طرابلس والشّمال بؤر التوتّر المقبل؟
تحت عنوان طرابلس والشّمال بؤر التوتّر المقبل؟، كتب عبد الكافي الصمد في “سفير الشمال”: بعد أشهر قليلة من إنطلاق شرارة الحراك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل 2019، نُشرت مقالات وتحليلات تفيد أنّ أجواء الإحتجاج التي عمّت مختلف المناطق اللبنانية في وجه الطبقة السياسية، وتفشّي الفساد، وتردّي الوضع المعيشي والإنهيار الإقتصادي والمالي، في طريقها لأن تنحسر في مناطق معينة في الفترة المقبلة، بعدما جرى احتواؤها في مناطق أخرى.
رويداً رويداً بدأت الصورة تتضح؛ ففي المناطق ذات الأغلبية الشّيعية إستطاع الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، إستيعاب أجواء الحراك منذ البداية، معبّراً بذلك عن قدرة ذلك الثنائي على الإمساك بالأرض في مناطق وجوده ونفوذه، ومنعها من الخروج عليه، أو استغلالها ضدّه من جهات أخرى، داخلية وخارجية.
في المناطق الدرزية حصل الشيء نفسه تقريباً، وإن كان التواصل المباشر وغير المباشر بين الثنائي الدرزي، الذي يقوده كلّاً من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال إرسلان، قد أرسى تفاهماً على تجنيب مناطق الأغلبية الدرزية كأس الفوضى المرّ، لما له من إنعكاسات سلبية لا تقدر طائفة صغيرة كالدروز على تحمّلها.
أمّا المناطق المسيحية فإن التفاهم على تجنيبها أن تكون ساحة صراعات بين أركانها وقواها السياسية الرئيسية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المردة وحزب الكتائب، أخذ وقتاً أطول، إذ شهدت هذه المناطق توتّراً بالغاً أعاد إلى الأذهان الحروب والصراعات القديمة التي دارت بين هذه القوى على الساحة المسيحية، ودفعت ثمنها غالياً، ما فرض تعاطياً واقعياً من قبل هذه القوى مع مخاطر دخولها بصراعات داخلية لن يخرج أحد منها رابحاً، فكان أن جرى التفاهم على “تبريد” الحراك الإحتجاجي في السّاحة المسيحية، ولو نسبياً وإلى حين.
وحدها المناطق ذات الأغلبية السّنّية بقيت خارج السّيطرة، وبدت منذ الأيّام الأولى للحراك الشّعبي وحتى اليوم تائهة وتعمّها الفوضى والضياع، وتشتت القوى السياسية فيها، ودخول أكثر من لاعب محلي وخارجي على اللعب بارتياح على السّاحة السّنّية، مستغلة التراجع الدراماتيكي لتيّار المستقبل على هذه السّاحة، وانتشار العوز فيها على نطاق واسع، خصوصاً بعدما أظهرت دراسات وأرقام أن معدلات الفقر والبطالة والتسرّب المدرسي تنتشر في المناطق السّنّية، أكثر من غيرها بأضعاف أحياناً، ما جعلها أرضاً خصبة لكل طامح ومغامر وصاحب مشروع من أجل بثّ الفوضى، أو الإستخدام في تصفية الحسابات سواء داخل الطائفة السّنّية أو خارجها.
ومن يتأمل خارطة ومسار تحرّكات الحراك الشّعبي منذ أكثر من سنة، يلاحظ أن المسرح الرئيسي لها كان في الشّارع السّنّي، من بيروت إلى صيدا والبقاع. فضلاً عن طرابلس ومناطق شمالية معينة، ما أجاب على الكثير من التساؤلات المقلقة حول لماذا بدت هذه المناطق متوترة وساخنة على الأرض أكثر من غيرها؟، وما هو المخطط المرسوم لها في المراحل المقبلة التي يبدو أنّها ستكون حافلة بالتطوّرات؟.
هذا الحدس ترجم على الارض توترا في طرابلس وجوارها في الايام الاخيرة من العام الماضي والايام الاولى من العام الجديد، بينما بقيت معظم المناطق اللبنانية هادئة. ففي 26 كانون الاول الماضي جرى احراق مخيم للنازحين السوريين في بلدة بحنين، الامر الذي اعطى مؤشرا مقلقا وطرح تساؤلات حول اسباب ما حصل وتداعياته.
وأمس، وحدها طرابلس من بين بقية المدن والمناطق اللبنانية شهدت تحركات على الأرض ضد الطبقة السّياسية واحتجاجاً على تردّي الأوضاع، وسط انقسام لافت بين مكونات الحراك الشعبي في المدينة وجوارها، ما ينبىء بتطورات غير مطمئنة أبداً ينتظر أن تحملها معها الأيّام المقبلة.
المصدر: سفير الشمال