سلاح اللقاح.. الصينيون والروس يتحدّون الأميركيين والعرب في ساحة المعركة
حضر البعد السياسي لقرار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باستبعاد اللقاحات الأميركية والبريطانية من قائمة اللقاحات التي تعتمدها إيران في مواجهة تفشي وباء كورونا، لكنّ دولا عديدة في الشرق الأوسط كانت تنظر شرقا إلى الصين وشمالا إلى روسيا بحثا عن حلول للأزمة بخيارات ليست غربية، في وقت تبدو الدبلوماسية الأميركية في تراجع بسبب أزمات داخلية.
وأعلن خامنئي، الجمعة، أن “دخول اللقاحات من أميركا وبريطانيا إلى إيران ممنوع. أبلغت المسؤولين بهذا وها أنا أقوله على الملأ الآن”.
وتظهر هذه الخطوة أن إيران تراهن على التوجه نحو الصين وروسيا للحصول على اللقاح شأنها شأن دول أخرى في الشرق الأوسط عملت على تنويع مشترياتها وعلاقاتها الاقتصادية مع الغرب والشرق، وبعضها محسوب كحليف استراتيجي للولايات المتحدة.
ومن شأن هذا التنويع أن يطال كذلك مسألة اقتناء اللقاحات، في وقت بدت فيه الشركات المنتجة واقعة تحت إغراءات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتعرف الدوائر الأميركية أن شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بدأوا يبحثون عن بدائل خارجها خاصة في ظل الارتباك السياسي في واشنطن بشأن قضايا إقليمية تتعلق بإيران والعراق واليمن وسوريا، ما دفع بدول مثل السعودية ومصر والإمارات إلى بناء علاقات جديدة تقوم على المصالح مع روسيا والصين على وجه الخصوص. والأمر نفسه يتعلق باللقاحات وتنويع مصادر اقتنائها.
وتظهر “دبلوماسية اللقاحات” بشكل جليّ في الشرق الأوسط عندما أظهر عدد من شركاء واشنطن رغبة واضحة في الحصول على المنتجات الروسية أو الصينية، بالرغم من أنه، إلى حد الآن، لا أحد بوسعه أن يجزم ما إذا كان لقاح “سبوتنيك في” الروسي، أو اللقاحات التي طورتها شركتا سينوفارم وسينوفاك الصينيتين، فعالة.
ويقول ستيفن كوك، الخبير في سياسة الولايات المتحدة والشرق الأوسط، إنه “يكفي أن ننظم جولة قصيرة عبر الشرق الأوسط حتى نرى حجم دبلوماسية اللقاحات”.
وبدأت مصر، في أواخر كانون الأول الماضي، تلقيح العاملين في مجال الرعاية الصحية بلقاح سينوفارم. ولا يعرف أحد مدى تأثير الفايروس على المجتمع المصري حقا، مما يجعل قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بقبول المساعدة أينما أمكنه الحصول عليها أمرا منطقيا.
ونظرا إلى حجم استثمارات بكين في البلاد، تتعدد الأسباب التي تدفع القيادة المصرية للحفاظ على علاقات قوية مع الصين. كما يبقى قبول مصر السريع للقاح سينوفارم جزءا من جهود القاهرة لتصبح مركزا إقليميا لإنتاج اللقاحات وتوزيعها، بما في ذلك لقاح “سبوتنيك في” الروسي.
وباتباع القاهرة لأسلوب “الحياد الإيجابي”، تستعد مصر لتلقي 50 مليون جرعة من لقاحي فايزر وأسترازينيكا. ويعكس هذا الطريقة التي يرى بها المصريون علاقاتهم الشاملة مع الصين وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، بدأت تركيا تلقيح مواطنيها بمنتج صيني الصنع.
وعلى الرغم من أن تركيا ستحصل على دفعة صغيرة من لقاح فايزر، إلا أن الحكومة تبدو أكثر ميلا نحو العمل مع روسيا والصين. فبعد أسابيع قليلة من تصريحاتها حول سينوفاك، أعلنت تركيا أنها ستنتج لقاح “سبوتنيك في” محليا.
ومن المرجح أن يؤدي تعاون الأتراك والروس على صعيد اللقاح إلى تعزيز تحالفهما الاستراتيجي أيضا.
وتختلف أهداف شركاء الولايات المتحدة في الخليج في التعاطي مع اللقاحات، حيث اشترى السعوديون لقاح فايزر، ويعتمد القطريون على فايزر وموديرنا.
وتستخدم سلطنة عمان والكويت لقاح فايزر، واتجّهت البحرين نحو لقاح سينوفارم مثلها مثل الإماراتيين. ولا أحد يشك في قدرة الإماراتيين على تحمل تكلفة منتجات فايزر وموديرنا الأغلى ثمنا، ومن المرجح أن تستخدمها الإمارات أيضا.
وقال كوك، في تقرير لمجلة فورين بوليسي، إن إسراع البحرين والإمارات نحو لقاح سينوفارم يعكس ما يحدث على نطاق واسع في الخليج أين تحتاط الدول من الانسحاب الأميركي والانقسام في سياسة الولايات المتحدة الذي يقلل من فاعلية واشنطن على مستوى العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، مما يجعل الصين وروسيا بديلين معقولين.
وربما لا تعني دبلوماسية اللقاح الكثير، إذ تعمل الدول على السيطرة على الفايروس، وتجد نفسها أقرب إلى اللقاحات الروسية والصينية التي تقدم حلولا فعالة من حيث التكلفة.
ويعتقد كوك أنه إذا كان الأميركيون قلقين بشأن التحدي الصيني والروسي، فسيروْن في غياب بلادهم عن محاربة فايروس كورونا في مجموعة متنوعة من الأماكن المهمة، بما في ذلك الشرق الأوسط، أمرا صارخا، وسيسعون من بوابة عروض اللقاحات إلى كسب القلوب والعقول في المنطقة، والتغلب على موسكو وبكين في هذه العملية.
المصدر: صحيفة العرب