جاء في “الراي” الكويتيّة:
توتّر الوضع الأمني في جنوب لبنان منذ عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة «حماس» في غلاف غزة، لكن التوتر هذه المرة اتخذ بُعداً مختلفاً وبدا كأنه يتأرجح بين معادلتيْ: عدم إشعال الجبهة حالياً لحسابات سياسية متعددة، وبين إشغال الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً ترجمةً لشعار «وحدة الساحات» في إطار معركة المقاومة الكبرى.
وأطلّت من خلف غبار السخونة على الجبهة اللبنانية مجموعة وقائع لافتة، إلى جانب قيام «حزب الله» بتنفيذ عمليات عسكرية وتبنّيها رسمياً على وقع إعلان «لسنا على الحياد» في معركة «طوفان الأقصى».
فدخول «حماس» على خط العمليات العسكرية انطلاقاً من الجنوب شكّل سابقةً، أقله في إعلان المسؤولية الرسمية، إذ أكدت «كتائب عز الدين القسام» – الجناح العسكري للحركة (الثلاثاء) في بيان، أنها مَن قام بإطلاق الصواريخ على بعض المستعمرات الإسرائيلية مؤكدة «كوننا جزء لا يتجزأ من المعركة مع شعبنا في فلسطين وخصوصاً شعبنا في غزة العزة ومقاومتها العظيمة، خطونا خطوةَ على طريق التحريرِ والعودةِ بقصفٍ صاروخي مُركّز على مغتصبات الجليل الغربي من جنوب لبنان».
هذا البلاغ العسكري رقم واحد، جاء سريعاً وبعد ثلاثة أيام فقط من انطلاق الحرب وحَمَلَ رسالةً واضحةً تؤكد تغيير طبيعة المعركة الحالية مع الاحتلال الإسرائيلي وانخراط القوى الفلسطينية هذه المرة في معركة «طوفان الأقصى»، ربطاً بمجريات التصعيد في غزة من جهة، وتأكيداً على معادلة وحدة الساحات لدى محور المقاومة في المنطقة من جهة أخرى.
وخلال الأعوام الماضية، ومع تنامي قوة «حماس» في الداخل، كانت الحركة في لبنان تصرّ على حضورها سياسياً وخدماتياً وصحياً واجتماعياً من دون إبراز أي وجود عسكري سواء داخل المخيمات أو خارجها، وتُعلِنُ أن معركتَها العسكرية مقتصرة على الداخل فقط، ولكن منذ انضمامها إلى محور المقاومة واليوم مع اندلاع معركة «طوفان الأقصى» تَغَيَّرَ الواقع.
وفيما فضّل ممثل «حماس» في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي عدم التعليق على الهجوم الصاروخي، وقال لـ «الراي» نكتفي بالبيان والتفاصيل التي وردت فيه، قالت مصادر الحركة إنها رسالة مزدوجة «الأولى تحمل عنوان التضامن مع شعبنا الفلسطيني، والثانية موجّهة للعدو الصهيوني بأننا لن نسمح باستفراد المقاومة في غزة»، مؤكدة في الوقت نفسه «إذا أقدم العدو على اجتياح القطاع برياً، فإننا لسنا وحدنا في المعركة، وسيدخل إليها محور المقاومة تحت شعار «تَلاحُم الساحات».
وترى المصادر أن «حماس» حرصتْ في بيانها على رفْع شعار واضح لم يقتصر على الانخراط بمعركة «طوفان الأقصى» والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والقدس، أي بدء معركة التحرير في الداخل، وإنما تضمّن إشارةً إلى العودة من الخارج وهذا ما ينتظره اللاجئون الفلسطينيون منذ 75 عاماً تاريخ نكبة فلسطين في العام 1948، وهم ما زالوا يعيشون في مخيمات يزنّرها الفقر المدقع والبؤس من أجل تحقيق هذين الهدفين (التحرير والعودة).
ولم يقلّ دلالة دخول «الجهاد الإسلامي» على خط الجبهة ذاتها، رغم أنها ليست أولى عملياتها من الجنوب، إذ سبق وقام عنصران منها (3 كانون الأول 2002) وهما غسان محمد الجدع من مخيم المية ومية، ومحمد مصطفى عبد الوهاب من مخيم شاتيلا، بتنفيذ عملية نوعية في مستعمرة شلومي، وقد سقطا فيها من دون أن تعلن الحركة مسؤوليتها عن العملية إلا في 30 يناير 2004، أي بعد نحو عامين.
وأعلنت «سرايا القدس» – الجناح العسكري لحركة الجهاد في بيانها (الإثنين) «تنفيذ هجوم على مواقع الاحتلال الصهيوني قبالة الضهيرة شمال فلسطين المحتلة، ضمن معركة طوفان الأقصى، وقد ارتقى خلال العملية اثنان من هما: رياض محمد قبلاوي من عين الحلوة، وحمزة حسن موسى من البرج الشمالي في منطقة صور، وكلاهما من مخيمات جنوب لبنان وقد قَتلا وجرحا نحو ثمانية جنود إسرائيليين».
ويؤكد عضو المكتب السياسي لحركة «الجهاد» وممثلها في لبنان الحاج إحسان عطايا لـ «الراي» أن العملية العسكرية «كبّدت العدو قتلى وجرحى، وتأتي في إطار وحدة الساحات والجبهات، وتحمل رسالتين، الأولى: قطْع الطريق على مشاريع التوطين في لبنان من خلال إصرار الشعب الفلسطيني على القتال حتى تحرير أرضه والعودة إلى دياره، لأنه على قناعة بأن العدو الإسرائيلي لن يقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ولا سيما القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض، وأن القوة هي التي تجبر المجتمع الدولي على الاستماع إلى الحق الفلسطيني وأن الجيل الجديد مصر على العودة حتى لو دفع حياته ثمناً لتحرير الأرض».
أما الرسالة الثانية، يقول عطايا فهي «أن العملية أعادت تصويب بوصلة السلاح الفلسطيني بأنه ليس للاقتتال ولا الفتن ولا لتهديد السلم الأهلي اللبناني أو استقرار المخيمات… وإنما هو سلاح مُقاوِم له وظيفة وعنوان وهدف هو التحرير والعودة»، مشدداً على «أن آلية العمليات العسكرية لدينا في لبنان أن تحصل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا تجرّ لبنان أو تورّطه في فتْح معركة أو جبهة بقرارٍ فلسطيني ولا تعطي العدو الإسرائيلي مبرراً لشن عدوان، وإن كان لا يحتاج إلى ذلك»، وموضحاً «أن العمليات تأتي نصرةً لمعركة «طوفان الأقصى» ولا يمكن للأخوة اللبنانيين أن يكونوا حرس حدود للعدو، ونحن نقول إننا لن نوفر جهداً إن استطعنا إليه سبيلاً لدخول الأراضي الفلسطينية والقتال فيها حتى تحقيق هدفنا بالتحرير والعودة».
ويقول المحلّلُ السياسي الكاتب علي هويدي لـ «الراي» إنه «لا يختلف اثنان على أن انخراط القوى الفلسطينية بمعركة طوفان الأقصى سواء»حماس«أو»الجهاد«هو رسالة مفادها آن الأوان لتوحيد جبهات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي وعدم الاكتفاء بالمعركة من الداخل، على قاعدة أن الكل معنيّ بها من أجل تحرير الأرض والعودة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «أن الرسالة الأخرى موجهة للمجتمع الدولي بأن تخلّيه عن القضية الفلسطينية وتَجاهُلَ تطبيق القرارات الأممية يعني عدم الاستقرار في المنطقة».