إغتيال إيران “نووياً” يُحيي عِظام… “الشيطان الأكبر”!
كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:
يبدو أنّ “اسطوانة” التوعّد بالردّ الساقطة بمرور الزمن، لن تنتهي في معرض “اللاردّ” والتنصّل التاريخي منه، مشفوعة بالعبارة الشهيرة في “المكان والزمان المناسبين” التي يردّدها النظام الإيراني، ومن قبله النظام السوري، على أثر الضربات الموضعية العسكرية غير المباشرة أو البوليسية المباشرة الموجعة من قبل “إسرائيل”.
غير أنّ هذه المرّة تختلف تماماً عن سابقاتها. فاغتيال أرفع عالم نووي إيراني، في هذا التوقيت الإنتقالي الحرج في العالم، بفِعل النتائج الدرامية للإنتخابات الرئاسية الأميركية، والرهان الإيراني على مرونة إدارة جو بايدن، وما يرتّبه من “نقل البندقية من كتف الى كتف” ومحاباة “الشيطان الأكبر” لالتقاط أنفاسه الأخيرة، يجعل الجهة الضالعة بالإغتيال التي تحوم حولها علامات استفهام مريبة عن سهولة خرق النظام الأمني الحديدي الإيراني، تُمعن في كسر هيبة النظام الإيراني الذي لن يتمكّن كعادته، وخصوصاً في هذا الظرف، من القيام بأي مغامرة ردّ، ولو عبر “فروعه وأصوله” في المنطقة.
إغتيال أحد أبرز المشرفين على المشروع النووي الإيراني في قلب طهران، لا يُعتبر حدثاً عادياً، ولا مجرّد اغتيال يُمكن توقّعه في بلد طالما وُصِف نظامه بالأمني، بل تميّز بالقدرة على تنفيذ عمليات أمنية على طول الكرة الأرضية، من مشرقها الى مغربها، عبر أذرعه المزروعة الجاهزة “غبّ الطلب” في عدد من الأقاليم.
ليس هذا فحسب، فهو اغتيال يأتي بعد سلسلة اغتيالات طاولت علماء ايرانيين في الملفّ النووي في السنوات الأخيرة، وبعد استهداف مراكز ترتبط بالملفّ النووي بطرق سيبرانية أو بشكل تخريبي مباشر.
إغتيال محسن فخري زادة بعد ظهر الجمعة في شرق طهران، بعملية أمنية قامت بها مجموعة نفّذت تفجيراً مهّد لهجوم مسلّح على السيارة التي كان يستقلّها العالم الإيراني، الذي وُصف بأنّه “أبو القنبلة الذرّية الايرانية”، يُمكن ادراجه في سياق الفضيحة الأمنية، وهو يعكس حجم الإختراق الأمني الذي أكّده أكثر من خبير، وألمح اليه اكثر من مسؤول ايراني، إنطلاقاً من أنّ تنفيذ عملية كهذه يتطلّب كمّاً من المعلومات لا يمكن الإستحصال عليها إلاّ من داخل المؤسسة الإيرانية الأمنية، خصوصاً المتّصلة بتحرّكات وطرق تنقّل المسؤول الإيراني الذي كان مُهدّداً بالإسم من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال في مؤتمر صحافي قبل عامين “احفظوا هذا الإسم جيداً”، وذكر زاده بشكل واضح وصريح.
المواقف الرسمية الإيرانية اتّهمت اسرائيل بالوقوف وراء الجريمة. الرئيس حسن روحاني قالها بوضوح، واستتبعها بموقف أنّ الردّ على الجريمة سيتمّ في الوقت المناسب. واستُتبِع هذا الموقف بموقف لمستشار قائد “الحرس الثوري” أنّ الردّ لن يكون في المدى القريب. كما حرصت القيادة الإيرانية على توجيه رسائل الى واشنطن مفادها أنّها لن تسمح باستهداف جنود اميركيين.
الضربة التي تلقّتها ايران مُحرجة للنظام، المعني بالردّ عليها وإعادة الإعتبار لهيبته الملطّخة، وهذا ما عبّرت عنه المواقف الإيرانية التي اتّهمت اسرائيل، وأظهرت ليونة تجاه واشنطن، وإن من زاوية الفصل بين “إدارة ترامب” الحالية و”إدارة بايدن” القادمة، في إشارة الى أنّ ايران تراهن على الرئيس جو بايدن الذي أعلن أنّه سيُعيد الإعتبار للإتفاق النووي مع ايران، وإن بشروط جديدة.
التنازع الإيراني ـ الإسرائيلي انكشف أكثر على حقيقة أنّ الطرفين يريدان استمالة بايدن، إمّا بفرض وقائع سياسية وميدانية لا يُمكنه القفز فوقها من خلال محاولة اسرائيل استفزاز طهران، كما حصل عبر الإغتيال الأخير، أو من خلال الرهان الإيراني على ضبط النفس، بما يساهم في تنشيط العلاقة وتحفيزها مع الادارة الجديدة، ولعلّ إدانة مدير الإستخبارات الأميركية في عهد الرئيس باراك اوباما عملية الإغتيال تضيء على هذا المنحى الإيراني، من خلال ما ينطوي عليه هذا الموقف من مسؤول أميركي سابق، وممّا يعزز ذلك ايضاً ردّة فعل المرشد علي خامنئي الذي لم يحمّل واشنطن أي مسؤولية، ولاقاه بايدن بعدم التعليق على الجريمة، وهذا ما تعتبره طهران مكسباً مبدئياً.
يبدو أنّ ايران تتّجه الى استيعاب الضربة المُحرجة، من دون أن تتوقّف القيادة عن حقّها بالردّ، كما هي الحال مع عملية اغتيال قاسم سليماني قبل أقلّ من عام، وهي بذلك تحاول أن تُعزّز من فرضية إعادة الإتفاق مع واشنطن، فيما الأخيرة تدرك أنّ سياسة الضغوط القصوى التي اعتمدتها إدارة ترامب ولا تزال، ساهمت في تهذيب السلوك الإيراني تجاه واشنطن الى حدّ ما، وعزّزت الحاجة الإيرانية لإنجاز اتفاق مع واشنطن، بعدما أظهرت كلّ محاولات طهران أنّ الإتّجاه نحو روسيا والصين لا يُغني عن علاقة شبه طبيعية مع واشنطن. من هنا، فإنّ تجربة الإدارة الديموقراطية في عهد اوباما أغرت ايران بفرص جديدة للإتفاق مع بايدن، وأظهرت أنّ فرصها المتاحة في الردّ على اسرائيل تكمن في انجاز اتفاق أو ورقة تفاهم مع واشنطن، طالما أنّ الصين وروسيا لا توفّران لها أي حصانة تجاه المخاطر الخارجية، وطالما أنّ الحرب تكاد تنتقل الى أراضيها. فرصة ايران، كما ترتسم بعد اغتيال العالم النووي زادة، تكمن في مزاحمة اسرائيل على اجتذاب الإدارة الجديدة في عهد بايدن، بعدما بات “الشيطان الأكبر” الفرصة التي يحاول نظام ولاية الفقيه التقاطها والتشبّث بها من أجل البقاء.