كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
يترقب اللبنانيون بحذرٍ انطلاقة السنة القضائية الجديدة، في 16 أيلول الحالي، على وقْع تصعيد جديد ومفاجئ عبّر عنه أكثر من 100 قاضٍ بإعلانهم التوقف عن العمل إلى حين توفير الحياة الكريمة لهم. ويسعى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، هنري الخوري، بالتعاون مع المرجعيات القضائية، إلى احتواء هذا التصعيد، ومحاولة تحقيق الحد الأدنى من مطالب القضاة؛ حتى لا يتحول الاحتجاج القضائي إلى كرة ثلج متدحرجة تشمل كل القضاة والدوائر القضائية.
وأكد مصدر في وزارة العدل، لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزير الخوري «كثّف اتصالاته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزارة المال، ومجلس القضاء الأعلى، وصندوق تعاضد القضاة، لمحاولة انتزاع قرارات تحسن الأوضاع الاجتماعية والصحية والتعليمية للقضاة وعائلاتهم وأبنائهم». وأوضح أن الوزير «متفائل بإيجاد الحلول التي تحقق الحد المقبول من الحقوق، بالإضافة إلى توفير ظروف عمل لائقة في قصور العدل والمحاكم ومكاتب القضاة».
ومنذ أن تلقّف رئيس «مجلس القضاء الأعلى» القاضي سهيل عبود خبر إعلان 111 قاضياً توقفهم الفوري عن العمل، لم يتوقف عن إجراء اللقاءات المكثفة والمشاورات؛ لعدم تفاقم الأمور، وكي لا تتحول هذه الخطوة إلى حافز يلتحق بها بقية القضاة، بما يؤدي إلى شلّ السنة القضائية الجديدة. ونقل زوار القاضي عبود عنه أنه عازم على «طرح هواجس القضاة، خلال الجمعية العمومية للقضاة التي تنعقد في غضون أسبوعين».
وأكد زوار عبود لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير «ورغم فهمه لأوجاع القضاة ومعاناتهم، واستماعه إلى مطالبهم، فإنه لن يقبل بتعطيل السنة القضائية، وشلّ مرفق العدالة، خصوصاً أن اللبنانيين ما زالوا يعانون تداعيات الاعتكاف القضائي السابق، الذي راكم آلاف الدعاوى وأدى إلى تضييع حقوق الناس». وشدد القاضي عبود، وفقاً لزواره، على أنه «يتحسس صعوبة الواقع القضائي وعمل القضاة بظروف صعبة وقاسية جداً، وأنه سيسعى إلى حل أغلب المشاكل أو ما أمكن منها، لكنه يتمنّى على زملائه القضاة أن يدركوا أنهم مؤتمَنون على قضايا الناس، وألّا يستنكفوا عن أداء رسالتهم؛ لأن حقوق المواطنين أمانة في أعناقهم».
مواقف حادة
مقابل محاولات الاحتواء، تبدو مواقف القضاة المعترضين أكثر حِدّة، إذ أشار مصدر قضائي مَعنيّ بالدعوة إلى الاعتكاف، إلى أن «سقف القضاة سيكون عالياً، خلال انعقاد الجمعية العمومية، إذ لا مجال للمساومة والنوم على حرير الوعود مرّة أخرى». وأكد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المطلوب إجراءات فورية يلمسها القضاة، لتعكس ارتياحاً في أدائهم وأعمالهم»، مُذكّراً بأن القضاة «ما زالوا ينتظرون ترجمة للوعود السابقة التي على أساسها أوقفوا الاعتكاف، مطلع العام الحالي، ولم يتحقق منها إلا الشيء القليل».
وفي كلام يعكس حالة الغضب حيال تعاطي السلطة السياسية مع القضاء، قال المصدر الذي تحفّظ عن ذكر اسمه: «كأن السلطة السياسية تريد أن يتحول القاضي إلى متسول أو مرتشٍ ليسهل تطويعه وإخضاعه، لكن رهاناتهم خاطئة، فالقاضي صاحب كرامة ويفضّل البقاء في منزله بدل أن يتحول إلى أداة لأهل الحكم». وخاطب السياسيين قائلاً: «لن نخضع لكم، كرامتنا أغلى منكم ومن مناصبكم».
ومنذ تعليق الإضراب السابق، الذي استمر 6 أشهر، تعمل الدوائر القضائية بالحد الأدنى، إذ يقتصر عمل القاضي على يومين في الأسبوع، وهذا ما زاد من الاختناق القضائي وتراكم الدعاوى، وفوقهم أزمة السجون بسبب ارتفاع عدد الموقوفين، والتأخير في البت بإخلاءات سبيلهم، أو إصدار الأحكام التي تسفر عن الإفراج عن عشرات السجناء يومياً.
وأوضح المصدر القضائي أن «المحاكم وبكل درجاتها تعمل بكل طاقاتها، وتعقد جلسات دورية للتخفيف من معاناة السجون»، لكنه أشار إلى «مشكلة تُعطِّل الجلسات وتحُول دون البتّ بالملفات؛ وهي تتمثل بصعوبة سوق الموقوفين من السجون إلى المحاكم، بسبب النقص في عدد القوى الأمنية المولجة بهذه المهمة، وتعطل معظم الآليات العسكرية المخصصة لنقل السجناء وعجز مؤسسة قوى الأمن عن إصلاحها بسبب الأزمة المالية».