حقوق المسيحيين؟ الم يدرك بعد ان سياسة توزيع الهدايا والرسائل يمينا ويسارا، الى الداخل والخارج معاً لم ولن تؤتي ثمارها لمصلحته في المستقبل القريب والبعيد؟
رمى باسيل كرة التاليف بعيداً متجاوزاً التحديات الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية التي يعاني منها اللبنانيون، فديماغوجيته، وفق ما تقول الشخصية السياسية نفسها، من شأنها ان تضيع البوصلة الحقيقية وتؤسس إلى فراغ رئاسي وتعطل انتخاب رئيس جديد في العام 2022 قبل عقد “مؤتمره التأسيسي”، علما أنه يدرك أن أحدا لن يقبل من المرجعيات السياسية أو الروحية إعادة منم النظر بالنظام من دون رعاية دولية تحفظ حقوق الجميع، اسوة بمحطات 1920 و1943 و1989.